روضة النسيان
بعد سنوات من الغربة والعمل المكثف والمتقطع أحيانًا قررت التنازل عن كل ما أملك لزوجتى!
باختيارى وبلا إلحاح منها، ربما سبّب هذا لها الكثير من الضيق والارتباك.. ولكن هذا هو الحل الوحيد لما صرنا إليه.
فى مكتب مدير البنك صديقى/ أسامة العربى، كنت أنهى كل الإجراءات اللازمة لأتجرد من المال وأتخلى عن مسئولياته.. طلب أحدهم الإذن بالدخول وسمح له المدير، وتلفت أسامة نحوى وقال:
- مفاجأة غير متوقعة يا صديقى.
- خير يا أستاذ أسامة.
دخلت علينا سيدة وقورة الزى والطلعة، وارتبكت لوجود عملاء مع المدير، مع اقترابها من المكتب وضحت لى صورتها فى الزى المدرسى البنى فقلت:
- أهلًا آمال.. فرصة سعيدة.
ارتبكت الضيفة من جرأتى بإظهار سرورى لمقابلتها.
انزعجت زوجتى من كلامى، وقالت:
ـ لا مؤاخذة.. من علامات المرض، تتراقص وتتداخل الأشخاص فى نظره.
قلت: دى آمال.
- يا دكتور «تقصدنى» آمال فى السيارة بالخارج.
- «أنا لسة مخرفتش»، الأستاذة/ آمال الشواف طالبة بمدرسة الروضة الابتدائية المشتركة فصل ٦/١.. صح يا أسامة؟
علق مدير البنك:
- تمام يا... فاكر المدرسة الابتدائى بالتفصيل طب إيه حكاية «ألزهايمر» ده؟
قالت آمال بود وبراءة الزمن الجميل «بعد أن جلست فى مقابلتى بجوار زوجتى»:
- مش معقول نديم زهايمر، لا يمكن.
مدير البنك: إحنا أخدنا الابتدائية من كام وأربعين سنة يا نديم.
- لكن آمال ما شاء الله كانت صاروخ الحساب وكل حاجة بصراحة.
- خذ بالك زوجتك معاك.. «المدير يعلق».
الزوجة: يعنى بنتى اسمها آمال على اسمك.
ونظرت لى زوجتى بتألم وشفقة وحسرة.
ووجدتها تقول بلا سبب: «لم أصدق الطبيب عندما قال لى إن نديم سيذكر الماضى البعيد جيدًا وعلينا أن نبعثه فيه».
آمال: لا تخافى، نديم شجاع وقوى ويواجه وقلبه جامد ومش المرض اللى يهزمه.
بهذا تأكدت من أننى بمجرد أن أتم نقل أملاكى لزوجتى ستلقى بى فى الشارع.. منك لله يا آمال، لازم حبة كلام الحنية دول.. كنت أقول لنفسى.
والدكتور يقول لزوجتى تشاركنى الذكريات، كيف.. وأنا حياتى كانت بلاد تشيل وبلاد تحط وناس من السند والهند وإفريقيا.
ووجدت زوجتى تسأل آمال:
- حضرتك تعرفى كتير عن نديم وليكى ذكريات معاه على كده؟
رد أسامة متعجلًا: المهندس شريف توأم آمال كان زميلًا لنا لهذا ظلت آمال فى صحبتنا لم تفترق عنا، ولأن أمها كانت صاحبة فضل علينا.. فاكر يا نديم؟
- طبعًا أبلة زبيدة، ومجهودات أبلة زبيدة.
- أصل ماما كانت بتعز نديم من أول ما درّستله فى صف ٥، لكن يا حرام الكشكول «اسم نديم فى المدرسة وبين المدرسين» يصاب بفقدان للذاكرة.. طب مين هايراجع التاريخ للأولاد الصغار الجدد يا نديم؟
هنا تذكرت شيئًا وقلت:
- فاكرة صندوق الصابون يا آمال؟
وضج مدير البنك ضاحكًا وقال:
- ياه لساك فاكر، إنت قلبك إسود يا نديم.
ارتسمت تعبيرات الدهشة والاستنكار على وجه زوجتى حتى قالت آمال:
- فى مسابقة لأوائل الطلبة بالابتدائى كان نصيبنا سؤال فى الحجـ...
دخلت شابة غاضبة المكتب وهى منقطعة الأنفاس:
- خلاص الونش هايشد العربية من أمام البنك.
سألتُ من هذه الجريئة؟
زوجتى قالت لها: يا بنتى لحظة وهاننزل.
أدركت أنها آمال بنتى، ولمزتنى زوجتى قائلة:
- صدق الدكتور، ده أنت فاكر آمال الكبيرة وناسى الصغيرة.. صبّرنى يارب.
ونظرت لآمال وقلت لها: مش أنا السبب فى خسارة الكاس، منه لله أسامة يونس غيّر الإجابة، مدام آمال.. مع السلامة.
ضحك مدير البنك أسامة يونس العربى وقام يودع الآنسة آمال زميلتنا.
وتلفتت زوجتى وهى تتأسف وتتصعب على حال آمال الكبرى وحال أبو آمال الصغرى.
لكن آمال الكبرى قالت:
- أنا منتظراك فى الروضة.. وهانلعب سوا.
