رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ننشر نص خطبة الجمعة المقبل: «الصانع المتقن»

وزير الاوقاف
وزير الاوقاف

أعلنت وزارة الأوقاف موضوع خطبة الجمعة المقبل 12 شوال 1443هـ الموافق 13 مايو 2022 تحت عنوان: "الصانع المتقن".

أكدت الوزارة على الأئمة الالتزام بموضوع الخطبة نصًّا أو مضمونا على أقل تقدير، وأن يكون وقت الخطبتين الأولى والثانية في حدود عشر دقائق، مع ثقتنا في سعة أفقهم العلمي والفكري.

وإليكم نص الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه الكريم: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ}، وأَشهدُ أنْ لا إلهَ إِلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وأََشهدُ أنَّ سيدَنا مُحَمَّدًا عَبدُه ورسوله، اللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَيهِ، وعلَى آلِهِ وصحبِهِ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحسانٍ إلَى يومِ الدِّينِ.
وبعد:
فإن للصناعة شأنًا عظيمًا ومكانة عالية، فهي أساس نهضة الأمم وتطورها، وبازدهارها تتوفر فرص العمل، ويتحقق التقدم الاقتصادي، والرقي المعيشي؛ والمتأمل في القرآن الكريم يجد إشارات واضحة إلى العديد من الصناعات؛ تأكيدًا على فضلها وأهميتها، حيث يقول الحق سبحانه: {وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ}، ويقول سبحانه: {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا}، ويقول تعالى: {وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ}، ويقول تعالى: {يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ}، ويقول تعالى: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ}.

ولشرف الصناعة كان صفوة الخلق من أنبياء الله ورسله من أصحاب الصنائع والحرف، وكانوا مضرب المثل في المهارة والإتقان، حيث كان سيدنا نوح (عليه السلام) يعمل في صناعة السفن، يقول سبحانه: {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا}، وكان سيدنا داود (عليه السلام) حدَّادًا، يقول تعالى: {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ}، وكان زكريا (عليه السلام) نجارًا، يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): (كَانَ زَكَرِيَّا نَجَّارًا).

والاتقان والجودة والتميز من أهم الصفات التي يجب أن يتحلى بها الصانع؛ ولقد لفت الحق سبحانه أنظارنا إلى الإتقان، حيث خلق سبحانه كل شيء بإتقان مُعجز، يقول تعالى: {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ}، وأوجب علينا سبحانه الإحسان في كل شيء، يقول سبحانه: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّ اللهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ).

وعرف عهدُ نبينا عددًا من المهن والحرف والصناعات الذي سجل جانبًا منها أبو الحسن الخزاعي في كتابه : (تخريج الدلالات السمعية على ما كان في عهد رسول الله "صلى الله عليه وسلم" من الحرف والصنائع والعمالات الشرعية) منها: من كان يعلم الطب في عهد الرسول (ص)، كما ذكر النساجين، والخياطين، والنجارين والحدادين والصواغين والدباغين، والخوَّاصين، والبنائين، والتجار ، وضمن الكتاب فصلين كاملين أحدهما للحرفة والآخر للصناعة.

والصانع المتقن يدفعه إيمانه بالله (عز وجل) ومراقبته له إلى تجويد عمله، والتميز فيه، حيث يقول سبحانه: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}، كما أنه يمتثل أوامر الله (عز وجل) حيث يقول تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلًا أَنْ يُتْقِنَهُ).

ومن اتقان الصانع سرعةُ إنجازه عملَه في موعده، وهذا شأن الصُّناع في المجتمعات المتحضرة، كما أن وفاء الصانع بعمله في الموعد المحدد له صفة كريمة تدل على شرف النفس وقوة العزيمة، حيث يقول الحق سبحانه: {وَأَوفُوا بِالعَهدِ إِنَّ العَهدَ كَانَ مَسؤُولًا}، وقد أمر الله (عز وجل) بها، وامتدح بها عباده المؤمنين، حيث يقول سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}، ويقول تعالى: {وَالَّذِينَ هُم لأَمَانَاتِهِم وَعَهدِهِم رَاعُونَ}.
**
 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، وعلى آله وصحبه أجمعين.

إن الصانع المتقن كما أنه ينطلق من دافع ديني فإنه ينطلق أيضًا من دافع وطني، فإنما يحمله حبه لوطنه، وإيمانه بدوره في رقيه وتقدمه على إحسان عمله والجودة والتميز فيه، حيث إن وطننا الغالي مصر في مرحلة دقيقة من تاريخه، وهذا يقتضي منا جميعًا أن نعمل مجدين مخلصين لنهضة الوطن وتقدمه، فالجميع بعملهم الجاد المُتقَن في طاعةٍ لله عز وجل، ولا ينهض الوطن إلا بالجميع.

على أننا نؤكد أنه لن يحترم الناس ديننا ما لم نتفوق في أمور دنيانا، فإن تفوقنا في أمور دنيانا احترم الناس ديننا ودنيانا، وأن الاقتصاد القوي يعني دولة عزيزة شامخة، ذات مكانة، وذات كفاية ذاتية، وهو ما تسير عليه بفضل الله مصرنا العزيزة في جمهوريتنا الجديدة.