رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

اليمين الأوروبى المتطرف.. لماذا يكرهنا؟

تنامت فى الأعوام الأخيرة ظاهرة كره الإسلام والمسلمين والقرآن الكريم فى العديد من البلدان شرقًا وغربًا، لعل آخرها ما قام به اليمينى المتطرف راسموس بالودان مع أنصار حزبه سترام كوكس بإهانة نسخ من القرآن الكريم، ما أدى إلى اندلاع مظاهرات أدت إلى مواجهات عنيفة فى عدة مدن سويدية، قام بها بعض المسلمين المعترضين على إهانة القرآن الكريم.

كما قام بعضهم بتحويلها لمظاهرات غير سلمية ورشقوا الحجارة على أنصار اليمين الأوروبى، وأثناء المظاهرات أشعلوا الحرائق فى بعض سيارات الشرطة السويدية، وحاولوا الاعتداء على تظاهرات بالودان وأنصاره، ومن ثم رجال الشرطة السويدية الذين حالوا الحفاظ على سلمية المظاهرات، مما نتجت عنه إصابة العشرات من رجال الشرطة السويدية والمدنيين، وقامت الشرطة بالرد بإطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع.

بادئ ذى بدء نقول إنه من الحماقة العودة لأسلوب حرق الكتب عمومًا والكتب المقدسة خصوصًا، فدومًا النقاش والنقد الموضوعى للكتب والأفكار هما الحل وليس إحراق الكتب التى تحمل أفكارًا لا تعجبنا، فطريقة حرق الكتب تنتمى لثقافة العصور الوسطى القائمة على الكراهية والعنصرية تجاه المختلف، وفعل حرق الكتب فعل أرعن غير مسئول من تيارات متعصبة تجاه الآخر.

لكن علينا أيضًا محاولة فهم موضوعى يفسر لنا كيفية تفكير اليمين المتطرف الأوروبى المتصاعد فى الآونة الأخيرة، وما دوافعهم لهذا الفعل المشين بحرق المصحف الذى يقدسه أكثر من مليار إنسان على كوكبنا الجميل.

فلنتساءل معًا: لماذا يكرهون الإسلام والمسلمين ويرون فى كتابهم كتابًا ينشر قيمًا شريرة وتنتج بسببه أفعال إرهابية وعنصرية؟

لا شك أن هذا الفعل منهم يبرره الكثير من أبناء تيار اليمين الأوروبى بأن القرآن الكريم، من وجهة نظره هو الكتاب الذى صدر للعالم كله لا سيما دول الاتحاد الأوروبى التيار الأصولى الإسلامى وحركات العنف الإرهابية التى عانت منها أوروبا فى العقود الأخيرة، فمن تفجيرات لندن لباريس لمدريد لكثير من العواصم الأوروبية والغربية، وما زالت تفجيرات أبراج التجارة العالمية بمدينة نيويورك حاضرة فى الذاكرة الغربية والإنسانية.

وكل تلك التفجيرات تأتى ببيانات من الحركات الإرهابية مشفوعة بآيات من القرآن الكريم وأحاديث منسوبة للنبى محمد تحض على قتال الكافرين وغير المسلمين، وتفسر تلك الجماعات المجرمة تلك الأقوال أسوأ تفسير يشين القرآن والإسلام، ويرفضون التفسير المتسامح المستنير لأمثال الشيوخ المستنيرين المتسامحين كالإمام محمد عبده والمراغى وشلتوت، ويرجعون لشيوخ التفسير المتعصب المتطرف كشيوخ الوهابية وتفسيرات العصور الوسطى التى تقول بواحدية الحقيقة الدينية وتزعم بأنهم فقط أبناء الله وأحباؤه، وكل مختلف، ولو كان مسلمًا فينبغى البراءة منه وتبديعه.

إلا لو كان من أهلهم وعشيرتهم فالفرقة الناجية هى تنظيمهم وفرقتهم ومذهبهم فحسب، والباقون فى النار كأنهم ملكوا مفاتيح السماء وأبواب الجنة والنار وهم حلال الدم والمال إلا لو دفعوا الجزية خاضعين وهم صاغرون أذلاء.

فهذه التفسيرات والرؤية المتعصبة للإسلام والقرآن مع ما تقوم به التيارات الأصولية الإجرامية المنفذة للعمليات الإرهابية حول العالم، سبب رئيسى فى الإسلاموفوبيا وزيادة وصعود تيارات اليمين الأوروبى المتطرف التى تزدرى وتبغض القرآن الكريم والرسول الكريم والإسلام كدين وتشيطن أتباع الإسلام جميعًا دون تمييز بين مسلم إنسانى عقلانى، ومسلم متطرف يحمل أفكارًا إجرامية ضد البشرية.

هذا الغموض فى ما هو الإسلام وما حقيقته وما هو القرآن الكريم؟، فهل يا ترى هو كتاب عنف وكراهية كما يقول الإرهابيون وتوافقهم الحركات اليمينية المتطرفة أم هو كتاب تسامح وحب وسلام؟ ومن هو الممثل الحقيقى للدين الإسلامى فى عيون الجنس البشرى كله؟ تلك معضلة يزعم اليمين الأوروبى المتطرف بكل أسف أن الإسلام السياسى هو فقط من يعبر عن وجه الإسلام والقرآن الحقيقى، وغيرهم لا يعبرون إلا عن أنفسهم. 

إن تيارات التطرف والإجرام باسم الدين الإسلامى هى بمثابة الدبة التى تقتل وتحرق وتهين صاحبها. 

وهنا نتساءل معًا: من ذلك اليمين الأوروبى المتطرف؟ ثم نتساءل: كيف لنا أن نفصل بين المسلمين المتسامحين الذين هم غالبية أهالينا ممن يقدسون القرآن الكريم ويحبون النبى الأمى القرشى وتيارات الإسلام الأصولى الخرافى الإرهابى؟

وهذا هو حديثنا القادم يا أعزائى.