رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إعدام بعد 32 سنة تعذيبًا!

 

بعد مرور ٣٢ سنة، قضاها كلها تقريبًا فى زنزانة انفرادية، تلقى كارل بونتيون، ٧٨ سنة، حقنة قاتلة فى الساعة ٦:٢٤ مساء الخميس الماضى بالتوقيت المحلى فى سجن «هانتسفيل» بولاية تكساس الأمريكية، وبعد ١٥ دقيقة بالضبط، أعلنت إدارة السجن عن وفاة ذلك الرجل المسن، الذى كان مريضًا بهشاشة العظام والتهاب وتليف الكبد و... و... وقائمة طويلة من الأمراض، تقطع بأنه لم يكن يشكل خطرًا على المجتمع، وفق ما أكد محاموه فى مذكرة تقدموا بها، العام الماضى، إلى مجلس العفو والإفراج المشروط فى تكساس.

قد تعتقد أن «المرحوم» كان أحد زعماء المافيا أو التنظيمات الإرهابية، لكنه فى الحقيقة، كان مجرد مواطن عادى صدر الحكم بإعدامه، سنة ١٩٩٠، بعد أن أطلق النار على شرطى وأرداه قتيلًا، بسبب مخالفة مرورية. ما قد يعنى عدم وجود سبق إصرار أو ترصد، وما قد يؤكد كلام بورك باتلر، مديرة جمعية «تكساس ديفندر سرفيس»، عن وجود عدم مساواة فى الحكم بعقوبة الإعدام. بالنص قالت: «فى مواجهة عقوبة الإعدام، الجميع ليسوا سواسية. إذ تصدر الأحكام ضد الأشخاص بسبب فقرهم وسوء الدفاع عنهم».

يؤكد استنتاجنا وكلام الأستاذة «باتلر» أيضًا، أن المحكمة الأعلى فى تكساس ألغت الحكم فى ٢٠٠٩، لأن «هيئة المحلفين لم تستمع بطريقة صحيحة إلى دفاع المتهم. لكن الغريب أن إعادة المحاكمة انتهت فى ٢٠١٢ بصدور حكم الإعدام مرة أخرى». وبين صدور الحكمين، وقبلهما وبعدهما، قضى «بونتيون» كل تلك السنوات مسجونًا فى زنزانة انفرادية لمدة ٢٣ ساعة يوميًا. فـ«فى تكساس، يوضع المحكوم عليهم بالإعدام فى زنزانة صغيرة فيها شق صغير فى الأعلى يكون بمثابة نافذة»، بحسب «باتلر» التى رأت، كما رأينا وكما نعتقد أنك سترى، أن البقاء فى الحبس الانفرادى لأكثر من ٣٠ سنة، نوع بشع من التعذيب.

الولاية المحافظة التى تقع فى جنوب الولايات المتحدة، هى الولاية الأمريكية الأكثر تنفيذًا لأحكام الإعدام. واللافت أن نصف هذه الأحكام تقريبًا، ونصف الذين ينتظرون تنفيذ عقوبة الإعدام إجمالًا فى تلك الولاية، من السود، الذين يمثلون ١٣٪ فقط من عدد سكانها، وإن كان الإنصاف يقتضى الإشارة إلى أن عدم المساواة يتجاوز حدود تكساس، ففى ولاية كارولينا الجنوبية، كان ريتشارد مور، الذى من المقرر إعدامه فى ٢٩ أبريل الجارى، أول محكوم عليه بالإعدام يوضع أمام خيار الموت على الكرسى الكهربائى، أو بنيران فرقة الإعدام، التى بدأ اعتمادها فى الولاية اعتبارًا من مايو ٢٠٢١، والموجودة فى ثلاث ولايات أمريكية أخرى، ومع أن اللجوء إليها غير شائع إلا أن «مور» اختارها!

بعد إعدام بونتيون، من المقرر تنفيذ العقوبة نفسها، الأربعاء المقبل، ضد ميليسا لوسيو، التى أدينت سنة ٢٠٠٧ بقتل طفلتها التى لم يتجاوز عمرها السنتين. وعلى قائمة الانتظار، هناك ثلاثة تزيد أعمارهم على ٧٠ سنة، وخمسة آخرون، مرّت ٤٠ سنة، أو أكثر، على إدانتهم وصدور حكم الإعدام ضدهم، وجميعهم فشلت «صرخة الحرية» فى تخفيف عقوبتهم. و«صرخة الحرية»، Freedom Cry، لمن لا يعرف، عنوان ألبوم غنائى تم إنتاجه بتمويل من الاتحاد الأوروبى، وضم عددًا من الأغانى أدّاها محكوم عليهم بالإعدام، أملًا فى إبعاد شبح الإعدام عنهم، وظل محتواها أو مضمونها بعيدًا عن آذاننا، حتى بدأ المؤلفة قلوبهم، أو جيوبهم، منذ ٢٠١٤، فى ترديدها أو تنويعات تشبهها، كلما صدرت أحكام بالإعدام ضد إرهابيين أو قيادات بجماعة الإخوان الإرهابية. مع ملاحظة أن بونتيون أكبر سنًا من محمد بديع، مرشد الإخوان، الصادر ضده، وضد عدد من أتباعه، غلمانه أو مرءوسيه، أحكام بالإعدام، منذ سنوات، ولم يتم تنفيذها إلى الآن. 

.. ولا يبقى غير تقديم العزاء لأسرة كارل بونتيون، ولكل جهود وأموال وبيانات المنظمات والكيانات وكل الجهات الأجنبية، الأمريكية تحديدًا، التى تهاجم وتدعم حملات التشكيك فى الأحكام التى يصدرها القضاء، فى مصر وغالبية دول المنطقة، بإعدام الإرهابيين، الإرهابيين فقط!.