رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تحرش فضائى بالصين!

 

الصين صارت التهديد الأول والأخطر للولايات المتحدة فى الفضاء الخارجى، حسب تقرير أصدرته «وكالة المخابرات العسكرية»، التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية، يقع فى ٨٠ صفحة، ومن المتوقع أن يناقشه الكونجرس الأمريكى فى الأسابيع المقبلة على مستوى لجنتى القوات المسلحة فى مجلسى النواب والشيوخ.

نعرف أن الرئيس الصينى، شى جين بينج، يسعى جاهدًا إلى أن تكون بلاده قوة فضائية عظمى، بحلول سنة ٢٠٣٠. غير أن التقرير الأمريكى زعم أن بكين تسعى إلى منافسة الولايات المتحدة بشكل «عدائى»، من خلال نشر أقمار صناعية للتجسس وعرقلة النشاط «العلمى» و«الأمنى» الذى تقوم به واشنطن فى المدار الخارجى للأرض. وأشار التقرير إلى أن المخابرات الأمريكية رصدت فى الأشهر الماضية نشاطًا عدائيًا يهدف إلى التنصت ومراقبة نشاط الأقمار الصناعية الأمريكية، من جانب الصين وروسيا وكوريا الشمالية.

الدول الثلاث وصفها التقرير بأنها «دول مارقة» وزعم أنها تسعى إلى عرقلة عمل نحو ٢٥٠ قمرًا صناعيًا أمريكيًا والتأثير على قدراتها فى حماية الأمن القومى الأمريكى والعالمى. ثم اتهم الصين منفردة بأنها تقوم بتطوير «تقنيات تجسس ظاهرة وخفية» لجمع المعلومات المتعلقة بشبكات المعلومات التى تستخدمها قطاعات مالية وأمنية ومصرفية أمريكية وأوروبية. كما زعم التقرير أن بعض القدرات الفضائية الصينية صارت تمتلك أدوات «تدمير»، الأمر الذى يعزز فرضيات نشوء «حرب فضائية» مستقبلية خلال السنوات العشر المقبلة. وأشار التقرير إلى أن الصين تساعد موسكو حاليًا على التشويش على عمليات الرصد فوق ساحتى النزاع فى أوكرانيا وتايوان، من خلال إرسال إشارات مضللة حيال تحركات الجيشين الصينى والروسى.

التاريخ يقول إن الروس حين تمكنوا، سنة ١٩٥٧، من إطلاق «سبوتنك»، ليكون أول قمر صناعى يدور حول الأرض، أصيب الأمريكيون بما سمّوه «صدمة سبوتنك». كما يقول الحاضر إن الصين حين أطلقت، فى مايو ٢٠١٨، أول مسبار إلى الجانب المعتم من القمر، اتهمتها الولايات المتحدة بأنها تريد منع الدول الأخرى من استخدام معداتها المتمركزة فى الفضاء وقت حدوث أزمات. وعليه، قد تكون الاتهامات التى وجهتها بكين إلى واشنطن أكثر وجاهة ومنطقية من تلك التى تضمنها تقرير المخابرات العسكرية الأمريكية.

تؤكد الصين أن طموحاتها الفضائية سلمية بحتة، وترى أن الولايات المتحدة تتصرّف بشكل غير مسئول وغير آمن فى الفضاء. وفى شكوى تقدمت بها إلى مكتب «شئون الفضاء الخارجى» فى فيينا، التابع للأمم المتحدة، بداية ديسمبر الماضى، طالبت الولايات المتحدة بتحمل المسئولية عن عمل شركاتها التى تشكل أقمارها الصناعية خطورة على حياة رواد الفضاء الصينيين. واتهمتها بأنها تجاهلت التزاماتها بحماية سلامة طاقم محطة «تيانجونج» الفضائية الصينية وتسببت فى حادثتين وقعتا فى ١ يوليو، و٢١ أكتوبر ٢٠٢١، وقالت إن «الولايات المتحدة يتعين عليها اتخاذ إجراءات فورية لمنع وقوع مثل هذه الحوادث مرة أخرى».

سياسة الفضاء الأمريكية شهدت تغيرًا كبيرًا، فى عهد دونالد ترامب، عادت معه برامج استكشاف القمر إلى الواجهة، كما قام الرئيس الأمريكى السابق بإنشاء قوة فضائية «منفصلة ولكن مساوية، لتصبح الخدمة العسكرية السادسة، وقيل إن هدفها هو ضمان هيمنة أمريكا على الفضاء الذى بات مزدحمًا بالخصوم. وبعد أن كان برنامج الدفاع الفضائى الأمريكى يركز فقط على الأجسام التى تدور حول الأرض، تغير الوضع بعد إنشاء الخدمة العسكرية السادسة فى الجيش الأمريكى أو «القوة الفضائية»، التى تم تكليفها بحماية أصول الولايات المتحدة التى قيل إنها تصل إلى ٢٧٢ ألف ميل وتمتد إلى ما وراء مدار القمر. 

.. وتبقى الإشارة إلى أن التحذير، القلق، الخوف أو الرعب، من تنامى نفوذ الصين بات، على رأس الموضوعات، التى يتناولها الاجتماع السنوى لمديرى أجهزة المخابرات الأمريكية وأعضاء لجنة المخابرات فى مجلس الشيوخ، المعروف باسم «حفل أوسكار المخابرات». وقبل اجتماع العام الماضى، مثلًا، أكد تقرير قدمه مديرو الأجهزة إلى اللجنة أن الصين ستواصل تحديها للولايات المتحدة، اقتصاديًا وعسكريًا، وستستمر فى جهودها لفرض نفوذها الدولى والحد من تأثير واشنطن، كما توقع أن تتفوق الصين فى توظيف التكنولوجيا وأن تشن هجمات إلكترونية تزعزع بنى تحتية أساسية فى الولايات المتحدة بشكل مؤقت!.