رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد الباز يكتب يوميات «الاختيار 14»: وزير الدفاع يسأل: مَن يحكم مصر؟ والشعب يجيب: يسقط يسقط حكم المرشد

محمد الباز
محمد الباز

«الفريق» السيسى ظل يقدم النصائح حتى اليوم الأخير للجماعة فى الحكم

الشعب كان يعرف أن الحكم ليس لمحمد مرسى بل لمرشد جماعة الإخوان الإرهابية

كان لما قاله وزير الدفاع الفريق أول عبدالفتاح السيسى فى جلسة جمعته مع اللواء محمد العصار واللواء عباس كامل مدير مكتبه عمن يحكم مصر أثر بالغ فى إنعاش الذاكرة الوطنية، فما أحوجنا لأن نتذكر طوال الوقت ما الذى جرى فى عام حكم الجماعة الإرهابية.. حتى نقطع الطريق على من يريدون لنا وبنا العودة إليه مرة أخرى. 

أثبتت التجرية أن الحوارات التى يكون وزير الدفاع طرفًا فيها فى «الاختيار ٣» لا مكان فيها لضرورات الحوار الدرامى، ولا فرصة لينفرد هانى سرحان كاتب المسلسل بخياله ليضع على لسان وزير الدفاع، والذين يتحدثون معه، حوارًا افتراضيًا، يمكن أن يخدمه فى التصاعد الدرامى لأحداث المسلسل، فما يقوله وزير الدفاع فى المسلسل، هو ما سبق وقاله فى الواقع. 

كان عبدالفتاح السيسى يتحدث بأسى إلى اللواء العصار واللواء عباس كامل، قال لهما: محدش عارف مين بيحكم البلد، الرئيس ولا المرشد ولا مكتب الإرشاد ولا خيرت الشاطر، القرار مش قرار الرئيس، القرارات بتُملى عليه، جماعة الإخوان كشفت نفسها. 

طبقًا لتسلسل الأحداث، فكلام وزير الدفاع جرى فى بدايات مارس ٢٠١٣، وهى الفترة التى كان السيسى قد أيقن أن حكم الإخوان انتهى تمامًا، وأن بقاء محمد مرسى فى قصر الاتحادية مرهون فقط بتحرك الناس، الذين حتمًا سيتحركون بسبب كل الأخطاء القاتلة التى يرتكبها الرئيس ومن ورائه جماعته. 

استمع السيسى لمحمد مرسى وهو يقول إن الإخوان لن يتركوا الحكم إلا بعد ٥٠٠ سنة. 

كان ذلك معناه وببساطة شديدة أن الجماعة كانت تخطط لأن يكون الرئيس منها، لا تترك المنصب لأحد من خارجها لـ٥٠٠ سنة مقبلة، ولتذهب الديمقراطية ومَن يتحدثون عنها ومَن يؤمنون بها إلى الجحيم. 

كانت النقطة الفاصلة فى تأكد السيسى أن الجماعة انتهت سياسيًا، وأن الرئيس الإخوانى ينتحر بلا مقابل تقريبًا، عندما بدأت الجماعة حربها المباشرة والمكشوفة ضد القوات المسلحة. 

بدأت هذه الحرب بالتحرش السياسى بالمؤسسة العسكرية، تمت الإساءة إليها من محمد بديع، مرشد الجماعة، عندما تعرض بما لا يليق لقيادات القوات المسلحة فى رسالته الأسبوعية، وعندما تعامل الجيش بحسم مع الأمر اعتذر بديع، واعتبر أن هناك سوء فهم يقف وراءه مَن يريدون إفساد العلاقة بين الجماعة والمؤسسة العسكرية، وأنه لم يكن يقصد قيادات القوات المسلحة الحاليين، ولكنه كان يقصد السابقين، لكن هذا لم يشفع لبديع، وكانت الرسالة واضحة: لا تقترب من القوات المسلحة مرة أخرى. 

ثم سلطت الجماعة أحد أعضائها، ليُلقى قصيدة يذم بها قيادات القوات المسلحة، ويحصد تصفيقًا هائلًا من الإخوان الحاضرين، فى رسالة واضحة بأن الجماعة كلها على قلب رجل واحد فى مواجهة القوات المسلحة. 

فى نفس الوقت الذى توالت خلاله الإساءات العلنية للقوات المسلحة كانت هناك خطة سرية يتم تنفيذها على محورين. 

المحور الأول هو إطلاق اللجان الإلكترونية الإخوانية لبث الأكاذيب وترويج الشائعات التى استهدفت القائد العام للقوات المسلحة، والهدف كان إزاحته من منصبه، وزرع أكبر قدر من الخلافات بين قادة القوات المسلحة. 

المحور الثانى كان الاختراق المباشر للقوات المسلحة.

لم تبدأ محاولات اختراق القوات المسلحة بعد وصول محمد مرسى إلى الحكم، وجلوس الإخوان إلى جواره يمارسون أقصى درجات التدخل فى شئون البلاد، بل بدأ الأمر بعد أحداث ٢٥ يناير مباشرة. 

بين أوراقى حوار مطول سجلته مع قيادة أمنية سابقة، كانت فى قلب الأحداث خلال حكم الإخوان والسنوات التى تلته، فسر لى محاولات اقتراب الإخوان من الجيش بعد ثورة يناير بقوله: بعد الثورة تعامل الإخوان على أنهم التنظيم الوحيد الذى يمكن أن يرث مبارك، وكانت هناك محاولات للاقتراب، لكنها كانت محاولات بسيطة، زادت بعد وصول مرسى إلى السلطة، ومن بينها محاولة كبيرة كان مسئولًا عنها القيادى الإخوانى جمال حشمت. 

هذا كلام أعتقد أنه جديد على كثيرين، يقول لى محدثى: كانت هذه المحاولة منظمة جدًا، وتمت على المستوى الفردى، أشرف جمال حشمت على الاتصال مع عدد من أفراد الجيش، جلس معهم، وكان يتحدث إليهم عن أن رئيس الدولة أصبح إخوانيًا، وأن الجيش لا بد أن يكون معه، وكانت هناك استجابات فردية، إلا أن الأجهزة الأمنية رصدت هذه المحاولات بشكل جيد، وقامت بالتحقيق مع مَن تم التقارب معهم، وتم اتخاذ إجراءات سريعة ضدهم، فلم يكن مسموحًا بأى حال من الأحوال اختراق صفوف القوات المسلحة. 

علمت الجماعة بالتحقيقات التى تجرى مع بعض العناصر التى جلس إليها حشمت وتحدث معها وحاول التأثير عليها، وكان لا بد لها أن تتحرك، وبالفعل طلب خيرت الشاطر مقابلة مع مدير جهاز سيادى مهم، وكانت فكرته أن رئيس الدولة أصبح إخوانيًا، وليس معقولًا أن يتم التعامل مع من يقتربون من الجماعة بهذا الشكل، وجاء خيرت بالفعل إلى مقر الجهاز، إلا أن الفريق أول عبدالفتاح السيسى وزير الدفاع كان فى انتظاره، ولأن خيرت كان يعرف موقف عبدالفتاح السيسى جيدًا، فلم يفتح الموضوع، وتم وأد هذه المحاولة تمامًا. 

قلت لمحدثى: وهل اقتنع الإخوان فكفوا عن التحرك؟ 

قال ساخرًا: بالطبع لم يصمتوا... وكانت هناك محاولة منظمة بعد ذلك، فقد فكر الإخوان أن يجمعوا كل الجهات السيادية فى جهاز واحد، يمنحونه هم مسمى جديدًا، على أن يكون هذا الجهاز تابعًا للرئاسة، وفكروا وقتها فى أن يكون رئيس هذا الجهاز هو محمد البلتاجى، ويكون نائبه أسامة ياسين الذى كان وزيرًا للشباب وقتها.

خطط الإخوان ومحاولة سيطرتهم على القوات المسلحة جعلت عبدالفتاح السيسى على ثقة تامة من أن هذه الجماعة لا تعمل من أجل وطن واحد يعيش فيه الجميع، ولكنها تؤسس لدولة تكون للجماعة فقط، ولذلك كان على يقين من أن أجل حكم الإخوان يقترب. 

ورغم رؤيته لما يحدث على الأرض، فإن وزير الدفاع ظل ملتزمًا حتى اللحظة الأخيرة بما تفرضه عليه ضرورات منصبه. 

تمسك بعقيدته الراسخة فيما يخص القوات المسلحة فـ: الجيش بتاع البلد، مش بتاع الإخوان أو غير الإخوان، ودى عقيدة القوات المسلحة، الجيش لازم يحمى الشعب هذا صحيح، لكنه لازم يتحلى بالصبر والحكمة أيضًا. 

وفى الوقت نفسه ظل يقدم النصائح حتى اليوم الأخير للجماعة فى الحكم، أملًا منها ألا نصل إلى مرحلة الاقتتال الداخلى التى لو حدثتت فلن ينجو منها أحد. 

ما وصل إليه وزير الدفاع من قناعة عن نهاية حكم جماعة الإخوان الذى اقترب، وصل إليه الشعب المصرى، بل أجاب عن السؤال الذى طرحه وزير الدفاع، عندما تساءل عمن يحكم مصر، هل محمد مرسى أم المرشد أم مكتب الإرشاد أم خيرت الشاطر؟ عندما خرجت الملايين فى مناسبات عديدة وهى تهتف: يسقط يسقط حكم المرشد. 

كان الشعب واعيًا بما يحدث على الأرض، كان الكل يعرف أن الحكم ليس حكم محمد مرسى، ولكنه حكم مرشد الجماعة الذى كان يقسم المصريين إلى قسمين. 

قسم يتبع جماعة الإخوان، وهؤلاء هم المؤمنون حقًا ولهم كل الحقوق. 

وقسم لا يتبع الإخوان، وهؤلاء كفرة لا بد من عقابهم فى الدنيا قبل أن يعذبهم الله بناره فى الآخرة، ولذلك كان الهتاف معبرًا عن هذه الحقيقة جدًا، عندما ردد المصريون: أنا مش كافر أنا مش ملحد... يسقط يسقط حكم المرشد. 

لقد منح المصريون جماعة الإخوان فرصة أن يشاركوا فى الحكم، لكنهم خذلوا الجميع، وخذلوا أنفسهم قبل الجميع، فقد خدعوا أنفسهم قبل أن يخدعوا الآخرين، فلم يكونوا مؤهلين للعمل السياسى، ولم يكونوا مؤهلين للحكم، ولم تكن لديهم الكفاءات التى تحدثوا عنها، كل ما فى الأمر أنهم كانوا طامعين فى الغنائم، ولأن الله لا يُصلح عمل المفسدين ولا عمل الطامعين، فقد أعماهم عن الطريق الصحيح حتى سقطوا.