رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد الباز يكتب يوميات «الاختيار 13»: «لسان الشيطان».. لجان الإخوان الإلكترونية من «صبى الشاطر» إلى محيى الزايط

جريدة الدستور

اللجان الإلكترونية الإخوانية لا تزال تعمل ضد الدولة المصرية من الخارج

خيرت الشاطر بدأ فكرة اللجان الإلكترونية من شقة فى «دوحة ماسبيرو».. وكان مسئولًا عنها الصحفى عبدالمنعم محمود

محيى الزايط هرب من مصر بعد «30 يونيو» ليدير الحرب ضد الدولة

يخطئ من يتعامل مع «الاختيار ٣»، على أنه مجرد مسلسل درامى يسجل وقائع ما جرى فى مصر، خلال العام الذى استولى فيه الإخوان على السلطة، وانتهى بأن ثار الشعب عليهم وطردهم؛ احتجاجًا على فشلهم وخيانتهم وسقوطهم المدوى تحت قدميه. 

ويخطئ من يعتبره عملًا يسعى إلى توثيق الدور البطولى الذى لعبه وزير الدفاع الفريق أول عبدالفتاح السيسى، ورغم أن هذا حق الرجل الذى خاطر بكل شىء من أجل الحفاظ على الدولة ومؤسساتها، لكن لا يمكننا اختزال المسلسل كله فى هذا الهدف. 

ويخطئ من يرى فى المسلسل محاولة لتشويه صورة جماعة الإخوان الإرهابية، من زاوية أن الصورة مشوهة أصلًا، ولا تحتاج إلى أى جهد لتشويهها، ومن زاوية ثانية أن الحقيقة مرهقة لكل الأطراف، وأعتقد أن كثيرين ممن كانوا ينتمون إلى الجماعة ويتعاطفون معها، راجعوا مواقفهم منها، بعد أن استمعوا إلى جلسات التآمر، التى كان يتحدث فيها الشاطر ومرسى وبديع على كل، وأى شىء فى مصر. 

المسلسل فى الجزء الأكبر منه هو ذاكرة وطن يصر كثيرون على التعامل معها بعنف شديد؛ لمحوها واستبدالها بذاكرة أخرى مزيفة، تخدم مصالحهم وتحقق أهدافهم. 

ولأنه مسلسل الذاكرة الحية، فإنه يقدم لنا بنعومة شديدة كمًا من المعلومات الحقيقية والدقيقة لم يكن لأحد أن يتصور وجودها من الأساس. 

العبقرى فى «الاختيار ٣» أنه لا يقدم لنا المعلومات بطريقة استعراضية، أو بأداء من يملك وحده الحقيقة، بل لا يتعمد أن يحشر المعلومات حشرًا بعيدًا عن سياقها الدرامى، فالمعلومة تأتى فى وقتها تمامًا. 

وقد يعتقد كثيرون أن بعضًا من المشاهد أو الأحداث أو المعلومات خيالية نزولًا على مقتضيات الدارما، لكن ما يجب أن يطمئن إليه الجميع- من يؤيد ومن يعارض- أن الواقع فى مصر خلال عام حكم الإخوان كان يفوق الخيال، لذلك فالحقائق فى المسلسل هى الأساس. 

لكل ذلك لم يكن غريبًا عندما سمعت اسم محيى الدين الزايط يتسرب فى الحوار الذى دار بين ضابط المخابرات الحربية وقائده، عندما كان يقدم له تقريرًا مفصلًا عن اللجان الإلكترونية التابعة لجماعة الإخوان، قال له «ده تقرير عن اللجان الإلكترونية اللى بيديرها محيى الدين الزايط، واللى بترجع ملكيتها لشركة يملكها خيرت الشاطر». 

لا يهمنى هنا الحديث عن محيى الزايط، فهو فى النهاية ورغم موقعه فى جماعة الإخوان الإرهابية، كان فى هذا الوقت عضو مجلس شورى الجماعة، ورغم الدور الذى كلف به وكان مزعجًا للغاية، إلا أنه فى النهاية لم يكن إلا أصبعًا من أصابع الشيطان خيرت الشاطر. 

ظهر اسم محيى الدين الزايط بقوة، ولأول مرة، فى مارس ٢٠١٣، عندما كان يشارك فى احتفالية نظمها حزب الحرية والعدالة لتكريم الأمهات بمناسبة عيد الأم، وكان غريبًا أن يلقى «الزايط» فى هذه الاحتفالية قصيدة لم تكن لها علاقة بالأم من قريب أو بعيد، بل خصصها فقط للهجوم على الجيش المصرى وعلى قياداته، للدرجة التى جعلت المجتمع كله ينتفض فى مواجهة الجماعة التى لا تعرف قيمةً ولا قدر الجيش المصرى. 

وقتها حاولت الجماعة أن تلملم الموقف، دفعت محيى الزايط نفسه إلى أن يكتب مقالًا نشرته له جريدة الشروق فى ١٢ أبريل ٢٠١٣، وضع له عنوانًا هو «حقيقة الأسد والفأر».. والصائدون فى الماء العكر، واستهله بقوله: كل التحية لجيشنا العظيم وقادته البواسل.. ونعتذر لهم عن جهل الجاهلين وتخريفات الحاقدين والحاسدين. 

لم يكن ما كتبه «الزايط» كافيًا، فاعتذرت الجماعة بشكل علنى عما قاله فى حق الجيش المصرى وفى حق قياداته، واعتذرت سرًا بأكثر مما يُتخيل، فقد رأت غضب قيادات الجيش واستعدادهم للتعامل بمنتهى الحزم مع كل من يفكر فى الإساءة إلى القوات المسلحة، واعتقدت الجماعة أن الأمر انتهى... لكن شيئًا من هذا لم يحدث بالطبع. 

كانت الخطة التى وضعها خيرت الشاطر أن تكون القصيدة التى ألقاها محيى الزايط باستخفاف شديد فى احتفال عام بالونة اختبار، كان يريد أن يعرف قيادات القوات المسلحة ورد فعل الشارع إذا ما بدأت الجماعة فى هجومها على الجيش، وبناءً على نوع رد الفعل يُحدد طريقة التعامل مع الجيش. 

كان خيرت الشاطر ساذجًا بالطبع، بل كان جاهلًا تمامًا بما يمثله الجيش المصرى ليس فى منظور رجاله وقياداته، ولكن فى عين الشعب المصرى كله- باستثناء الإخوان بالطبع- وأعتقد أن الخطأ الاستراتيجى الكبير الذى وقعت فيه الجماعة، وكان الشاطر هو السبب فيه بالطبع أنهم حاولوا أن يلعبوا بالنار مع الجيش، فلم يكن الشاطر ولا من حوله يعرفون أن اللعب بالنار مع الجيش لا نهاية له إلا أن يحترقوا جميعًا، وهو ما حدث لهم. 

لكن لماذا اختار «الشاطر» محيى الدين الزايط تحديدًا لهذه المهمة القذرة؟ 

الذين يعرفون «الزايط» جيدًا سيقولون لك إنه لم يكن أكثر من «إمعة» من إمعات الجماعة الذين كانوا يسيرون فى ركاب خيرت الشاطر، لا يفارقون ما يقوله ولو بشبر واحد، فقد كانوا بالنسبة له من الأتباع التابعين. 

لم يكن الشاطر يسيطر على هؤلاء الإمعات من باب أنهم أعضاء فى الجماعة، وعليهم السمع والطاعة لقياداتهم، ولكنه كان يسيطر عليهم أكثر بأن يوفر لهم وظائف فى شركات، يغدق عليهم من خلالها بالأموال الكثيرة، فلا يكونون أتباعًا له فقط، بل يكونون أسرى ملكًا ليمينه. 

مهمة «الزايط» فى الإساءة للقوات المسلحة كانت جزءًا فقط من مهمته الكبرى، فقد كان هو من يدير اللجان الإلكترونية التى كونها خيرت الشاطر وجعل إحدى شركاته تشرف عليها وتمولها وتديرها ميدانيًا، وهى اللجان التى كانت تستخدمها جماعة الإخوان لنشر الشائعات والهجوم على خصومها، وترديد الأكاذيب التى تخص معارضيها، وكانت هذه اللجان تحديدًا من أطلقت شائعة أن محمد مرسى يخطط لإقالة الفريق أول عبدالفتاح السيسى، وزير الدفاع، بل كانت هى من نشرت ما اخترعته من خلافات بين قيادات الجيش، وكان ذلك تمهيدًا لزرع فتنة داخل القوات المسلحة، لأن الجماعة أدركت مبكرًا أن وحدة القوات المسلحة ستكون العائق الوحيد أمام أى تقدم، تريد أن تحققه فى السيطرة على الدولة المصرية. 

لم تكن لجان الإخوان الإلكترونية اختراعًا جديدًا لجأت إليه بعد ثورة يناير، بل كانت اللجان أداتها قبل ذلك بسنوات. 

بدأت الفكرة من عند خيرت الشاطر الذى كان يغلبه طموحه طوال الوقت، ومن بين ما تم الكشف عنه أنه استعان بالشاب الإخوانى وقتها عبدالمنعم محمود، ووفر له الإمكانات التى تمكنه من أن يكون ذراعًا إلكترونية، يستخدمه فى الوقت الذى يريده، ضد من يشاء، سواء من خصومه أو حتى من أعضاء الجماعة الذين يريد إخضاعهم. 

كان عبدالمنعم محمود الذى قدم نفسه فى البداية على أنه مدون إخوانى من خلال مدونته «أنا إخوان» هو الابن البكرى لخيرت الشاطر، فى مرحلة لاحقة خرج عبدالمنعم من الجماعة بعد أن ضاق به قياداتها، ولم يستطع الشاطر أن يحميه، بل ضحى به، لأنه فى النهاية بالنسبة له لم يكن إلا أداة.. قفاز قذر أدى مهمته، ومن الطبيعى أن يخلعه ويلقى به فى أقرب صندوق زبالة. 

كان عبدالمنعم محمود يباشر نشر أكاذيبه من شقة استأجرها خيرت الشاطر فى عمارة دوحة ماسبيرو الشهيرة فى ميدان عبدالمنعم رياض، وبعد خروجه من الجماعة بدأ يشق طريقه، ويتعامل مع نفسه الآن كمناضل، بعد أن داست عليه جماعته. 

بعد الثورة كان لا بد أن يستثمر الشاطر الفكرة التى وضع بذورها، فتوسع فيها، وخصص لها ميزانية كبيرة، ووجد فى محيى الدين الزايط، عضو مجلس شورى الجماعة ومسئول المكتب الإدارى لإخوان شرق وشمال القاهرة، النموذج الفريد لمن ينفذ دون أن يناقش، فقاد حملات اللجان الإلكترونية ضد القوات المسلحة، وضد وزير الدفاع، وضد كل من يقف فى وجه الجماعة، ولم تتورع هذه اللجان عن نسج الأكاذيب وترويج الشائعات واغتيال الخصوم معنويًا، فلم يكن هناك لا دين ولا أخلاق يمكن أن تمنع الجماعة من تحقيق ما تريده. 

أثبتت الأحداث بعد ذلك أن محيى الزايط هو الفأر الكبير، فقد هرب من مصر بعد ٣٠ يونيو، وأصبح واحدًا من قيادات الإخوان الذين يديرون الحرب ضدنا من الخارج، ولسابق خبرته فى إدارة اللجان الإلكترونية، فقد تولى هذا الملف، وواصل عمله، وقاد حملات اللجان الإلكترونية الإخوانية للتشكيك فيما يتم إنجازه على الأرض بهدف إنهاك الوطن وإرباك المواطنين. 

لم يصدق كثيرون ما يقال عن اللجان الإلكترونية الإخوانية، كانوا يعتبرون ذلك كذبًا وافتراءً على الجماعة التى لم ولن تتوقف عن الكذب والافتراء، لتأتى جملة- ليست عابرة بالطبع- فى «الاختيار ٣» وبنعومة شديدة؛ لتشير ليس إلى ما جرى فقط، ولكن لمن يقفون خلفه ولا يزالون.