رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سعدالدين الهلالى: الشريعة الإسلامية هى أن يُقيم كل واحد دينه باختياره دون أى إكراه (حوار)

سعدالدين الهلالى
سعدالدين الهلالى

المتطرفون كذبوا على رسول الله ونسبوا إليه حديث «كل قرض جرّ نفعًا فهو ربا».. والادعاء بأن فوائد البنوك حرام متاجرة بالدين

آراء الفقهاء السابقين «لا تلزمنا».. التراث «شرح دينى قدمه راحلون لراحلين» ونحتاج لتعميم مفهوم «الشعب الفقيه»

أصحاب الفتاوى الشاذة «مدلسون» ويتعمدون إخفاء كل الآراء فى القضية محل النظر.. والمشكلة فى تقديم التفسير الواحد على أنه الحقيقة المطلقة 

قال الدكتور سعدالدين الهلالى، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، إن الدستور هو شريعة الدولة، بينما الشريعة الإسلامية تعنى أن يُقيم كل واحد دينه باختياره دون أى إكراه، مشددًا على عدم وجود ما يسمى بـ«الدستور الإسلامى».

وحذر «الهلالى»، فى حواره مع «الدستور»، من أن المتشددين يستخدمون تعبير «الشريعة» لإقناع الناس بأن فهمهم الشخصى للدين هو الدين، منبهًا إلى أن الأزمة الحقيقية تتمثل فى تقديم تفسير واحد لقضية معينة على أنه «الحقيقة المطلقة».

وأبدى أستاذ الفقه المقارن تعجبه من التزام المتشددين، وعلى رأسهم رموز «الإسلام السياسى» بالقانون والدستور، خلال وجودهم فى الدول الأوروبية، وعندما يُقدمون إلى بلادهم يبدأون فى محاولة فرض آرائهم والوصاية على الآخرين بالقوة.

 

■ بداية.. كيف ترى ظهور فتاوى دينية شاذة خلال الفترة الأخيرة؟

- الفتوى الشاذة هى فتوى أحادية فى أمر ما، تخالف كل الفتاوى المتعلقة بهذا الشأن، وصاحبها يريد فرض وجهة نظره على الناس، لذا يدلس فى الخطاب الدينى ويفرض وصايته على الناس، ويقول إن هذا هو الرأى الواجب، وإن ما دونه غير صحيح، بل يتعمد إخفاء الآراء الأخرى.

وأرى أن مثل هذه الفتاوى تشكل خطرًا كبيرًا على أمن المجتمع، وتمس الأمن القومى، وهذا أمر لا يرتضيه أى شخص عاقل فى أى دولة على مستوى العالم، ولا يختلف عليه اثنان.

وأود أن أشير إلى أن هناك بعض الدول التى تنجح شعوبها فى تحمل المسئوليات وتحقيق المحاسبة الذاتية، وهناك بعض الدول التى لا تملك شعوبها هذه القدرة، لذا تعتمد على رجال الدين لتحقيق السيطرة.

فى بريطانيا على سبيل المثال لا يوجد دستور مكتوب، لكن المواطنين هناك يلتزمون بمبادئ موحدة، يتعلمونها منذ الطفولة، وتعد متوارثة فى ثقافتهم.

وأرى أن الدول تنضبط بتطبيق القانون واتفاق المواطنين على اتباع قيم وطنية جامعة، وهى قيم لا تمس أى دين. لذا فإن أى مسلم متمسك بإسلامه يمكنه الذهاب إلى أى دولة أوروبية وإقامة شعائره دون أن يتعرض له أحد، ويمكن لأى بوذى أو مسيحى أو أى إنسان أن يعيش كما يشاء، بشرط الالتزام بالقانون.

والدليل على ما أقول هو أن رموز «الإسلام السياسى» يعيشون فى أوروبا ويلتزمون بالقوانين ولا يستطيعون مخالفتها، وحينما يأتون إلى الدول العربية يتحوّلون إلى متشددين، ويسعون لفرض آرائهم بالقوة على بقية الناس.

والمجتمع المتماسك هو الذى يعتمد على قوانين تسرى على جميع الناس، ولا تسمح لأى شخص بفرض وجهة نظره على الآخرين، أو يجبر الناس على الاقتناع بتفسير معين لنص دينى.

■ ماذا عن جهود الدولة لمواجهة مثل هذه الفتاوى والمتشددين بصفة عامة؟

- منذ ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣، تنفذ الدولة خطة محكمة للقضاء على الإرهابيين، ونجحت فى ذلك بشكل كبير، لكن للأسف لا يزال بعض الأفكار المتشددة يتسلل إلى صغار السن فى القرى والمدن البعيدة.

المتشددون يوهمون البسطاء بأنهم يريدون إقامة «مملكة الله فى الأرض»، وكأن الله عز وجل ليس له ملكوت السماوات والأرض. يقولون ذلك لأنهم يريدون السيطرة على الحكم.

كما يقول هؤلاء المتشددون إنهم يريدون «تطبيق الشريعة»، ويستغلون هذه الكلمة لإقناع الناس بأن فهمهم للدين هو الدين، وليس مجرد تفسير متشدد.

وأرى أن الحقيقة هى أنه لا يوجد كتاب يسمى «الشريعة الإسلامية»، فالنبى محمد بن عبدالله مات فى عام ١١ هجريًا، والآن نحن فى عام ١٤٤٣ هجريًا، ولا نرى أى كتاب يسمى «الشريعة الإسلامية».

نحن نرى قول الله عز وجل: «شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِى أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ».. إذن الشريعة الإسلامية هى أن يُقيم كل واحد دينه باختياره، وألا يكون هناك إكراه فى الدين.

■ ما الفارق بين «الدستور» و«الشريعة» إذن؟

- «الدستور» هو شريعة الدولة، لأن المواطنين هم الذين اختاروه عن طريق نواب الشعب، بإشراف الأجهزة التى ارتضاها هذا الشعب، ولا أحد يستطيع تغييره إلا الشعب نفسه.

فى المقابل، لا يمكن الاتفاق على شىء يسمى «الشريعة الإسلامية»، والدليل على ذلك ما حدث خلال عصر الرئيس الراحل محمد أنور السادات، حينما اتفق شيخ الأزهر آنذاك، الدكتور عبدالحليم محمود، والدكتور صوفى أبوطالب، رئيس مجلس الشعب آنذاك، ومن كانوا معهما، وكتبوا دستورًا وأطلقوا عليه «الدستور الإسلامى».. هذا الدستور لم ينزله سيدنا جبريل.

وإن سألنا شيخ الأزهر الحالى: «هل تخضع لفتاوى وآراء شيخ الأزهر الذى سبقك؟»، سيقول: «لا»، لأنه مسئول عن آرائه فقط، وهذا حقه، وبالتالى لن يوافق على إلزام شيخ الأزهر الذى سيأتى بعده بآرائه.

نفس الفكرة تنطبق على الفقهاء السابقين، فآراؤهم لا تلزمنا، وقدموها لخدمة الناس فى عصور سابقة، وبالتالى «التراث خادم لا حاكم».

■ ماذا تقصد بعبارة «التراث خادم لا حاكم»؟

- ببساطة التراث يشير إلى طريقة فهم قديمة لنصوص دينية، شرحها شيوخ راحلون لأجيال رحلت، وبقيت لتدلنا على الطريق، وتؤكد حقنا فى الاستنتاج، وبالتالى خادم لا حاكم.

هذا الأمر ينطبق على العلوم الدنيوية أيضًا، مثل الطب والصيدلة، فهى علوم موجودة لخدمة الناس لا إلزامهم.

وخير مثال على ذلك قضية ضرب المرأة، التى جاءت من تفسير بعض الشيوخ لقول الله تعالى: «وَاللَّاتِى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِى الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ».

نلاحظ هنا أن الأمر بدأ بالوعظ، ثم جاء الهجر فى المضاجع، ثم فى النهاية جاء فعل «الضرب»، وهناك شيوخ رأوا أن الضرب هنا يكون رمزيًا، أى بسواك أو بريشة، على أن يحقق الإهانة لكسر كبرياء المرأة، بينما رأى شيوخ آخرون أن الضرب هنا هو الاعتداء على المرأة بشدة.

وأرى أن من يلزم نفسه بهذه التفسيرات وغيرها، قد حبس نفسه فى التراث، ومنعها من الاستيعاب، واعتبر أن التراث حاكمًا لا معلمًا.

وأقول لهؤلاء إن فعل «الضرب» هنا يمكن أن يعنى شيئًا آخر.

فلتنظروا إلى قول الله عز وجل: «وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِى الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا»... كلمة «ضرب» هنا جاءت بمعنى «سفر»، وإن سألنا أى شيخ تقريبًا سيجيب نفس الإجابة: «الضرب هنا يعنى السفر».. فكيف استنتج هؤلاء أن كلمة «ضرب» هنا تعنى «سفر»، رغم أنها لم ترد صراحة فى الآية؟

هم ببساطة فكّروا، وبنفس الطريقة يمكن أن نستخدم هذا التفسير فى الآية الأولى، التى أرى فيها أن الله عز وجل لم يأمر بكسر كبرياء سيدة أو بضربها، وهو القائل: «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى آدَمَ».. كما أن هذا لا يليق بالحضارة أو العصر الذى نعيش فيه.

ويمكن أن نشير إلى مثال آخر.. حينما ظهر «الجينز» قال الشيوخ إنه «حرام»، والآن نرى سلفيين يرتدونه. وحينما ظهر التليفزيون أطلق عليه السلفيون كلمة «المفسديون»، والآن يملكون قنوات فضائية، ويظهرون على الشاشات كل يوم. وعندما ظهرت الصور الفوتوغرافية رآها المتشددون حرامًا، والآن يرونها حلالًا.

آراؤهم تتغير.. هذا هو الواقع، لكن الأتباع لا يفهمون هذا للأسف.

وللأسف أرى أن تعصب الأتباع لا يوجد فى جماعات «الإسلام السياسى» فقط، بل امتد إلى «المتصوفة»، فالآن نرى الشيخ الصوفى يسيطر على أتباعه، وهذا لا يجوز، لأن التصوف علاقة مع الله، ولا يجوز تحويله إلى «تنظيمات».

■ فى رأيك.. كيف تستغل الجماعات المتطرفة نقص عدد المثقفين فى بعض القرى بمختلف محافظات الجمهورية؟

- المتشددون يوهمون الناس فى القرى بأن رسالة الله عز وجل إلى عباده ليست واضحة بشكل كافٍ، وأن الله كلّفهم بتفسيرها وتفسير كلماته.. يفعلون ذلك من أجل «احتكار الدين».

ما يفعله المتشددون يخالف ما قاله الله، عز وجل، الذى أمر صاحب العلم بأن يُعلّم غيره: «فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِى الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ»، ويقول النبى الكريم: «من يرد الله به خيرًا يُفقهه فى الدين».

لذلك فإن الصحيح هو أن يُعلم أهل الدين القرآن والفقه للناس، دون إلزامهم بآراء تنظيرية أو بفهم معين للنصوص الدينية.. لأن هذا «تدليس». فالله، عز وجل، يقول: «فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَٰذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا يَكْسِبُونَ».

■ البعض يقول إن سيطرة المتشددين قد ترجع أيضًا إلى ندرة رجال الدين خاصة من الأزهر.. ما رأيك؟

- لا، فهناك آلاف الشباب يتخرجون سنويًا فى كليات الأزهر الشريف، مثل أصول الدين والشريعة الإسلامية والدراسات الإسلامية والدعوة، وغيرها الكثير، وهناك مئات يعدون رسائل ماجستير ودكتوراه فى الفقه والفقه المقارن وأصول الفقه والتفسير والحديث وعلم العقيدة وعلم الدعوة.

المشكلة ليست فى نقص عدد خريجى الأزهر، بل هى أن الطالب الذى يدرس فى كلية علوم الدين مثلًا أكثر من تفسير لآية واحدة يختار تفسيرًا واحدًا ويقدمه للناس على أنه «الحقيقة المطلقة»، وهذا- كما قلت- تدليس وخيانة للأمانة.

قضيتنا هى الخيانة العلمية فى الخطاب الدينى، لذا علينا إدارة الخطاب الدينى بشكل صحيح، وإن فعلنا ذلك سنحقق خلال سنوات قليلة مفهوم «الشعب الفقيه»، وحينها سيكون أى مواطن قادرًا على اختيار التفسير المناسب له، دون التدخل فى شئون غيره، ودون أن يتدخل أحد فى شئونه، فالإنسان حر.. حر فى عبادته لربه، وحر فى اختيار التفسير الأنسب له، وهذا لا يتعارض مع القانون أو الدستور.

■ عادت إلى الواجهة، خلال الفترة الأخيرة، مسألة «فوائد البنوك»، وتجددت حالة الجدول حول حرمانيتها من عدمها.. كيف ترى هذه المسألة؟

- هذه «متاجرة دينية»، والشعب لديه ثقافة خاطئة بأن «بعض علماء الدين يعرفون مراد الله»، وفى ظل وجود هذه الثقافة وجمع الناس على فتوى ورأى واحد، ستظل هذه الفتن.

فهذا الكلام ليس جديدًا، وسبق أن حرّم هؤلاء حتى العمل فى البنوك، منذ ظهرت البنوك فى مصر عام ١٨٩٨، والفقهاء المعاصرون فى هذه الفترة كان لهم رأيان؛ رأى يقول إن البنوك تؤدى دورًا وطنيًا وتحفظ المدخرات للمواطنين وتمنع تعريضها للسرقة أو الإتلاف، مع تشغيلها والحصول على هامش ربح، والرأى الآخر يدعى أن فكرة البنك «غير إسلامية»، وأنها جاءت من أوروبا.. إذن كانوا يحاربونها على المستوى السياسى وليس الدينى، وبناءً عليه جلبوا فقهاء وشيوخًا يخترعون لهم الأسباب والحيثيات التى تجعل «فوائد البنوك حرامًا»، لدرجة أنهم كذبوا على رسول الله وادعوا أن النبى قال: «كل قرض جرّ نفعًا فهو ربا»، وهذا لم يقله الرسول، وإنما هى مقولة لفضيل بن عبيدالله، وهو صحابى، ورغم ذلك نسبوا مقولته إلى الرسول.

وفوائد البنوك تم الاختلاف حولها فى القرن العشرين، والبعض قال إنها حلال، واستند فى ذلك إلى قول الله: «لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ».

فهنا قال العلماء طالما أن هناك تراضيًا، فالتراضى يجعل التعامل بشفافية حلالًا لا حرج فيه، وأخذوا فى ذلك برأى عدد من الصحابة الذين قالوا إن «ربا الفضل» ليس ربا وإنما «صفقة»، ومنهم عبدالله بن عباس وعبدالله بن عمر وعبدالله بن الزبير وعبدالله بن مسعود والبراء بن عازب وعبدالله بن أبى سفيان وزيد بن الأرقم وأسامة بن زيد.

كل هؤلاء قالوا إنها «صفقة» وليست «ربا»، وجمهور العلماء قالوا «نلحقه بالربا ولا نسميه ربا»، بل «نسميه ربا فضل»، والرسول قال فى صحيح البخارى عن ابن عباس: «لا ربا إلا فى النسيئة»، و«ربا النسيئة» هو أن الدائن يفرض دينًا على المدين دون سابق إنذار منه.

■ لكن هناك بنوكًا تدعى أنها «إسلامية» لتقنين الأمر من الناحية الشرعية.. ما تعليقك؟

- بداية نشأة ما تسمى «البنوك الإسلامية» كانت سياسية محضة لا علاقة لها بالدين، كما أنه منذ عهد النبى، والمسلمين من بعده، يسمون الدول بأسمائها الوطنية، مثل البحرين وخيبر والمدينة وحتى مكة، فلم يقل أحد «مكة الإسلامية».

وظل الأمر هكذا حتى عام ١٩٦٠، إذ سميت موريتانيا، التى كان عدد سكانها قليلًا جدًا، نفسها بـ«موريتانيا الإسلامية»، عندما قام أهلها بثورة ضد فرنسا.

من هنا دخلت كلمة «الإسلامية» على أسماء الدول لأول مرة، وبعد ذلك فى عام ١٩٧٩ سميت إيران بـ«الجمهورية الإسلامية» بعد الثورة على الشاة، ووجد البعض أنه يمكن استخدام كلمة «الإسلامية» والمتاجرة بها.

وفى ٢١ أغسطس عام ١٩٦٩ حدث حريق المسجد الأقصى، فأراد السياسيون الحشد بشكل مكثف ضد إسرائيل، ولأول مرة اجتمع مندوبو زعماء ووزراء خارجية دول العالم الإسلامى، أو الدول التى بها أكثرية مسلمة، ووصلوا إلى ٥٧ دولة، فى العاصمة المغربية الرباط، وأنشأوا ما يسمى «تجمع دول العالم الإسلامى».

بعدها بسنة اجتمعوا فى جدة وأنشأوا منظمة «مؤتمر العالم الإسلامى» ومقرها الدائم فى جدة، وظهر لأول مرة عالم إسلامى ومنظمة للدول الإسلامية بشكل رسمى، وأوصوا فى هذا الاجتماع بإنشاء تكتل اقتصادى، وهو البنوك، وأنشأوا لأول مرة فى تاريخ المسلمين البنك الإسلامى: «بنك دبى» سنة ١٩٧٥، ثم توالى إنشاء هذه النوعية من البنوك فى مصر والأردن. 

وفى نظرى أنه لو تم توجيه نداء للدول المحبة للسلام سيكون هناك صدى أكثر، ولن يكون هناك تكتل إسلامى أمام تكتل دينى آخر، أو يكون هناك صراع دينى من الأساس، فكل أهل الدين ينسبون دينهم إلى الله، وسنحول بالتالى الدين إلى سبب لنزاع البشر، «ولو إحنا بنحب ربنا بجد نبعد الدين عن الصراع».

ولو نظرنا إلى حرب روسيا وأوكرانيا، سنرى أنهم لم يرفعوا شعار الدين، لذلك هم حموا الدين أكثر منا، فالدين علاقة بين العبد وربه، ولا يجوز استخدامه سياسيًا بأى صورة.

■ كان لك رأى فى موضوع «الطلاق الشفوى» أثار الجدل بصورة كبيرة.. هل لك أن تشرحه لنا بشىء من التفصيل؟

- الطلاق هو حل رباط الزوجية، ويحدث ذلك بالطريقة التى رُبطت بها تلك الزوجية، بحيث يتم فكها بنفس الرابط، فالزواج، كما هو معمول به، يتم مع وجود المأذون، إذن يستحيل أن يتم الطلاق بغير وجود المأذون، وهذا منطق طبيعى.

وفى الزمن الماضى كان يتم الزواج عن طريق الإيجاب والقبول من الطرفين والأسرتين بعيدًا عن الدولة، إلا قبل الأول من أغسطس عام ١٩٣١، حيث إن الدولة قدمت نفسها كطرف ثالث إلى جانب طرفى الزواج، عن طريق توفير مأذون، وصار الزواج من حينها وإلى الآن يُقام بنظامى «العرفى» و«الأهلى» مع بعضهما البعض، وأصبح بعض الأسر يشدد على ضرورة وجود المأذون، ووجد الشعب أن مصلحته ومصلحة بناته تكمن فى توثيق العقود، خاصة أنه فى الزواج الرسمى القائم على التوثيق فإن القضاء يتدخل فى الحضانة والنفقة والحقوق بين الزوجين، فيكون «القاضى والقانون» طرفًا ثالثًا، وفقًا لارتضاء جميع الأطراف باختيار «الدولة» كطرف ثالث واستدعائها فى هذا الأمر.

لذا فإن المنطق الطبيعى يقول إن الزواج رباط الزوجية، وإذا ما تم الارتضاء بوجود مأذون لإتمامه إذن لا طلاق إلا بوجوده وبوجود الوثيقة الرسمية لهذا الطلاق، وهذا أمر لا يحتاج إلى فقيه أو جهد علمى أو إقناع.