رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محنة امرأة شاردة

جريدة الدستور

تعس الظانون أنهم بقوتهم باقون، والذين هم في لُـجَّة بأجسادهم مفتونون، ذُوقُوا فتنتكم، أرذل العمر أنتم عنه ساهون، بل هم قوم طاغون، كانوا قليلا ما يتذكرون، أنه يوما سيصيبه الجدب والعطب، هل أتاك حديث الجسد، شهوته ورغبته، ضعفه وشدته، إنا عن ذلك لضالون.

تذكرت المرأة الجميلة بعد شرود، وما أرادت أن تتذكر، الذكرى ذات غصة، تحدث في نفسها رجة، لا تريد عنها أن تنفك أو تنفض، حين منحت، حين وهبت، القلب والجسد من أجل ماذا؟ من أجل هوى هوى بها إلى هوة، من أجل شهوة، علت بها إلى ربوة، ربوة رغبة، هزة تردفها رعشة، عشقها بواح، مباح مستباح، رغبة نحو الراغبين العاشقين، من يمنح ويُمنح.

مرت سنون، مرت أزمان؛ والآن، ماذا عن الآن؟ الذكرى تطاردها، فعشق الجسد كان عندها أشد، اشتهاء فيها نحوه كان يشتد، كيف تجاهد رغبة فيها قد ركبت، في دمائها وعروقها قد شُيّدت، زال عنها أنه كان زوال، وبقاء الحال- كما هو أمر محال، فالأمر تزيين وتلويين، منذ بدء التكوين، حب المال لشديد وعشق الجسد أشد، لا ينفك المرء عنه ولا يرتد، إلا لمن؟ إلا لمن وعى، أن الأمر كساحة الوغى، وعليه الانتصار، لا الهزيمة والانكسار، هكذا فعل الصديق.

قَالَ نِسْوَةٌ مصر، زليخة تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِه، ِ شَغَفَهَا حُبًّا، ملأ قلبها عشقا، زوجة فوطيفار قلبها في انفطار، جسد امرأة العزيز ليس على هذا الفتى بعزيز، إِنَّا لَنَرَاهَا فِي غيّ مكين، فلما شاهدنه، غاب العقل فما عقل، زاغ البصر فما رأينه بشر، رجونه وعز الرجاء، فمثله يدرك معنى البقاء، فهل يهجره من أجل فناء!

رغبة جامحة مبعثها شهوة، تركض ركض الخيل في جسد زليخة، تهز أركانه هزا، تُحدث فيه فوضى في كل أمكنته، لا تريد أجزاؤه أن تهدأ إلا أن تقوض، فالنداء واضح فاضح، "هَيتَ لك" و"هِئت لكَ" و"هِيْتَ لك"، حالة من اجتراء ومشهد إغراء، وجمال يوسف مدرك غاية الإدراك، ومشاعره متداخلة بين الضعف والمقاومة، همّت وهمّ، همّ وما أتمّ، فقد رأى من الواردات وشاهد من المشاهدات، نثرت في جسده البركة، دفعه ذلك إلى الحركة، إلى عالم من أنوار، وكون الأسرار وجنات بلا أسوار، والمحرك حالة من الوجد رحلت بجسده ليفني عن نفسه فيمن لا فناء له: إِنَّهُ قد أَحْسَنَ مَثْوَايَ.

مرت سنون ثلاثون، أربعون، لا تتذكر؛ تعس الظانون، أنهم بقوتهم باقون، ولا حيلة لي الآن سوى انتظار ريب المنون، تمتمت العجوز وكأنها تنازع، ثم تأوهت قائلة: كنت ذات يوم كزليخة، والفارق أني لم أصادف يوسفا.