رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عبدالرحمن السندي.. قائد أول جناح عسكري لـ"الإخوان"

جريدة الدستور

بمحافظة المنيا، وفي عام 1918م، ولد أول قائد للجناح العسكري لجماعة الإخوان الإرهابية، وبعدها حصل مؤهل متوسط، واكتفي بهذا من الناحية العلمية، أفكارته كانت تعود لنفس أفكار التي أسست عليها جماعة الإخوان.

كان من أوائل المنضمين لها بعد تعرفه علي حسن البنا مؤسس جماعة الاخوان وترشيح عبد الحليم محمود لقيادة النظام الخاص، وبعدها انضم إلي الجماعة وتم ترشيحه لقيادة التنظيم الخاص الذي اسسته الجماعة، عام 1939 فالوثائق المتاحة ومذكرات قادة جماعة الإخوان تؤكد، أنه الرجل الأخطر بين أعضاء الجماعة كافة، منذ نشأتها وحتى الآن، ولا يكاد ينافسه علي موقعه في الجماعة إلا حسن البنا مؤسس الإخوان ومرشدهم الأول، وحتى هذه يشكك فيه بعض الإخوان، لأن عبد الرحمن السندي كما رأوه وعرفوه بدأ يشعر بعلو مكانته، وخطورة موقعه، واستحواذه دون غيره على القوة، التي دعا البنا إلى تقديمها على أية قيم وأية أهداف أخرى، حتى إنه وبشهادة الكثيرين كان يتعامل مع البنا معاملة الند، وهو المرشد المؤسس الذي كان قادة الجماعة يتلاشون في وجوده، ولا يملكون لأنفسهم ضرًّا ولا نفعًا، وقد عارض البنا وحاججه وناظره في وجود قادة مكتب الإرشاد والهيئة التأسيسة للجماعة، عقب مصرع المستشار أحمد الخازندار.

مواقفه المتطرفة

كان لـ"السندي" العديد من المواقف المتطرفة، فقيادته للنظام الخاص الذي اسسته جماعة الاخوان المسلمين، كما زعمت لمحاربة القوات الاحتلال الانجليزي بالقاهرة، ولكن سرعان ما تحولت أهداف التنظيم إلي الاقتصاص من الشخصيات العامة والسياسية المصرية، وهذا وحده جدير بالعديد من المواقف الارهابية التي يقوم بها التنظيم، بعد أن تولى عبد الرحمن السندي مسؤولية التنظيم الخاص، بدأ في تنفيذ عمليات مسلحة ضد المحتل الإنجليزي لمصر في ذلك الوقت، حيث يقول عبد الحليم محمود أحد أعضاء النظام الخاص والذي أوكل له حسن البنا قيادة التنظيم في بدايته إلا أن ظروف لم تساعده بسبب انتقال عمله لمحافظة أخرى غير القاهرة: "كنا في ذلك الوقت في أوائل أعوام الحرب العالمية الثانية، وكانت القاهرة تعج بجحافل الجنود الإنجليز، وكنت لا تكاد تمشي في شارع من شوارع القاهرة لاسيما الشوارع الرئيسية خصوصًا بالليل إلا ويحتك بك جماعات من هؤلاء الجنود في حالة سكر وعربدة، يهاجمون الرجال والنساء، ويعبثون بكل ما تصل إليه أيديهم، في الوقت الذي تلازمهم فيه أسلحتهم كأنهم في ميدان القتال، وجأر الأهالي بالشكوى من عبث هؤلاء الجنود، ومن كثرة ما جنوده من قتل أبرياء وهتك أعراض وتحطيم محلات، ولكن الحكومات التي تحكم البلاد لم تكن تجرؤ حتى علي توصيل هذه الشكاوى إلي مسامع قيادات الاحتلال الإنجليزي.

ورأي إخوان النظام الخاص أن يعملوا عملًا يبث الخوف في قلوب هؤلاء الجنود العابثين، لعل هذا الخوف يردعهم عن عبثهم حين يشعرون أن الطريق أمامهم ليس سهلًا كما اعتادوا، وأن هناك من يقف لهم بالمرصاد، وأن حياتهم ستكون ثمناً لهذا العبث، وقرروا أن يختاروا توقيتًا معينًا ومكانًا معينًا ومناسبة معينة، فاختاروا ليلة عيد الميلاد، واختاروا النادي البريطاني حيث يكون مكتظًا بالجنود الانجليز وضباطهم وألقوا عليهم قنبلة لم تقتل أحدًا، ولكنها بعثت الرعب في نفوسهم وحققت الغرض منها تمامًا فبدأوا يفهمون أنهم يعبثون وسط قوم يستطيعون أن يحفظوا كرامة أنفسهم بأنفسهم وأن يلقنوا من يعتدي عليهم دروسًا قاسية، وقد قبض في هذا الحادث علي بعض منهم نفيس حمدي، الذي كان طالبًا وحسين عبد السميع".

وفي عام 1947م وقعت حادثة تعطيل سفينة يهودية في ميناء بورسعيد والتي كانت تحمل شحنة أسلحة للصهاينة في فلسطين وكانت السلطات المصرية تجهل طبيعة هذه الشحنة لأنها كانت ترفع علم بنما، فقام النظام الخاص بقيادة محمود الصباغ وأحد القيادات بمحافظة بورسعيد، بتفجير جزء من السفينة أدى إلى عطبها مما دفع السلطات لسحب السفينة لإصلاحها وإفراغ الشحنة التي تكشفت لهم أنها أسلحة فقاموا بمصادرتها.

حادثة السيارة الجيب، هذه الحادثة كانت سببًا في كشف جميع أوراق التنظيم الخاص لجماعة الإخوان من قبل الحكومة، وملخص هذه الحادثة أنه أحمد عادل كمال قام بنقل أوراق خاصة بالتنظيم الخاص للإخوان تحتوي أسرار هذا النظام، ووسائله وأهدافه ومعها بعض الأسلحة المخصصة للجهاد في فلسطين من شقة بحي المحمدي، إلى أخرى بالعباسية لأحد أعضاء النظام، مستعينا في ذلك بسيارة جيب، كان يقودها مصطفى كمال عبد المجيد، وكان معهما طاهر عماد الدين، وصلت السيارة الجيب إلى منزل إبراهيم محمود علي بالعباسية، وكان من سكان هذا المنزل المخبر صبحي علي سالم والذي كان في خصومة مع إبراهيم محمود علي، ولاحظ هذا المخبر أن السيارة لا تحمل أرقاما.

ولكن سرعان ما تحول التنظيم من العمل ضد الانجليز إلي تصفية القيادات السياسية والحزبية في مصر، حيث يقول عمر التلمساني، المرشد الثالث لجماعة الإخوان، عن التنظيم الخاص لجماعة الاخوان المسلمين: أنشأت الجماعة هذا النظام، عام 1936 بهدف تحرير مصر من الاستعمار البريطاني، ثم انحرف عن الطريق.. وهنا نقول نحن لماذا أنحرف؟، لأنه تفرغ بزعامة السندي للاغتيالات السياسية لكل من يعارض الجماعة من رجال الحكومة أو من الشعب المصري نفسه من رجال الإعلام من الصحفيين والكتاب وغيرهم وأشهر جرائم هذا الجناح المخصص للاغتيالات، والذي كان يرأسه منذ البداية عبد الرحمن السندي جريمة اغتيال الخازاندار لم يكن حسن البنا المرشد العام علم بهذه الحادثة، ولا أذن فيها، ولا أخذ رأيه فيها. إنما الذي تولى كبرها، وحمل تبعتها هو النظام الخاص ورئيسه عبد الرحمن السندي، الذي دبر العملية وخطط لها، وأمر بتنفيذها.

أما عن عبد الرحمن السندي فقد قاد النظام العسكري في عهد البنا، ثم تمرد على حسن الهضيبي، المرشد الثاني للإخوان، عندما قرر الأخير إعادة النظر في النظام الخاص، وإعفاء السندي من مهمة قيادته، وأوكل إياه إلى أحمد حسنين، لكن السندي أعلن تمرده على الهضيبي، وقام مع بعض أنصاره باحتلال المركز العام للجماعة، وذهابه معهم إلى منزل الهضيبي وإساءتهم إليه؛ مما دفع هيئة مكتب الإرشاد والهيئة التأسيسية إلى اتخاذ قرار بفصل السندي وبعض من معه، وتعيين يوسف طلعت مكانه، بعد عزله، قتل سيد فايز، الذي كان عضواً في النظام الخاص، ومباركًا لفصل السندي، بعلبة حلوى مفخخة، تبعتها تصفيات جسدية لعدد من أعضاء النظام الخاص، نسبت إلى عبدالرحمن السندي ورفاقه المفصولين.

بدأ تمرد عبدالرحمن السندي، وفقًا للتلمساني، في عهد حسن البنا، عندما قرر التنظيم الخاص تنفيذ عمليات، دون الرجوع إلى البنا، ويفسر عمر التلمساني ذلك بقوله: السندي عندما شعر بطاعة وولاء النظام الخاص له، تملكه غرور القوة وشعر بأنه ند لمرشد الجماعة، ويقول: إن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، نجح في استمالة السندي بتعيينه في شركة شل للبترول، وأسس له فيلا، واتهم السندي بأنه ساعد عبدالناصر، في التخلص من النظام، والإبلاغ عن أعضائه.

وكشفت مذكرات الدكتور عبدالعزيز كامل عضو النظام الخاص بالإخوان، ووزير الأوقاف الأسبق، التي صدرت في مطلع القرن الحالي عن "المكتب المصري الحديث"، عن مفاجآت جديدة حول واقعة مقتل المستشار أحمد الخازندار، وخلافات عبدالرحمن السندي زعيم النظام الخاص مع حسن البنا مرشد الجماعة الأول، خلال الجلسة التي عقدت في اليوم التالي لواقعة الاغتيال، والتي بدا فيها البنا متوتراً للغاية حتى إنه صلى العشاء ثلاث ركعات.

وسرد كامل ما دار في الجلسة الخاصة التي عقدتها الجماعة برئاسة البنا وحضور أعضاء النظام الخاص حول مقتل الخازندار؛ حيث بدا المرشد متوتراً على حد قوله وعصبياً وبجواره عبدالرحمن السندي رئيس النظام الخاص الذي كان لا يقل توتراً وتحفزاً عن البنا، إضافة إلى قيادات النظام أحمد حسنين، ومحمود الصباغ وسيد فايز وأحمد زكي وإبراهيم الطيب ويوسف طلعت وحلمي عبدالحميد وحسني عبدالباقي وسيد سابق وصالح عشماوي وأحمد حجازي ومصطفى مشهور ومحمود عساف.

وفي هذه الجلسة قال المرشد: إن كل ما صدر مني تعليقاً علي أحكام الخازندار في قضايا الإخوان هو لو ربنا يخلصنا منه، أو لو نخلص منه، أو لو حد يخلصنا منه، بما يعني أن كلماتي لا تزيد على الأمنيات ولم تصل إلى حد الأمر، ولم أكلف أحداً بتنفيذ ذلك، ففهم عبدالرحمن السندي هذه الأمنية على أنها أمر واتخذ إجراءاته التنفيذية وفوجئت بالتنفيذ. ولفت كامل إلى أن البنا مساء يوم الحادث ولهول ما حدث صلى العشاء ثلاث ركعات وأكمل الركعة سهواً وهي المرة الوحيدة التي شاهد فيها أعضاء التنظيم المرشد يسهو في الصلاة.

ورصدت المذكرات احتدام الخلاف بين البنا والسندي أمام قادة النظام الخاص، واستقر الرأي علي تكوين لجنة تضم كبار المسئولين عن النظام الخاص، بحيث لا ينفرد السندي برأي أو تصرف وأن تأخذ اللجنة توجيهاتها الواضحة من البنا نفسه، وفق ميزان ديني، وهو الدور الذي قام به الشيخ سيد سابق، وأوضح كامل أن سابق أصبح ميزاناً لكبح حركة الآلة العنيفة داخل الإخوان. وذكر كامل أن هذه هي المرة الأولى التي خضع فيها السندي للمحاسبة أمام البنا وقيادات النظام الخاص وكذلك الأولى بالنسبة للمرشد، التي يقف فيها صراحة أمام نفسه إلى الدرجة التي دفعته لأن يقول للسندي: أنا لم أقل لك ولا أتحمل المسئولية، ورد السندي: لا.. أنت قلت لي وتتحمل المسئولية.


وعن علاقة صلاح شادي وعبدالرحمن السندي التي سرعان ما تحولت لحياة مشاجرات، كما روها أحمد عادل كمال، حيث قال: كان بين صلاح أبو شادى وعبد الرحمن السندى حب مفقود خلافا لما كان بين كل أخ مسلم وأخيه. والسبب أن صلاح شادى كان يرغب أن يكون ضمن قيادة النظام الخاص في حين كان عبدالرحمن السندى يرى عدم صلاحية صلاح لهذا. ولم يكف صلاح عن رغبته هذه ولم يعدل عبد الرحمن
عن رأيه ذاك حتى آخر عمره. لم يكتب عبد الرحمن السندى عن صلاح، ولكن صلاحا كتب فى 1981 كتاب بإسم حصاد العمر جله عن عبد الرحمن من منظوره هو بعد أن لقى عبد الرحمن ربه عام ١٩٦2م، بتسعة عشر عاما، وقد تضمن الكتاب حوارات ثنائية بين الاثنين يتصدى فيها صلاح لعبد الرحمن فيفحمه ويدمغه!! وعبد الرحمن ليس حيا لجيب فالميدان خال لبطل واحد.


وفاته
أصيب عبدالرحمن السندي باعتلال في صمامات القلب نتيجة حمى روماتيزمية، وتوفي بمرض القلب في عام 1962م.