رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رحلة منشق إخواني من "كهف الغجر" إلى الحزب العلماني المصري- حوار

سلام
سلام

تأثير نظرية المؤامرة هو سبب انضمامي إلى الجماعة 
الوعي والثقافة دوافع انشقاقي عن "الإرهابية" 
الأفكار السياسية والاقتصادية للجماعة مجرد شعارات وخطاب شعبوي 
سبب إصراري على العلمانية هو تنصل كل الأحزاب منها ومجاملة التنظيمات الإسلامية 
لا توجد ثقافة مقروءة عند الإخوان وكلهم يميلون إلى الثقافة السمعية 


من المستغرب أن يتحول شخص من الإسلام السياسي التقليدي إلى شخص يحمل أفكار علمانية، وهو ما كان يعتبرها كفر بواح و"ردة"، ما أنزل الله بها من سلطان. 

مؤمن سلام، هو أحد أهم هؤلاء الذين انتقلوا من جماعة الإخوان إلى محور فكري آخر، مغيرًا لما كان يعتقده في السابق، فسعى إلى تأسيس الحزب العلمانى المصري، حكى لنا عن تفاصيل رحلته مع الجماعة الإرهابية، وأسباب انشقاقه ودوافعه التي تربى عليها وانغمس فيها، ثم رحلته إلى الفكر العلماني ودوافعه وراء تأسيس هذا التيار.. وإلى التفاصيل:

فى البدايه نود أن تعرفنا عن رحلتك ؟
كان لي بعض التجارب السياسية مع الإخوان في فترة الجامعة، ثم حزب المصريين الأحرار بعد ثورة يناير، وأخيرا محاولة تأسيس الحزب العلماني المصري مع بقية الزملاء.

أنا من مواليد 9/9/1969، خريج كلية سان مارك وهى مدرسة فرير بالاسكندرية، وحاصل على بكالوريوس تجارة قسم العلوم السياسية بجامعة الإسكندرية، وأعمل حاليا مترجم للكتب الاقتصادية، وبالاضافة لعملي، لي 523 مقالة وبحث منشورة بمواقع مختلفة على رأسها موقع مصر المدنية. 

أهم أبحاثي هي: رؤية ثقافية مصرية، والأمن القومي المصري رؤية ليبرالية، مصر وإسرائيل 40 عام من صحراء السلام البارد، والإنسانية من الحرب للسلام، ولاهوت التحرير رؤية علمانية، وأعمل الآن على بحث محمد عبده بين التنوير والإسلام السياسي نشرت منه الجزء الأول بعنوان "محمد عبده والعلمانية". 

كما أن لي كتابين منشورين على الانترنت هما "العلمانية ببساطة" و"الليبرالية ببساطة"، وألقيت الكثير من المحاضرات في الاسكندرية والقاهرة والمنصورة. 

كيف أثرت البيئه السياسية والاجتماعية التى تربيت فيها على شخصيتك وتكوينك الفكري ؟
كما ذكرت قضيت سنوات تعليمي المدرسي كلها بكلية سان مارك وهى مدرسة تملكها وتديرها رهبانية دى لاسال الكاثوليكية، وتصميم المدرسة هو عبارة عن كنيسة تحيط بها المدرسة، وأنا من أسرة مسلمة.

نشأت في جو بعيد عن التعصب، يقبل الأخر ولا يفرض قيود على العقل، خاصة ان التحفيز على القراءة كان في المدرسة والأسرة معا، فأسرتي أسرة قارئة ومتابعة للسياسة بالقوة، فأنا مثلا كنت استيقظ في الصباح للذهاب للمدرسة على صوت نشرة أخبار صوت أمريكا الساعة 7 صباحا.

كانت أسرتي من أشد المؤيدين للسادات وللسلام مع إسرائيل، ومن أشد المعارضيين لعبد الناصر وسياساته، وأيضا برغم تدين أسرتي إلا أنها من أشد المعارضيين لجماعة الإخوان المسلمين، حتى عندما انضممت لها رفضت الأسرة هذا الأمر تماما، وقامتبممارسة الكثير من الضغوط عليه لتركها.

كيف انضممت لجماعة الإخوان الإرهابية ؟
جاء انضمامي للجماعة بتأثير من نظرية المؤامرة، ولذلك أنا من أشد المعارضين للترويج لنظرية المؤامرة، لأن لها تأثير مدمر على عقل الإنسان ورؤيته للأمور. فكما ذكرت أني نشأت محبًا للقراءة. 

فقد أهداني صديق لأسرتنا كتابًا لروجيه جاوردي وكان قد اسلم، كتاب يتحدث فيه عن المؤامرة العالمية على الاسلام، ولأني كنت مازالت طالب بالثانوي فلم تكتمل رؤيتي بعد للأمور صدقت ما هو مكتوب وبدأت متابعتي لمجلات جماعة الاخوان المسلمين مثل المختار الاسلامي والاعتصام ولواء الاسلام، بحثا عن وسيلة لمواجهة المؤامرة والانتصار للإسلام وإستعادة مجد المسلمين.

بدأت أتردد على مساجدهم وأحضر دروسهم، حتى تعرفت على أحدهم وطلبت منه الانضمام للجماعة. 

وكان ذلك بعد انتهائي من الثانوية العامة وقبل دخولي الجامعة، فعرفني على شخص أخر أكبر منه، ثم بدأت رحلتي معهم.

وضح لنا تفاصيل تجربتك مع الإخوان ؟
أستطيع القول أن رحلتي مع الإسلام السياسي عموما وليس الإخوان فقط قد ارتبطت بشكل كبير بمراحل تطور قراءاتي وتطوري الفكري. فكما كان كتاب هو سبب طلبي الانضمام للجماعة. 

كيف انشققت عن الإخوان؟ 
تسببت القراءة أيضا في خلافي معهم، خاصة بعد أن تم تصعيدي إلى رتبة أخ عامل، فمع حصولي على درجة عامل تفتحت أمامي الكثير من الأبواب وبدأت أرى التنظيم من الداخل والتقيت بكثير من قياداته، فوجدت اختلاف كبير بين ما أقرأه في الكتب عن الإسلام والفكر الإسلامي والشورى وأهمية العلم وبين ما يحدث داخل التنظيم من استبداد، وانتشار الجهل ليس فقط بالفكر الانساني من فلسفة وعلوم وآداب ولكن حتى جهل بالدين ذاته. 

ما الذي كان يقرأه عناصر التنظيم أثناء وجودك معهم؟
أعضاء التنظيم يغلب عليهم كراهية القراءة وكانوا يميلوا أكثر للثقافة السمعية من خلال الدروس في المساجد أو شرائط الكاسيت، ونتيجة طيبعتي التي تميل للمواجهة أكثر من المراوغة، بدأت في الاصطدام مع القيادات وأبديت اعتراضاتي على أسلوب الادارة وعلى الاستبداد داخل التنظيم، ما أدى إلى نقلي من منصبي كمسؤول اللجنة الثقافية بجامعة الاسكندرية إلى لجنة مستحدثة مسؤولة عن تثقيف أعضاء الجماعة. 

سريعا ما اكتشتف أنه مجرد إبعاد لي عن العمل وأنها لجنة بلا عمل حقيقي، كما تم جمعي مع مجموعة أخرى من الإخوان المتمرديين على الوضع في أسرة واحدة على طريقة جمع البيض الفاسد في سلة واحدة، ثم أخيرا وبعد زيارة قمنا بها للشيخ القرضاوي في منزلة بالقاهرة، تم تحويلنا للتحقيق لأننا قمنا بالزيارة بدون اذن، فرفضت التحقيق وأعلنت انسحابي من الجماعة.

لماذ غيرت مسيرة فكرك للعكس تمامًا؟ 
تركت التنظيم إلا أنني كنت مازالت إسلامي أحمل أفكار الاسلام السياسي، فأصبحت جزء مما يُسمى الاسلاميين المستقليين أو المستنيرين وهؤلاء ينتمون لفكر القرضاوي ومحمد الغزالي ومحمد عمارة وفهمي هويدي وطارق البشري وتوفيق الشاوي وبعض قيادات الاخوان التاريخية التي تركت الجماعة مثل فريد عبد الخالق. 

وقد قرأت لهؤلاء والتقيت القرضاوي مرتين وفريد عبد الخالق وصالح أبو رقيق ومحمد فتحي عثمان ومحمد عمارة وغيرهم، إلا أنني مع الوقت وجدت أن أفكارهم السياسية والاقتصادية هى مجرد شعارات وخطاب شعبوي لا يمكن تطبيقه في العصر الحديث وأن هؤلاء لا يملكون فكر حقيقي أو مشروع حضاري يمكن تطبيقه لنهضة الأمة المصرية.

فبدأت في التخلي تماما عن فكر الإسلام السياسي والتوجه نحو الثقافة العلمانية في مرحلة عزلة عن المجال العام استمرت من 2000 حتى 2009، عندما بدأت للعودة للكتابة مرة أخرى بفكري الجديد العلماني الليبرالي الإجتماعي.

ما هي تجربه مؤمن سلام في تأسيس الحزب العلماني؟
جاءت محاولة تأسيس الحزب العلماني بمبادرة من هشام عوف، الذي اتصل بي وطلب منى أن أكون معه من وكلاء المؤسسين، في البداية لم أكن متحمسا للفكرة، ولكنه أقنعني وبدأت العمل معه ومع باقي الزملاء لجمع التوكيلات. وكان تأسيس حزب يحمل اسم الحزب العلماني المصري وليس الليبرالي رغم ان توجهاته الاقتصادية كانت ليبرالية اجتماعية تحمل أفكار دولة الرفاه وكان البرنامج الاقتصادي يتبنى النموذج الألماني. 

إلا أن سبب الإصرار على الاسم هو تنصل كل الأحزاب المصرية من العلمانية، وإصرارهم على تبني كلمة "مدنية" خوفا من التيارات الدينية، رغم أن مصطلح مدنية مصطلح مراوغ، لذلك حتى الإسلاميين يقولون إنهم يسعون إلى تأسيس دولة مدنية. 

هل "المدنية" تعني التنظيم والحركة أم تُعني ماذا في عقل هؤلاء ؟ 
مدنية عند الإسلاميين تعني غير عسكرية، وليست دولة تفصل الدين عن الدولة كما يعتقد البعض، ولذلك جاء الإصرار على الإسم حتى تعلم أمتنا المصرية أن كلمة علمانية ليست كلمة سيئة وليست كفر ولا الحاد كما تروج لذلك أدبيات الاسلام السياسي وبعض الاعلاميين.

أننا نعلن عن توجهتنا الفكرية بكل صراحة ووضوح ودون مواربه. فأنا شخصيا مقتنع أن المصريين أذكياء ولديهم قدر عالي من الدهاء، ولذلك فالمصري لا يحب من يحاول خداعة، فقررنا أن نكون صرحاء مع المصريين.

كذلك، التيار العلماني في تصاعد منذ 2010 وحتى اليوم ومن الطبيعي لأى تيار فكري أو اجتماعي في أى مجتمع أن يسعى للتعبير عن نفسه سياسيا من خلال تكوين حزب يعبر عن أفكاره ومصالحه السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

متى سيخرج الحزب العلماني إلى النور؟
هذا أمر لا نستطيع تحديده الآن فالمجال العام أدى إلى خوف الكثيرين واحجامهم عن ممارسة السياسة، ولذلك أفضل أن يكون خروج الحزب للنور في وقت يكون المناخ السياسي قد تغير وبدأنا.

كيف يمكن فصل الدين عن السياسية، وتحييد الجماعات الدينية عن العمل السياسي؟ 
يجب أن يتم ذلك على ثلاث مراحل وهما المرحله الثقافية، الإقتصادية و، السياسية وتتمثل المرحلة الثقافية فى التعليم، وبالتالى هى تخرج عقلية نقدية واعيه، تسطيع أن تفند الأفكار على أساس علمى.

المرحلة الثانية وتتمثل فى المحور الاقتصادى وهى أن تهتم الدولة بالتنمية وليس النمو الاقتصادى فقط، فمن الضرورى أن يشعر الانسان فبالاستقرار الاقتصادى داخل دولته.

أم عن المرحلة الثالثة فتتمثل فى الجانب السياسى الذى لا يعرف الفراغ ولا السكون، وبالتالي عندما يتم افراغ الحياة السياسية من القوى العلمانية فنحن بالضرورة نفتح المجال لتنظيمات الإسلام السياسي لملئ هذا الفراغ، ولتسيطر مع الوقت على الشارع السياسي، خاصة ان هذه الجماعات تجيد العمل السري في الظلام وتحت الأرض، على عكس القوى العلمانية التي ترى في العمل السري كارثة على الدولة وعلى الأفكار، فالعمل السري غالبا ما يؤدي إلى أفكار متطرفة وقد يتجه نحو العنف.

كيف سيقوم الحزب بدوره في الحياة الثقافية ؟
من خلال الندوات الثقافية والأدبية والعروض الفنية، وكذلك الكتابات والبحوث التي تنقد أفكار الاسلاميين، كما يقدم المفكريين العلمانيين بدائل فكرية وفلسفية لهذه الأفكار الأصولية. وهذا التيار قادر على تقديم المزيد وخوض معركة أقوى إذا تم إطلاق يده ورفع سيف عقوبة إزدراء الأديان، وخدش الحياء العام، وكل القوانيين المقيدة للحريات التي تستغلها القوى الدينية الرسمية وغير الرسمية لمطاردة المفكريين والمبدعين وإسكات أصواتهم بعد أن يأسوا من هزيمة أفكار الحداثة والتنوير.