رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«السلفية والسلفيون الهوية والمغايرة».. كتاب يكشف النقاب عن علاقتهم بالسلطة

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب


منذ سنوات عدة، ظهر على الساحة السياسية، مجموعات أطلقوا على أنفسهم الإسلاميين، مثبتين صفة الإسلام عنهم ونفيها عن دونهم، كان من بينهم فرقة أطلق عليهم "السلفية"، يعرفون أنفسهم أنهم (يسيرون على نهج السلف الصالح)، وأصبحت الظاهرة تنتشر في أرجاء الدول العربية، بدأ البعض في دراستها، كان من بينهم، الكاتب عبد الغني عماد،، وهو لبنانيّ الجنسيّة ولد في طرابلس، الذي أصدر عنه كتاب "السلفية والسلفيون الهوية والمغايرة"، الصادر ببيروت سنة 2016 عن مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي.
ففي الكتاب الذي تتخطى عدد صفحاته 300 صفحة، كشف المؤلف عن العديد من الجوانب المختلفة للسلفية، حيث في الباب الأول منه مخصص للحديث عن السلفية والسلفيين وما فيه على تشعب الدعوة وبروزهم، ويحاول تقديم رؤية عامّة لأهم التيارات السلفيّة التي كان لها أثر في الدول العربيّة الإسلاميّة، وأثّرت بشكل مباشر في تيارات السّلفيّة اللبنانيّة،ويقوم قراءة تحليلية لنشأة وصعود الظاهرة السلفية، وبيان للبعد المعرفي على ضوء البعد التاريخي وما رافقه من تطورات ونتج عنه من تيارات وتفرعات.

ولدراسة الظاهرة السلفية وتشريح العينة اللبنانية اعتمدت الدراسة تقنية تحليل المحتوى سعيا إلى الكشف عن الخلفيّات الفكرية والعقديّة لهذه التيارات، واعتمدت أيضا تقنية "الملاحظة بالمشاركة" من خلال الاتصال المباشر بالجماعات السلفية وقادتها. ولم يكتفي المؤلف بمجرد تحليل العينات المدروسة وإنما يعتمد منهج المقارنة، غير غافل عن الصلة التي تربط بين التيارات السلفية اللبنانية والروافد الخارجية، سواء منها الفكرية أو المالية.



وفي إطار رصده لجميع الجوانب في فكر التيارات السلفية يقر بقيام توافق داخل التيار السلفي حول مبادئ أساسية، ولكن ذلك لا يمنع من قيام اختلاف حول شرعية تكفير الحاكم والخروج عن طاعته ومنابذته بالسيف. "وعلى خلفيّة هذا الاختلاف قام السّجال السلفي، باعتبار الجهاديين أهل فتنة وخوارج، واعتبار الإخوان المسلمين والتيار السّروري الذين قبلوا الاحتكام للقوانين الوضعية والدخول إلى المجالس البرلمانيّة والتزموا بفكرة البيعة والتنظيم، بأنهم مسيسون، وأن إيمانهم مشوب بالهوى، وأنهم غير مهتدين بالتوحيد باعتباره القضية الأولى في التصوّر الإسلامي".

لعل أبرز مقاصد الكتاب التعريف بأهمّ التيارات السلفيّة مثل تيّار السلفيّة العلمية أو الألبانية، الذي يطمح دعاتها إلى تصحيح عقائد الناس وتنقيتها من الشوائب التي علقت بها، ويقيمون أسس تيارهم على التوحيد والاتباع والتزكية، أو السلفية الحركية أو السرورية التي شكلت عمليا حلقة وصل بين تحولات التيّارات الدينية السعودية من حالة السكون والجمود العلمي والفقهي للوهابية إلى اتجاه حركي اتخذ من الجهاد الأفغاني حقلا له مع بروز الحركات الجهادية حينها. أو السلفية الجامية التي قدّم أصحابها آيات الولاء التام للسلطة، وهي دعوة تطهيرية داخل إطار السلفية تسعى إلى تصفية من تعتبرهم أدعياء وتمارس الجرح والتعديل بحقّهم وفق المنهج السلفيّ الذي ترتضيه. أمّا السّلفيّة الجهاديّة، فقد اعتمد المؤلّف في تقديمها منهج المقارنة. فميّزها عن الإخوان وعن السلفية العلمية، وبين ما وجّهه هذا التيار من نقد للجماعات الإسلاميّة المختلفة عنه. 

ويستكمل الكاتب في عرضه للحالة السلفية، المخاطر التي تواجها التجربة، بقوله: بذلك يواجه هذا المشروع عدوّين: الأول يسعى إلى إقامة دولة مدنية ديمقراطية، وهو في نظرهم مشروع علماني كافر، والثاني يسعى إلى إقامة دولة محليّة وطنيّة تسمى إسلامية، وهو في نظرهم مشروع خاضع للطّواغيت في الغرب. وجميع التيّارات الجهاديّة متّفقة على أنّ العلمانيّة والقوميّة والوطنيّة والديمقراطيّة كفر مناقض للإسلام مخرج من الملّة. وتتسع دوائر التكفير في فكر السلفية الجهادية، حيث تبدأ بمسألة التكفير أوّلا وعنها يتفرّع تكفير الحكّام الذين يحكمون بالقوانين الوضعيّة، وتكفير الرّاضين بذلك، وتكفير من لم يكفّر هؤلاء جميعا، كما أن البلدان التي تحكم بالقوانين الوضعيّة. فتصبح حتما دار كفر. 

وفي الفصل الذي عقده المؤلف للسلفية الجهادية اعتراف بصعوبة مقاربة المبحث بسبب ما تحيطه هذه التنظيمات نفسها من السرية وأساليب التخفي، فضلا عن طابعها الشبكي الذي يجعلها في كثير من الأحيان مجموعة من الخلايا المتخفية والمتفرقة. ولقد حاول المؤلف بيان فصول الصدام التي خاضها هذا التيار مع الأجهزة الأمنية السورية متتبعا أهم فصائلها ووجهات الجهاد التي دعت إليها. وقد استنتج من خلال عرضه الدقيق والمفصل لآثار هذه الشبكات وأعمالها مثل عصبة الأنصار ومجموعة الضنية والقرعون ومجدل عنجر وشبكة تفجير المطاعم، وظاهرة الخروج للجهاد في العراق، أن المسألة ليست محصورة في ظواهر وحالات محلية، وأن القضية أبعد من ذلك، خاصة وأن الأمر بدأ يظهر وكأن ثمة خلايا نائمة وأخرى يعاد تشكيلها كلّما تمّ تفكيك إحداها، وهي تنشط وتتحرّك حين تدعو الحاجة.

ويبين المؤلف في خاتمة كتابه أن التيارات السلفية أصبحت نموذجا لحركات سياسية تطلب السلطة، وتسعى إليها وتطرح نفسها بديلا شاملا لكل القوى الأخرى. ولكنّ الحالة اللبنانيّة لا تمثل مجرد امتداد فكري ومالي لتلك الحركات، وإنّما حاول المؤلّف بيان خصوصياتها التاريخيّة المرتبطة بالبيئة اللبنانيّة. فالمجتمع اللبناني لم يكن كالمصري جاهزا أواخر العشرينيات من القرن المنصرم للالتحاق والتجاوب مع الحركات الإسلامية.