رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى اليوم العالمى للشعر..

سمير درويش: الشعر صورة أمينة لحياة وتقلبات وأحوال الشاعر

سمير درويش
سمير درويش

بمناسبة اليوم العالمى للشعر، الذى يحل علينا فى 21 مارس من كل عام، قال الشاعر سمير درويش، مؤسس ورئيس تحرير مجلة "ميريت الثقافية، إن "دور الشعر" لا يتغير بين حدثٍ وآخر، بين أزمةٍ والتي تليها، خصوصًا بعد أن تخلى الشعر عن "أدواره" القديمة: كجهاز إعلام ينقل الأخبار، ويحمِّس المقاتلين المدافعين عن شرف القبيلة، وكمدَّاح لقومه معدِّدًا فضائلهم بالحق والباطل لتزهو قبيلته على القبائل المنافسة، وأخلص لـ"رسالة" واحدة فقط، هي الانكفاء على الذات وتعريتها، وتصوير حالاتها، وهي "رسالة" عظيمة لو علمت، لأن في تعرية "الذات" تعرية للواقع وللسياسة والفن والدين والعلاقة بين الرجل والمرأة، والطفل، بين الأقوياء والضعفاء، كما أنها –التعرية- تعكس واقع المجتمع "هنا والآن"، فيستطيع علماء الاجتماع وعلم النفس والاقتصاد والسياسة وضع أيديهم على "حالة" المجتمع وقت كتابة القصيدة. القصيدة تخلصت من شفهيتها وعنترياتها وكذبها لتكون مرآة عاكسة للمجتمع والناس.

فيما يتعلق بدور القصيدة الآن قال "درويش" لـ«الدستور»: هو نفس دورها منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي، حين استطاعت أن تعطي ظهرها للقضايا الكبرى، ومن أن تكون شعارًا في مظاهرات الطلبة والعمال، لأن المظاهرات والقصيدة معًا كانا يخسران لصالح الأقوياء والمتنفذين والفاسدين.

وأضاف قائلاً: "فيروس كورونا بما صاحبه من رعب –ولا يزال- لم يغير بنية القصيدة الجديدة، لأنها تعاملت معه كمصدر للخوف والقلق، وربما للموت، مثله مثل القمع والتضييق على الحريات والتعرض للسجن بسبب إبداء رأي دون أن يصاحبه أي مظهر من مظاهر العنف.. إلخ هذه الأشياء التي نعتبرها عادية ومن لوازم حياتنا اليومية في الدول الفقيرة، التي نسميها دول العالم الثالث تأدُّبًا "كوفيد" ظهر كحلية على استحياء في قصيدة هنا وأخرى هناك، الاسم فقط، دون أن يؤثر ذلك على بنية القصيدة.. لأن القصيدة أساسًا لا تزال في حال تشكل بعد انعطافتها الكبيرة الأخيرة نحو "قصيدة النثر".

واختتم "درويش" قائلاً: "بالصدق وحده؛ يمكن للشعر – وللفنون والآداب الأخرى- المحافظة على التوازن الإنساني، الصدق ثقيل وغير محتمَل من الجميع: الحكام والمحكومين على السواء، هؤلاء أحبُّوا أفلام الستينيات التي كانت تصور شابًّا يرتدي ملابس فاخرة من أفضل الماركات، ويسهر في البارات، ويركب سيارة حديثة، وينفق على حبيبته ببذخ، مع أنه موظف حكومي يتقاضى 6 جنيهات في الشهر، بينما لم يحبوا "أحلام هند وكاميليا" مثلًا، لأنهم يريدون الهروب من "الحقيقة" الثقيلة.. بالمثل يتعلقون بنماذج شعر شفاهي يرفع شعار "أصدق الشعر أكذبه"، شعر يفخِّم الضئيل ويعظِّم التافه، ولا يحبون الشعر الجديد الذي يعبر بصدق عن خيباتهم وانتكاساتهم وإخفاقاتهم.. لكن الشعر الحقيقي يستمر في "رسالته" ويحقق انتصاراته الفنية وتجاوزه للسائد والمألوف.

وأكد "درويش" أن القصيدة لم تعد أداة في يد الحاكم الذي يريد منها أن تعكس إنجازاته، فلم تعد –كذلك وبنفس القدر ولنفس السبب- أداة في يد المعارضة تصور ظلمها وبؤسها، لم يعد الشاعر معنيًّا بمدح الاتحاد الاشتراكي العربي أو حزب البعث، كما لم يعد مهتمًّا بتأليف شعارات شعرية يرفعها المتظاهرون حول صينية الميدان يستدعي فيها اسبارتاكوس وكليب وزرقاء اليمامة وأقنعة كثيرة ليست بنت مصريتنا.. الشعر لم يعد أداة في يد أحد سوى الشاعر نفسه الذي من الممكن أن يلعب ويهذي ويفرح ويحزن ويحب ويكره ويكتئب.. يمارس حياته بالشعر وفي الشعر، لأن الشعر أصبح صورة أمينة للإنسانية ذاتها، صورة أمينة لحياة وتقلبات وأحوال الشاعر.