رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قصة هروب «العقاد» من النفي إلى مالطة والمشاركة في الحرب العالمية

عباس محمود العقاد
عباس محمود العقاد

شهدت شوارع المحروسة عام 1914 حالة من الإرتباك والفوضى بسبب التجنيد الإجبارى للشباب من اجل التعبئة للمشاركة فى الحرب العالمية الأولى أو"الحرب العظمي"؛ وقتها كان عباس محمود العقاد (28 يونيو 1889- 13 مارس 1964) شاباً ابن 25 عاما بلا مهنه  يتسكع فى شوارع المحروسة بعد ان تم فصله من وزارة الأوقاف، وكذلك من صحيفة "المؤيد" التى كان يكتب فيها؛ فقرر أن يذهب الى أسوان مسقط رأسه فى رحلة شتوية للاستجمام والراحة والكتابة وتتبع تاريخ أسوان منذ الفراعنة الى المماليك حتي العثمانيين حتي تنقشع سحب الحرب العظمي.

استقل عباس محمود العقاد  القطار وذهب إلى أسوان، وبعد أن أيام من وصوله أسوان  تولى نظارة مدرسة "المواساة" الإسلامية خلفاً لناظرها الذى تم نفيه الى جزيرة مالطة للمشاركة فى الحرب العظمي، أما عن الأجواء فى أسوان لم تكن تختلف عما كان فى القاهرة؛ حيث عمت الاعتقالات الجبرية للمشاركة فى الحرب العالمية الأولي، وانتشرت الرشوة فى عموم القطر.

WWImontage.jpg

ما شاهده "العقاد" استفزه؛ فكتب مقالاً بعنوان "نادى العجول" كشف فيه كيف تدار أسوان بالرشوة والجبر من خلال بعض الأعيان مما وصفهم بأعضاء "نادي العجول"، وهو المقال الذى وصل الى مديرية التعليم.

ويقول "العقاد" فى كتابه "حياة قلم" عن هذا المقال: " كانت المناوشات بيني وبني المدير سجالا قبل شيوع تلك الكلمة عن نادي العجول.. كنت أشكوه وأعزز الشكوى بالبينات، ثم تستدعيه وزارة الداخلية، فنقرأ في الصحف أنه قابل عظمة السلطان، ثم يكشف هو بحماقته عن سر هذه المقابلة التي يستدعى لأجلها من أسوان، فتعلم أنه سمع فيها ما ليس يرضاه حياة قلم الرشوة والإتاوات، وكانت هذه المناوشات تجري سجالا بني مرتجلة أو مدبرة حتى شاع في المدينة، ثم الإقليم، ذلك المقال المنشور عن نادي العجول ... فإذا بالمناوشات التي كانت قصة مبعثرة الفصول تتركز، وتنتهي إلى مخرجها الذي تحكم به القافية مرة أخرى، فلا مناص لواحد من اثنين: أن يخرج من المدينة المدير أو كاتب المقال عن نادي العجول.. ويتبني من مجرى الحوادث أن المدير تعذر عليه نفيي؛ لأنه نفى من قبلي ناظرا لمدرسة المواساة، وكنت أنا ناظرها الثاني، فأشفق القوم أن يقال: إنهم يضطهدون المدرسة الإسلامية الوحيدة في البلدة .

وتابع" العقاد"؛ قائلاً :" وكل ما استطاع المدير أن يقنعه به هو أن يشدد عليَّ الرقابة ويقيد إقامتي بالمدينة، فلم أكترث لهذه الرقابة ولا لهذا التقييد؛ لأنني بطبيعتي كثير العكوف في المنزل قانع من الحركة بمشوار الرياضة في الخلاء أو في النيل. 

وفتقت الحيلة للمدير أن يصدمني بمفتش الداخلية الإنجليزي، فألقى إليه أنني أتهمه بالرشوة، وأذيع عنه أنه يقاسم الموظفين «إتاوات» السلطة على وظائف العمد والمشايخ و«تبرعات» الأعيان، وصفقات التموين، ولم يكذب المدير فيما ادعاه؛ لأنني كتبت في الواقع أقول وأعيد أن المفتش الإنجليزي يقبل الرشوة ويفرضها على مرءوسيه واستدعاني المفتش إلى ديوان المديرية، فقال فيما قال في حديث طويل باللغة الإنجليزية: «لا يوجد إنجليزي مرتش Corrupt في الحرب ولا في السلم» ... فبدرت مني كلمة لا أدري ماذا كنت أقول — سواها — لو قصدتها عن روية ... وقلت: إن الإنجليز جديرون بالتهنئة؛ لأنهم قد تغريوا كثريًا بعد حرب الترنسفا"؛ وبهذه الحيلة استطاع "العقاد" أن يهرب من نفيه الى مالطة والمشاركة فى الحرب العالمية الاولى آنذاك.