رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الروس فى مصر (1)

تعود بداية العلاقات المصرية الروسية فبراير إلى 6 يوليه عام 1943، وظلت العلاقات في إطارها العادي حتى قامت ثورة يوليو 1952، وأعلن الأمريكان عداوتهم لمصر وجمال عبدالناصر، وأوعزت للبنك الدولي بعدم تمويل السد العالي.

كان لا بد للاتحاد السوفيتي أن يستغل الحب الجارف الذي تكون للزعيم جمال عبدالناصر لدى الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج، في لحظات ضعفه وانهياره الكبير، نتيجة الضربات التي تلقاها وهو بين أيديهم، بل وساعدوه على الاندفاع الشديد نحو كارثة الحروب التي خاضها بفشل مرتين، وتأجيج حماس عبدالناصر ورغبته في الزعامة، للاندفاع في مغامرة حسبوا حسابها تمامًا. وكانت النتيجة أنه تلقي ضربتين متتاليتين:

الأولى: عام 1956، نتيجة تطبيق قوانين الاشتراكية بتأميم قناة السويس، وقيام بريطانيا وفرنسا وإسرائيل بالعدوان على مصر واحتلال سيناء. وقتها كان عبدالناصر وثورة 1952 على وشك الانهيار، لولا تدخل الاتحاد السوفيتي، والولايات المتحدة الأمريكية كدولة ناشئة، تسعى وقتها للحصول على الزعامة الدولية على العالم. 

الثانية: في حرب 1967. عندما هاجمت إسرائيل الدول العربية، وقتها أوهم السوفيت عبدالناصر بأنه أصبح قوة دولية. وقتها كانت لعبدالناصر قوات تحارب ضد المملكة العربية السعودية في اليمن عام 1962 وإرسال قوات إلى بعض دول إفريقيا، كما ساعد عبدالناصر السوفيت في الوصول إلى مدخل البحر الأحمر والاقتراب من منطقة الخليج، وأوهموه بأن قادر على قتال إسرائيل، وحماية سوريا، وأكدوا له أن هناك حشودًا إسرائيلية على الحدود السورية. رغم أن قائد الأركان المصري في ذلك نفى وجود أي حشود، ولكن عبدالناصر، كان يثق في السوفيت ولا يثق في رجاله. 

لأجل هذا كانت الفرصة مواتية للهيمنة السوفيتية على المنطقة العربية بمد يد العون إلى مصر وسوريا، والظهور بمظهر المنقذ.

كشف يفيجيني بريماكوف. في كتابه " كواليس الشرق الأوسط " عن أنه في الفترةِ بينَ 23 إلى 25 يونيو 1967 التقى رئيس الوزراءِ السوفيتيِ كوسيجينْ معَ الرئيسِ الأمريكيِ ليندون جونسون في مدينة جلاسبورو الصغيرةَ بولايةِ نيوجيرسي، كانَ الجزءُ الأكبرُ منْ اللقاءِ الذي جرى منفردًا بينَ كوسيجين وجونسون يدورُ حولَ الوضعِ في فيتنام، وتقدمَ جونسون باقتراحٍ حولَ إمكانيةِ وقفِ القصفِ الأمريكيِ بمجردِ أنْ تبدأَ المباحثاتُ مباشرة، وبالطبعِ تطرقَ الحديثُ إلى الوضعِ في الشرقِ الأوسطِ، وكانتْ الأعمالُ العسكريةُ قدْ توقفتْ باحتلالِ مساحاتٍ كبيرةٍ من الأراضي العربيةِ، ووافقَ جونسونْ على ضرورةِ انسحابِ القواتِ الإسرائيليةِ منْ الأراضي المحتلةِ معَ الاعترافِ بحقِ إسرائيلَ في الوجودِ، لكنَ كوسيجين رفض بحث هذا الأمر مع الرئيس الأمريكي. وتعلل بأنه لم يكن لديهِ تفويض للحديث باسم مصر. 

ويري بريماكوف أنها كانت فرصة لتحقيق انسحاب إسرائيلي بضغط من أمريكا على إسرائيل، وضاعت على مصر والدول العربية.
كان من الواضح أن ما ينقص السوفيت هو الحصول على تفويض من الرئيس جمال عبدالناصر، ليتفاوضوا باسمه مع الأمريكان. طالما أنه لا يريد أن يفاوض أو يجلس مع أمريكا أو إسرائيل، وهو ما سعت إليه القيادة السوفيتية للحصول على التفويض من جمال عبدالناصر شخصيًا. 

وكان فلاديمير فينوجرادوف، السفير السوفيتي في ذلك الوقت، قد ذكر في كتابه أن هناك عددًا من الأسئلة منها: إلى أي حد يمكن للمصريين أن يذهبوا في سبيل تسوية الوضع، الذي ينبغي أن يقوم على انسحاب القوات الإسرائيلية من جميع الأراضي العربية التي احتلتها عام 1967؟ وهل سيتفق الجانبان على "وقف حالة الحرب"؟ أم أنهما سيكونان على استعداد للمضي قدمًا من أجل إقرار حالة السلام ومتى يمكن لهذه الحالة أن تسود؟  

كان السوفيت يحاولون التوصل أولًا إلى اتفاق مع الأمريكيين، ثم الحصول على موافقة جمال عبدالناصر، وتحدثوا معه عدة مرات بشأن هذه الموضوعات، ولكنها لم تسر على ما يرام، وقد رشحت القيادة السوفيتية فلاديمير فينوجرادوف، للذهاب إلى ناصر، للحصول على تفويض بمحاولة الاتفاق مع ناصر على عدد من القضايا المهمة والدقيقة. 

وفي مارس عام 1970، كانت الزيارة الأولى لفينوجرادوف للقاهرة، وكان في ذلك الوقت قد توفى والد الرئيس عبدالناصر، وتأجل اللقاء لمدة يومين، استغلهما السفير في محاولة الاتفاق على جميع القضايا مقدمًا مع وزير الخارجية محمود رياض وقد تباحثا طويلًا، وكانت لدى الوزير قدر لا يستهان به من الشك وعدم الثقة في أي حل سوي الحلول العسكرية، كوسيلة للتوصل إلى التسوية، وفي نهاية المباحثات كان الشيء الوحيد الذي وعد به وزير الخارجية هو إبلاغ فحوى الحوار إلى جمال عبدالناصر ولا شيء غير ذلك. 

وقد استقبل عبدالناصر فينوجرادوف في بيته وأخبره عبدالناصر: أنه ليس لديه مانع من إنهاء حالة الحرب، وأن مصر، إذا ما انسحبت القوات الإسرائيلية من الأراضي المحتلة ستكون في حالة سلام مع إسرائيل، وكان عبدالناصر يعلم أن قراره هذا لن يجد على أقل تقدير، قبولًا جماهيريًا لدى البلاد العربية، فضلًا عن مصر نفسها، ربما يظهر هناك رافضون، ولكن الرجل كان على يقين من صحة رأيه، فضلًا عن صلابة موقفه.