رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الحرب الأوكرانية.. ودفع الثمن

منذ البداية يثبت التاريخ وتؤكد الأحداث أن مبدأ القوة هو المبدأ السائد الذى يحدد ويحسم العلاقة بين الأفراد وبين الدول، فكم رأينا من ممالك وإمبراطوريات أُبيدت وحلت مكانها إمبراطوريات وممالك أخرى، والغريب أنه بالرغم من استحداث العلوم السياسية وتشريع القوانين الدولية والمحلية ووجود ما يسمى بالأمم المتحدة، وبسيادة الدول وحماية حدودها، ومع ذلك ما زال قانون الغاب، أقصد قانون القوى الذى يقهر الضعيف والدول الكبرى والقوية التى تستغل وتستعمر الدول الصغيرة والفقيرة تحت العديد من المسميات الكاذبة والوعود المراوغة.
ولذا ما نراه الآن فى الحرب الأوكرانية الروسية حلقة من مسلسل ذلك الصراع بين الأقوياء للسيطرة على الضعفاء والمبررات كثيرة ولا تنتهى.. كان العالم بعد الحرب العالمية الثانية، وفى إطار ما سمى بالحرب الباردة، منقسمًا بين أمريكا والاتحاد السوفيتي، ذلك الاتحاد الذى كان يتكون من خمس عشرة جمهورية فى الشمال الغربى من آسيا والشمال الشرقى من أوروبا.
وبعد هزيمة السوفييت فى أفغانستان عام 1989 تفكك هذا الاتحاد وأصبحت أمريكا هى القوة الوحيدة التى تتحكم فى العالم، ولكن لطبيعة الأشياء، وحيث إن دوام الحال من المحال، جاء إلى روسيا الاتحادية الرئيس بوتين ابن المخابرات السوفيتية ولاعب الشطرنج الذى يمتلك أعصابًا باردة، والذى يؤمن بأن روسيا هى تلك الدولة التى تملك من الحضارة والتاريخ والإمكانات المتعددة فى كل المجالات ولا بد لها من أن تستعيد مجدها بصورة أو بأخرى، ولما كانت أمريكا ومعها حلف شمال الأطلنطى قد اتفقا على ألا يمتد هذا الحلف شرقًا ولا يهدد الحدود الروسية فى الوقت الذى وافق فيه الروس على انضمام بعض دول الاتحاد السوفيتى إلى حلف الناتو.
ولكن ولأن الأمور لا تظل كما هى، وجدنا أن الهزيمة التى أصابت الاتحاد السوفيتى فى أفغانستان هى ذات الهزيمة التى أصابت أمريكا أيضًا فى أفغانستان وانسحبت منها فى مشهد مخزٍ سيظل يذكره التاريخ، إضافة إلى عدم الاستقرار الداخلى فى أمريكا بعد حادثة احتلال الكونجرس من أتباع ترامب فى 6 يناير 2021، ناهيك عن الصراع الأمريكى الصينى الذى تؤكد فيه الصين قدومها السريع لكى تأخذ المكانة الثانية فى العالم والتى تضع حدودًا للسيطرة الأمريكية على العالم، لهذا وغيره وجدنا أمريكا وحلف الناتو يظهران ورقة انضمام أوكرانيا إلى الناتو، الشىء الذى يجعل السلاح الأمريكى والأوروبي على الحدود الروسية مما يشكل تهديدًا مباشرًا لها.
إضافة إلى الإعلان عن تطوير السلاح النووى الأوكراني الموروث من الاتحاد السوفيتى فى الوقت الذى كانت فيه روسيا قد ضمت شبه جزيرة القرم فى شرق أوكرانيا وميناء سيفاستوبول على البحر الأسود عام 2014، وذلك بعد هجوم مباغت راح ضحيته 14 ألف قتيل، ولم يتوقف القتال إلا بعد مؤتمر مينسك فى فبراير 2015، الذى شاركت فيه روسيا مع فرنسا وألمانيا إضافة لحكومة أوكرانيا وقادة الانفصاليين.

هنا تصارعت الأحداث وكانت قراءة بوتين هى الهجوم العسكرى على أوكرانيا بالرغم من أن أمريكا والناتو كانا قد وعدا أوكرانيا بالتدخل والمساعدة، تلك المساعدة التى تمخضت عن عقوبات اقتصادية على روسيا كتلك التى فرضت عند ضم القرم إليها، فى الوقت الذى تعلم فيه روسيا تمام العلم أنها قادرة ومستعدة لمثل هذه العقوبات، حتى إنهم فشلوا فى تمرير قرار من مجلس الأمن ضد الهجوم الروسى، مما جعل الرئيس الأوكراني يقول: "تركونا وحدنا".

على العموم فإن هذه الحرب ستجعل العالم بعدها غير العالم قبلها، وهذا يعنى أن الخريطة العالمية سيعاد رسمها بصورة أو بأخرى، كما أن العالم سيدفع الثمن جراء نتائج هذه الحرب، وقد ظهرت هذه النتائج فى زيادة سعر برميل البترول إلى مائة دولار، الشىء الذى سيرفع تباعًا كل الأسعار وعلى كل المستويات، ناهيك عن أزمة القمح وغيره من المحاصيل الزراعية التى يعتمد عليها الكثير من دول العالم حيث إن روسيا وأوكرانيا هما من أكبر الدول المصدرة للقمح.

هنا، ما هو الثمن الذى سندفعه نحن؟ لا شك أننا سندفع الثمن مع العالم كله، فنحن أكبر مستورد للقمح خاصة من روسيا وأوكرانيا «١٣ مليون طن»، كما أن ارتفاع سعر البترول سيضيف أعباء على الموازنة العامة، ولكن هنا لا بد أن تكون للحكومة وقفة فى الإطار السياسى قبل الإطار الاقتصادى، وهذا بمعنى أن النتائج إذا كان لها جانب سلبى فلها جانب إيجابى أيضًا.
فنحن قد أصبحنا مصدرين للغاز الذى تحتاجه أوروبا فى المقام الأول، حيث تعتمد أوروبا على الغاز الروسى، خاصة ألمانيا وإيطاليا، مما يمثل إيرادات لنا، إضافة إلى أن ذلك سيزيد من إيرادات قناة السويس، فى الوقت الذى يعانى فيه المواطن المصرى أكبر المعاناة خاصة فى ظل ارتفاع الأسعار، منها المبرر والأكثر جدًا غير المبرر.

فهل هناك خطة للحكومة لمواجهة الموقف مثل تلك المواجهة التى تمت مع كورونا؟ هل هناك رؤية سياسية لمواجهة الموجة القاسية القادمة لارتفاع الأسعار حتى لا نضع المزيد من الأعباء على كاهل المواطن غير القادر على العيش شبه الكريم؟ هنا يجب أن نرى دور البرلمان مع الحكومة حتى نخرج من هذه الأزمة بأقل الخسائر.. حمى الله مصر وشعبها العظيم.