رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التنمر ضد الاختلاف والثالوث المُجرم لخلق سعودية وهابية سلفية بديلة

الهدف التقليدى لجنود الدولة الدينية هو إحكام السيطرة الكاملة على الثالوث التقليدى الرئيسى، وهو "النساء"، و"الفن"، و"الاجتهاد الدينى"، الآن بعد أن تخلت السعودية عن الإرث الوهابى السلفى المتزمت المتطرف، وبدأت خطوات مبهرة فى النهضة الثقافية والفنية والفقهية، وفى تدعيم النساء، واستضافة مهرجانات السينما العالمية وحفلات الترفيه والغِناء والرقص من مختلف بلاد العالم، أصبح الهدف المستحدث المتحور مثل تحور «كوفيد- 19» إلى ذرية أخرى، هو خلق سعودية وهابية سلفية بديلة فى مصر وفى المنطقة.
والحائط المائل هو الهجوم على "الثالوث"، وأقصد النساء والفن والاجتهاد الدينى، باسم حماية الفضيلة وقيم الأسرة المسلمة، وتقاليد وعادات مجتمعنا الشرقى المتدين بفطرته والحفاظ على الإسلام من الكفار والمنحلين الفاسقين الفاجرين المشبوهين فى نواياهم وتوجهاتهم وأجندتهم الحاقدة على أخلاقنا الكريمة، يقبضون الأموال الطائلة لكى ينسى الشعب المصرى ربه ورسوله، المحرضين على فساد المجتمع الصالح الطاهر الذى يتقى الله فى كل لحظة، فى عمله وأسرته والمقاصد العليا للتعايش النبيل، يرفعون البلاغات للنائب العام ضد هؤلاء الحاقدين المتآمرين على "خير أمة أُخرجت للناس"، أعزّها الله بالإسلام آخر الأديان وبرسول الإسلام خاتم الأنبياء.
يتنمرون بأطيافهم المتنوعة، وأتباعهم المخدوعين الحالمين بالخلافة الإسلامية التى تتخلص من ديار الكفار وتطبق شرع الله وحدود الله فى ديار الإسلام، حيث تغطى النساء ويقبعن فى بيوت أزواجهن حاضرات للنكاح والخدمة، وحيث تُقطع يد السارق ويُقتل المرتد وتارك العقائد وترجم وتجلد الزانية والزانى، وتفرض الجزية على غير المسلمين، وترجع الجوارى والإماء، وتزويج القاصرات وأسلمة البلاد بالغزوات.

النهضة فى السعودية هددت أفكارهم وأهدافهم بل ووجودهم ولقمة عيشهم وباب رزقهم، أغاظتهم وأخافتهم، يعلمون جيدًا العلاقات القوية المتشابكة بين مصر والمملكة السعودية وأن أى نهضة فى البلدين ستعود بالفائدة عليهما وعلى المنطقة.

ازداد الهجوم الشرس المتنمر على "الثالوث" بعد خطاب الرئيس السيسى أواخر 2021، عن حرية المعتقد وحرية اللامعتقد، ثم أعقبه بإعلان أن عام 2022 عام المجتمع المدنى، ضربتان قويتان، بل صفعتان، مفاجئتان تؤكدان أن مصر ستبقى دولة القانون دون تمييز، دولة المواطنة دون تفرقة، دولة الدستور دون تهاون.
والتاريخ يوضح أن هؤلاء المتحالفين فى صخب، كل بضاعتهم هى تشنجات التكفير واللغة البذيئة الإرهابية والشماتة فى مرض وموت الذين يفضحونهم.. والمتربصون لرفع بلاغات دينية لقتل كل مَنْ له رأى يفحمهم بالحجج المنطقية، يفرقون بين الزوج وزوجته لا يستحون من استخدام أبشع الشتائم التى لا يجرؤ عليها ناس لم يسمعوا عن بديهيات الأدب، لا يهمهم حماية الفضيلة والدين والأسرة، ولا يعنيهم أصلاً أى خير للشعب المصرى رجاله ونسائه، ولا عندهم أساسًا فكرة "الوطن المصرى"، وطنهم هو الإسلام، بالمناسبة وهو شىء ليس مصادفة وجدير بالذكر لتأكيد وجود خطط لا تمل ولا تكل.

إن بعض "المحامين" الذين أسرعوا لتقديم بلاغات للنائب العام لحماية الدين والفضيلة والعادات والتقاليد ضد إبراهيم عيسى، وضد المستشار أحمد عبده ماهر، وضد غيره من التنويريين الأحرار والفنانين والفنانات موخرًا، هم أنفسهم الذين منذ سنوات قاموا بتقديم بلاغات ضد أمى "نوال السعداوى" للنائب العام، اتهموها بالتكفير والارتداد عن الإسلام وكتابة مقالات ومسرحيات والجهر بآراء فى الإعلام من شأنها إفساد الشعب المصرى، وتخريب معتقداته وثوابته ومقدساته، وإحداث فتنة وانحلال وفسق وفجور للنساء والشباب، وأنها، كما وصفها الشيخ الشعراوى عندما ردت على أحد آرائه: "إنها تعمل لحساب الشيطان لكنه هو يعمل لحساب الله"، وطالبوا بمحاكمتها وسحب الجنسية المصرية عنها وقاموا بقضية حسبة للتفريق بينها وبين زوجها الطبيب والكاتب والمناضل السياسى د. شريف حتاتة، وحتى مؤسسة الأزهر حينئذٍ دعمت كل هذه الاتهامات وتحالفت معها بسبب مسرحية أمى "سقوط الإمام" التى صودرت وأحرقها مدبولى (الأب) بعد طبعها فى مصر، وطبعًا انتهزت التيارات الإسلامية المنظمة المسلحة الموقف، وأدلت بدلوها بضرورة هدر دم أمى، ووضعوا اسمها على قائمة الاغتيالات، تضامنًا مع الجبهة المرتزقة المسترزقة، واعتاد هؤلاء التربص بأمى طوال الوقت فى قضايا متجددة، وفى كل مرة تكسب أمى وتحفظ القضية بسبب المحامين المتنورين الذين تطوعوا للدفاع عنها، وبفضل بقايا "رمق الخير" فى مصر، لكنهم لا يتعظون.

كل كلامى هذا موثق ومثبت فى الأوراق والمستندات القانونية، وهؤلاء سوف نجدهم بالاسم فى كل قضايا التكفير والتحريض على الفسق والفجور والانحلال وإفساد الشباب والإسلام والرجال والنساء والأسرة وتدمير رسالة الفن، سواء القضايا الماضية أو الحاضرة أو المستقبلية.
هؤلاء المتحالفون المتربصون المتلصصون المتجسسون لو كان يهمهم خير المجتمع المصرى وتعنيهم الفضيلة والدين والأسرة، لما رفضوا مطالبة الرئيس السيسى بإلغاء الطلاق الشفهى، حيث يرمى الزوج فى لحظة غير مسئولة "يمين الطلاق" على زوجته أم عياله كأنه يرمى حذاء قديمًا أو قميصًا مستهلكًا أو كيس قمامة، لو الشرف يهمهم لأوقفوا العار المسمى خطأ "جرائم الشرف"، التى تذبح الفتيات والنساء بكل أريحية وفخر.
وصدق الفيلسوف نيتشة 15 أكتوبر 1844- 25 أغسطس 1900، حين قال: "إن الأخلاقيات هى الوسيلة الفعالة لقيادة البشرية من أنفها".

أنا شخصيًا أؤمن بأن مرتكب الرذيلة هو أقل خطرًا وفسادًا ممنْ يدعى الفضيلة، فمنْ يرتكب ما تعارف على أنه "خطأ" أو "جرم" أو "رذيلة"، سواء تم عقابه أو لا، فهناك احتمال ليس بعيدًا أو مستحيلًا أو يستهان به، ألا يعيده مرة أخرى، وهو فى الحالتين لا يلعب دور "الوصى" أخلاقيًا، وهذا ما يجعله ليس خطيرًا مثل مدعى الفضيلة والاستقامة الأخلاقية.
مَنْ يرتكب الرذيلة بالدرجة الأكبر يؤذى نفسه أو شخصًا أو شخصين، وربما يسجن أو يعدم، أما أدعياء الفضيلة والأوصياء على استقامة الأخلاق يؤذون المجتمع بأكمله لأنهم يكذبون ويزيفون ويلوون عنق الحقيقة ولهم أكثر من وجه، وبالطبع لهم خطة وهدف وغاية منظمة ممنهجة تستفيد من أى ثغرة بقصد أو من غير قصد، وهم لا يعاقبون ولا يحاكمون بالوصاية وانتهاك الحريات الشخصية والتحرش بحرية التعبير المسالم.

النساء والفن والاجتهاد الدينى، هو الثالوث المُحرم والمُكفر والمُجرم، وعلينا أن نفهم البلاغات التى قُدمت ضد الكاتب والإعلامى "إبراهيم عيسى"، منذ أيام قليلة، فى هذا السياق، وكجزء مكمل ضرورى للهدف المستحدث المتحور، وهو خلق سعودية وهابية سلفية بديلة فى مصر وفى المنطقة.
وأعتقد أن التنمر زاد ضد "إبراهيم عيسى" ليس بسبب المعراج، لأنها قضية تمت إثارتها قبل ذلك منذ سنوات وتبادل عنها فقهاء كبار الجدل والآراء، ولكن بسبب تصريحه: "إن المسلم فى 2022 لا يحتاج إلى رجل دين ليعرف دينه وإسلامه ويسير حياته".
سيظل هذا "الثالوث" مطاردًا ومحاصرًا، لكن حصار ومطاردة النساء سيظل أكثر شراسة، فالمرأة إذا تحررت سيتحرر المجتمع كله، بفنه وأفكاره واجتهاداته، ولذلك فإن الحرب عليها "جهاد فى سبيل الله" لا يفتر.
لو أثيرت مثلًا، قضية "ضرب الحيوان"، لما ثار مؤخرًا كل هذا الصخب المخجل، هذا الصخب أن أنثى الحيوان أكثر حرية من أنثى الإنسان حيث تتجول فى الغابة كما تشاء وقتما تريد ولا تأخذ إذنًا من "الذكر"، لكن أنثى الإنسان، "المرأة"، إذا لم تحصل على التصريح المختوم بمباركة الزوج الأعلى تعتبر "ناشزًا" وعلى الزوج ضربها لتأديبها وكسر كبريائها كجزء رئيسى من "القوامة" عليها ومتمم لدونيتها وتحقيرها.
ليس من المفروض أن يكون للمرأة أو للبنت، خاصة الزوجة، أى كبرياء أو أى شخصية لها كرامة وعِزة نفس تزهو بها وكيان مستقل خاص بها تحميه من الإهانة اللفظية والجسدية.

الإسلام لا يقبل بضرب إنسان، وهذا صحيح، لكننا ننسى أو نتجاهل أن المرأة فى الموروث الدينى ليست "إنسانة كاملة حرة"، هى "تابعة"، "مطيعة"،  للزوج الذكر الخائف من زوجة بكرامة كاملة، المعقد من المناقشة المنطقية، ويحمل رجولته وفحولته على رأسه بطحة لا تحتمل اللمس.
الجوارى والعبيد يُضربون من "المالك" الذى اشتراهم بالمال، هم ليسوا بشرًا، فالبشر غير قابلين للبيع والشراء، والزوجة "الست بتاعتى" تُضرب من "الزوج" الذى امتلكها أيضًا بالمال، واشتراها فى سوق الزواج، "مراتى وأنا حر فيها"، متسلحًا ومتنمرًا بشروط الذكور وسلطاتهم المطلقة فى الزواج والطلاق والخيانة، والمعروف الذى يفعله، "ليست المرأة المعووجة فى بيت العدل"، والتى جاءت من ضلع أعوج لسيدها الذكر الكامل، العدل، السوى.

يدهشنى مَنْ لا يعترض، سواء من النساء أو من الرجال، على "الطاعة" المقدسة الواجبة على الزوجة التى هى "أصل الداء" ويعترض فقط على "فرعيات" التى هى نتائج منطقية لسلوكيات مباحة مثل الضرب.
إذا رفضت المرأة البند الأول من قانون الأحوال الشخصية "الطاعة مقابل الإنفاق" فلن تُضرب، وهناك نساء ينفقن وهن المعيلات للبيت، لكنهن يطعن صاغرات، فالطاعة حق مطلق للأزواج مهما ارتفع شأن المرأة وانخفض وضع الرجل.

الحل النهائى الذى لا ينتكس هو بيد النساء، يجب أن يرفضن معاملتهن كأشياء مملوكة وكائنات ناقصة الإنسانية والأهلية والكرامة والعقل وحسن التمييز.. وبالنسبة لحرية الفن وحرية الاجتهاد الدينى، فالحل النهائى المحصن ضد الردة هو الكتابة المتنورة الفاضحة، وتفعيل القوانين التى تحمى الحريات الشخصية وحريات الرأى والتعبير بكافة أشكاله، وغربلة الإعلام من أهل النفاق الدينى والمغازلة الرخيصة للفكر الوهابى السلفى وجنود الدولة الدينية المرتزقة، والإعلام العادل وثقافة المواطنة أمور كلها ضرورية لإحداث ثورة ثقافية متزامنة لا تتجزأ ولا تتم بالتقسيط.

فى أحد برامجه معلقًا على قرار الرئيس السيسى مؤخرًا بتعيين المستشار بولس فهمى إسكندر، ومشيدًا بأنه تأييد وتفعيل للمواطنة المحايدة للأديان أن يعين الرئيس قبطيًا لرئاسة المحكمة الدستورية العليا، أرفع محاكم الدولة المصرية الوطنية المدنية- قال إبراهيم عيسى بالحرف الواحد: "يبدو أن الرئيس السيسى هو الشخص الوحيد فى مصر المعنى فعلًا بالدولة المدنية بعد هذا القرار التاريخى، وبعد تصريحاته بحرية الاعتقاد وحرية اللاعتقاد".
وردد هذا القول عندما رفض الرئيس السيسى، مؤخرًا، أيضًا عدم التصديق على قرار سجن المستشار أحمد عبده ماهر، الصادر من محكمة أمن طوارئ.

أتمنى من كل عقلى وقلبى ألا يكون هذا تصورًا صحيحًا، أنا شخصيًا، بقوانين المواطنة وحريات التعبير والرأى والفن والإبداع وعدم انتهاك وتشويه الحريات الشخصية وفبركة معلومات وحقائق كاذبة واستعداء الناس ضد أطراف مسالمة لا تملك إلا الرأى وأعمالها الفنية، والموجودة فى الدستور المصرى- يحق لى أن أرفع قضية على مثل هؤلاء الأدعياء الأوصياء وفضح تاريخهم، وأجندتهم المناهضة للدولة المدنية والحريات وحقوق الإنسان والمرأة والمواطنة، وأنهم يثيرون الإرهاب الفكرى الدينى والتحريض على الإقصاء المعنوى أو التصفية الجسدية، وأن أستعين بمحامين مرموقين، فاهمين أبعاد المؤامرة المتكاملة، وعارفين شغلهم كويس، وكيف يأتون بالبراهين الدامغة لتنقلب الآية عليهم.

إشمعنى هم يعنى اللى واخدين راحتهم أوى ومعطلين تقدم مصرنا المدنية، مصر المواطنة، مصر الدستور؟ كانت أمى "نوال السعداوى" تقول لى: "يا منى.. خرجيهم من عقلك.. حركة الحياة هتقضى عليهم.. اكتبى فقط رأيك.. أدينا كسبنا كل القضايا.. ألم تسمعى وأنت المحبة للفلسفة والحكمة والتأمل عن المثل الصينى القائل: «اجلس على حافة النهر مبتسمًا هانئًا وسوف تأتى لك كل جثث أعدائك طافية إليك؟»".
سمعت كلام أمى "نوال"، كما أننى لست من هواة التعامل مع المحاكم، أفضل رفع القضايا بقلمى، لكن مَنْ يعلم ربما أفعل فى الأيام بصورة فردية أو جماعية.
......
من بستان قصائدى 
قصيدة: لماذا يعيشون فى سلام وأمان؟
 الحمير.. الثعابين.. الخنازير
 الذئاب.. الدببة.. الكلاب
 الثيران.. الثعالب.. الفئران
 الأبراص.. العناكب.. الصراصير
 يعيشون فى سلام وأمان
 هل سمعنا عن واحد حمار
 يهدر دم حمار لأن زوجته المصون
 لا تلبس الخمار؟
 هل قرأنا عن ثعبان يذبح عنق أفعى
 تمايلت رقصًا فى وضح النهار؟
 ولم تصلنا أنباء تفيد بأن كلبًا من الكلاب
 نهش لحم كلبة لأنها سيئة السُمعة
 تفرط فى شرف الكلاب
 وهل نطح ثور ثورًا آخر
 باسم الارتداد عن شرع الثيران؟
 ولم يحدث أن الخنزير المتهم بالقذارة والنجاسة
 هرول إلى المحاكم اتهم واحدًا من الخنازير
 بالتحريض على الفسق والفجور والإلحاد والتكفير
 ولم يخطر على بال الصراصير أن تروج الاشاعات
 عن صرصار اجتهد ورفض الإقامة فى البلاعات