رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الرسالة والمُسيرة

كل مرة يتم فيها فحص حادثة أمنية على الحدود الشمالية لإسرائيل يظهر بوضوح أن فى النزاع بين إسرائيل وحزب الله لن يكتفى الطرفان بالمراقبة من المدرجات، وأن الكلمات لن تجدى نفعًا، فقط الأفعال هى التى ستفعل، وأى مغامرة على الحدود سوف تنتهى برسالة «إلى اللقاء فى جولة أخرى».

قبل أيام أرسل حزب الله مسيرة «حسّان» التى قطعت مسافة عشرات الكيلومترات، واستمرت بالتحليق لمدة ٤٠ دقيقة فى الأجواء الإسرائيلية وتعود دون أن تتمكّن القبة الحديدية من إسقاطها.

الحادثة أعادتنا إلى أيام الحوادث الأمنية، وخطابات حسن نصرالله شديدة اللهجة، ومصطلحات نسمعها من المسئولين هناك، مثل الرد والثمن وتوازن ميزان الردع، والحقيقة أننا لا نشتاق لتلك الأيام؛ لأنها تتكرر كل عدة أشهر.

الجولة الأخيرة، بدأت قبل أسابيع، «ومسيرة» حزب الله كانت هى الرد على عملية استخباراتية قامت بها وحدات النخبة داخل الأراضى اللبنانية استهدفتْ مواقع حساسة لحزب الله.

استطاعت الفرقة الإسرائيلية تدمير منشآت سرية فى الداخل ومصادرة معلومات مهمة تتعلق ببرنامج التسليح ومراكز متعددة، كما استهدفت محطات التواصل والمراسَلة بين الوحدات القتالية، وبعد الانتهاء من العملية تركت القوات الإسرائيلية «رسالة» إلى حزب الله تدعوه فيها إلى تفكيك المنشآت.

فهم حزب الله أن القوة الإسرائيلية نجحت فى كشف العديد من القدرات ووسائل الاتصال والتصنيع ومعلومات استخبارية أخرى تُعتبر ذات أهمية بالغة، فكان يجب الرد.

وإذا كان الرد ضعيفًا، فهذا يعنى أن شيئًا قويًا لم يحدث، وسيعطى فرصة لتكراره بسهولة، وسيكون خرقًا لما يسمى «ميزان الردع». أى كلما أنت فعلت أنا سأفعل بنفس القدر.

أرسل حزب الله الطائرة المسيرة الصغيرة، التى سببت ارتباكًا للقيادات الأمنية داخل تل أبيب وأثارت تساؤلات من جديد عن القبة الحديدية «التى يزداد بيعها لعدة دول فى العالم».

التحقيق الأولى كشف عن أن القبة الحديدية والمصممة لمواجهة الطائرات والصواريخ الكبيرة نسبيًا، سيكون من الصعب عليها تعقب المسيرة وإسقاطها؛ لأنها كانت صغيرة جدًا، كما أنه من المستحيل أن تغطى القبة الحديدية ١٠٠٪ من سماء إسرائيل.

حتى لو ذُكرت الأسباب وفحصت النتائج، وتبين أن الحادثة لم تكن نتائجها شديدة الخطورة «مثل هجمات الحوثى ضد دول الخليج مثلًا»، لكن الضجة حدثت، واستهدفت ما تريد استهدافه وهو «الوعى».

الهدف من المسيرة لم يكن جمع المواد الاستخباراتية، ولكن إثارة ضجة بأن مسيرة، مثل الدمية الصغيرة، اخترقت الأجواء الإسرائيلية، وتسببت فى تفعيل كل منظومة الصافرات فى إسرائيل تقريبًا، ومست بالحياة الطبيعية فى منتصف يوم سياحى فى عطلة نهاية الأسبوع، وسببت صداعًا للمسئولين.

هناك من فسر إطلاق المسيرة بأنها رد على الهجمات الأخيرة لإسرائيل داخل سوريا، وكذلك على العمليات الاستخباراتية الإسرائيلية المعنية بتجنيد عملاء يعملون لصالح الاستخبارات الإسرائيلية، مؤخرًا تم إلقاء القبض على عميل لبنانى كان قد التقى بضباط إسرائيليين فى أماكن متفرّقة من العالم، وأرشدهم إلى مواقع مهمة سرية للحزب وللقوات التابعة للحرس الثورى الإيرانى فى سوريا، لكن تظل الرسالة على قائمة الأسباب التى دفعت حزب الله إلى إرسال مسيرته الصغيرة المثيرة للجدل.

الجولة انتهت، والإثارة حدثت، ولا توجد وعود بأنها لن تتكرر، لأنها ستتكرر، ستستمر إسرائيل فى القيام بعمليات، وسيستمر حزب الله بالرد، وربما العكس، دائمًا ستكون هناك عمليات وسيكون هناك رد.

الرد فى كل الأحوال من أى جانب سيكون قويًا، الرد الضعيف سيبعث برسالة مفادها أن ما جرى بشع، لكنه ليس فظيعًا، فلا بد من رد قوى لتحقيق ما يسمونه «توازن ميزان الردع».