رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حيرة دولة الألف جزيرة

دولة صغيرة، تقع فى جنوب المحيط الهادى، شرق أستراليا، يسكنها حوالى ٨٠٠ ألف شخص، موزعون على ألف جزيرة تقريبًا، إجمالى مساحتها يقل عن ٢٩ ألف كيلومتر مربع، وترأسها ملكة بريطانيا، التى يمثلها، الآن، الحاكم العام ديفيد فوناجى، أما السلطة التنفيذية، أو الفعلية، فيتولاها مناسيه سوجافارى، رئيس الوزراء.

تلك هى جزر سليمان، Solomon Islands، ذات الموقع الاستراتيجى المهم، التى قررت الولايات المتحدة، أمس السبت، إعادة فتح سفارتها فى عاصمتها هونيارا، بعد أن كانت قد أغلقتها سنة ١٩٩٣، واكتفت بقنصلية تعتمد على السفارة الأمريكية فى «بورت مورسبى» عاصمة بابوا غينيا الجديدة.

القرار أعلنه أنتونى بلينكن، وزير الخارجية الأمريكى، خلال زيارته إلى جزر فيجى، التى اجتمع فيها، عبر الفيديو، مع قادة ١٨ دولة جزرية فى المحيط الهادى، استمرارًا للجهود التى تبذلها الولايات المتحدة، لتعزيز نفوذها فى تلك الدول، لمواجهة النفوذ المتزايد للصين، التى تقاربت معها جزر سليمان، فى سبتمبر ٢٠١٩، وقامت بقطع علاقاتها مع تايوان، التى تعتبرها بكين جزءًا من أراضيها، وترفض أى اعتراف دبلوماسى بها. فى حين لا تزال مقاطعة مالايتا، ثالث أكبر جزر الأرخبيل من حيث المساحة، وأكثرها اكتظاظًا بالسكان، تعارض هذا القرار وتحافظ على علاقاتها مع تايوان، وتتلقى دعمًا كبيرًا من تايبيه وواشنطن.

المهم، هو أن جزر سليمان صارت، رسميًا، الدولة رقم ١٧٩ التى تقيم علاقات دبلوماسية مع الصين. وفى أكتوبر ٢٠١٩، زار «سوجافارى» بكين، وعقد جلسة مباحثات مع لى كه تشيانج، رئيس مجلس الدولة الصينى، تبعها التوقيع على مجموعة من الاتفاقيات. ثم استقبله الرئيس الصينى شى جين بينج، الذى أشار إلى أن جزر سليمان تقع على الامتداد الجنوبى لطريق الحرير البحرى، وقال إن على البلدين انتهاز فرصة التوقيع على مذكرة التفاهم بشأن بناء الحزام والطريق، للمواءمة بين استراتيجيات التنمية الخاصة بكل منهما. وفى المقابل، قال «سوجافارى» إن بلاده اختارت الجانب التاريخى الصحيح، الذى اختارته معظم دول العالم، واعترفت بمبدأ صين واحدة، مؤكدًا أن ذلك يمثل التزامًا سياسيًا رسميًا قويًا تعهدت به حكومته.

تقول الأسطورة إن الملك سليمان ذهب إلى تلك الجزر وبنى بها هيكلًا من الذهب الخالص. أما يقوله التاريخ، فهو أنها ظلت تحت الانتداب الأسترالى منذ سنة ١٩٢٠، إلى أن احتلتها اليابان خلال الحرب العالمية الثانية، لتشهد عددًا من المعارك الأكثر حدة بين قوات التحالف والقوات اليابانية. وبنهاية الحرب وهزيمة اليابان ودول المحور، احتلت بريطانيا تلك الجزر، وجعلت عاصمتها مقرًا للجنة العليا لغرب المحيط الهادئ. ومع أنها حصلت سنة ١٩٧٤ على الحكم الذاتى، ثم أعلنت استقلالها فى ٧ يوليو ١٩٧٨، إلا أنها لا تزال تابعة لـ«التاج البريطانى»، مع ١٤ دولة ضمن مجموعة الكومنولث، تمثل الملكة إليزابيث الثانية رأس النظام السياسى فيها.

بطلب من الآن كيماكيزا، رئيس وزراء جزر سليمان الأسبق، قادت أستراليا، سنة ٢٠٠٣ تحالفًا دوليًا من أجل إعادة الامن إلى البلاد وإعادة بناء المؤسسات الحكومية، فى إطار بعثة لحفظ السلام، بموجب إعلان لمنتدى جزر المحيط الهادى، وظلت هناك لمدة عشر سنوات. وفى نوفمبر الماضى، كرر رئيس الوزراء الحالى الطلب نفسه، بعد احتجاجات عنيفة وأعمال تخريب، استمرت ٣ أيام، أحرق خلالها متظاهرون جزءًا كبيرًا من الحى الصينى فى هونيارا، وحاولوا اقتحام مبنى البرلمان. وما أن بدأت القوات الأسترالية وقوات حفظ السلام الأجنبية مغادرة الأرخبيل، بعد انتهاء الاحتجاجات، حتى أعلنت الحكومة أنها قبلت عرض الصين إرسال ستة «ضباط اتصال» لتدريب قوات الشرطة وتوفير دروع وهراوات وغيرها من المعدات «غير الفتاكة». 

.. وأخيرًا، قيل إن الاحتجاجات كانت بسبب الفقر والبطالة وسوء الأحوال المعيشية والأزمة الاقتصادية، التى فاقمها وباء «كورونا المستجد»، والصراعات التقليدية بين بعض الجزر. وقيل أيضًا إن التقارب مع الصين كان سببًا فى إشعالها، بينما اتهم رئيس الوزراء دولًا أجنبية، لم يذكر اسمها، بالوقوف خلف تلك الاحتجاجات، للإطاحة به. غير أن جوان أو، المتحدثة باسم الخارجية التايوانية، نفت أن تكون لبلادها أى علاقة بهذا الأمر!.