رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«ذي إيكونوميست»: السويد تخشى امتداد أي مغامرة عسكرية روسية في أوكرانيا إلى حدودها

جريدة الدستور

مع تنامي التحذيرات والتقارير بغزو روسي وشيك لأوكرانيا لاسيما وأن موسكو حشدت عشرات الآلاف من جنودها على حدود جارتها الغربية، عززت السويد من جاهزيتها لأي تطورات محتملة وسط مخاوف من أن تمتد المغامرة العسكرية الروسية إلى أراضيها.

وقامت السلطات السويدية منتصف الشهر الجاري بتنظيم دوريات في ميناء "فيسبي" بجزيرة اند تزامنا مع هبوط عشرات العربات المدرعة وطائرة نقل على متنها 100 جندي، وسط تحذيرات على لسان وزير الدفاع السويدي "بيتر هولتكفيست" من أن "هجوما على السويد لا يمكن استبعاده"، سيما وأن سفن الإنزال الروسية دخلت بالفعل بحر البلطيق، وأن "السويد لن تغفو إذا حدث شيء ما ".

ويعكس قرار السويد، وفقا لمجلة "ذي إيكونوميست" البريطانية، بتحصين الجزيرة،التي تقع بالقرب من معقل كالينينجراد الروسي في أوروبا، مخاوف أوسع نطاقا من أن الحرب تلوح في الأفق، سيما وأن موسكو حشدت أكثر من مائة ألف جندي بالقرب من حدود أوكرانيا.

وأعلنت أن محادثاتها مع أمريكا وحلف شمال الأطلسي (ناتو) التي عقدت مؤخرا كانت فاشلة، كما بدأت في تدريب وتعبئة قوات الاحتياط.

ويبدو كذلك أن المناوشات "الرقمية" قد بدأت بالفعل. ففي نفس اليوم الذي دفعت فيه السويد قواتها إلى جوتلاند، تعرضت أوكرانيا لهجمات إلكترونية استهدفت مواقع حكومية على الإنترنت، وربما أخرجت بعض أجهزة الكمبيوتر الرسمية عن العمل. وزعم البيت الأبيض أن لديه معلومات استخباراتية تظهر أن روسيا كانت تخطط لأعمال تخريبية ضد "قواتها بالوكالة" (الانفصاليين الذين تدعمهم موسكو في دونباس) في شرق أوكرانيا لتوفير ذريعة لمهاجمة أوكرانيا.

وأشارت المجلة البريطانية إلى أن المسؤولين والخبراء الغربيين مازالوا غير متأكدين مما إذا كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد اتخذ قراره بعد بشأن الغزو، إذ يعتقد البعض أن بوتين لا يزال يأمل في انتزاع تنازلات من الغرب من خلال التلويح بالقوة، بدلا من استخدامها. وهناك أسباب للأمل في أن العديد من العواقب السلبية لبوتين، بما في ذلك العقوبات الغربية، وقلة الحماس للقتال في الداخل، قد تعيق جميعها قرار الحرب. فعلى عكس عام 2014، عندما كانت الدعاية الحكومية منشغلة بإثارة "الهستيريا" المعادية لأوكرانيا –وفقا للمجلة البريطانية- استعدادا لهجوم عسكري، نجد أوكرانيا هذه المرة غائبة تماما عن الأخبار الروسية. وأيا كان القرار الذي سيتخذه بوتين في الأسابيع المقبلة، فإنه يواجه حالة من عدم اليقين بشأن استجابة الجمهور.

ويقول "جيمس شير" من المركز الدولي للدفاع والأمن، وهو مؤسسة فكرية في تالين بإستونيا، إن السؤال الذي يشغل بال محللي المخابرات في جميع أنحاء أوروبا هو: كيف ستبدو مثل هذه العملية (الحرب)؟
أحد الاحتمالات هو أن روسيا ستفعل ببساطة ما فعلته في الخفاء لمدة سبع سنوات: إرسال قوات إلى "جمهوريات" دونيتسك ولوجانسك، وهي مناطق انفصالية في منطقة دونباس في شرق أوكرانيا، إما لتوسيع حدودها غربا أو الاعتراف بها على أنها دولتان مستقلتان، كما فعلت بعد إرسال قوات إلى أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، وهما منطقتان جورجيتان، في عام 2008.


وهناك سيناريو آخر، تمت مناقشته على نطاق واسع في السنوات الأخيرة، وهو أن روسيا قد تسعى إلى إنشاء جسر بري إلى شبه جزيرة القرم، التي ضمتها في عام 2014، وهو ما سيتطلب الاستيلاء على 300 كيلومتر (185 ميلا) من الأراضي على طول بحر آزوف، بما في ذلك أوكرانيا الرئيسية. وسيؤدي ذلك إلى توسيع السيطرة الروسية في منطقة تعرف باسم نوفوروسيا، أو روسيا الجديدة، وهي جزء تاريخي من الإمبراطورية الروسية على طول البحر الأسود.


وسيكون مثل هذا الاستيلاء المحدود على الأراضي في حدود قدرات القوات التي يتم حشدها حاليا في غرب روسيا. ولكن، الأمر الأقل وضوحا هو ما إذا كانت سيخدم هذا السيناريو أهداف الكرملين الحربية، حيث إذا كان هدف روسيا هو منع أوكرانيا من الانضمام إلى حلف الناتو أو التعاون مع الحلف، فمن غير المرجح أن يؤدي توطيد سيطرتها على منطقة دونباس أو قطعة أرض صغيرة في جنوب أوكرانيا إلى تركيع الحكومة في كييف على ركبتيها.


وهذا بكل تأكيد يتركنا أمام ثلاثة احتمالات: الأول، هو تغيير الحكومة في كييف بالقوة ، كما فعلت أمريكا في أفغانستان والعراق. والثاني هو فرض تكاليف باهظة على أوكرانيا سواء من خلال تدمير قواتها المسلحة أو تدمير بنيتها التحتية الوطنية الحيوية أو احتلال الأراضي حتى يوافق قادتها على قطع علاقاتهم مع الغرب. والثالث هو معالجة أمريكا وحلف شمال الأطلسي المطلب الروسي ولكن من موقع عسكري قيادي. بلا شك، كل الطرق الثلاثة تتطلب حربا كبيرة.


ويرى "كير جايلز" من مؤسسة "تشاتام" هاوس البحثية في لندن أن الحل المغري لروسيا ربما يكون هو استخدام أسلحة "المواجهة" دون وجود قوات على الأرض، ومحاكاة حرب الناتو الجوية ضد صربيا في عام 1999. فالضربات التي تشنها قاذفات الصواريخ والصواريخ ستحدث دمارا. ويمكن استكمال هذه الأسلحة بمزيد من الأسلحة الجديدة، مثل الهجمات الإلكترونية على البنية التحتية الأوكرانية مثل تلك التي عطلت شبكة الكهرباء في البلاد في عامي 2015 و 2016. كما أن معاقبة أوكرانيا من بعيد، دون استخدام قوات برية، من شأنه أن يقلل الخسائر. ويمكن لروسيا تخفيف وزيادة الضغط بمرور الوقت، "تتخللها فترات توقف لتكرار أو تصعيد المطالب".


ويؤكد جايلز أن المشكلة هي أن حملات القصف سالفة الذكر تستمر لفترة أطول وأصعب مما تبدو عليه في البداية. إذا اندلعت الحرب، فمن المرجح أن تكون ضربات المواجهة مقدمة ومرافقة لحرب برية بدلا من أن تكون بديلا عنها. أشارت دراسة أجرتها مؤسسة RAND في عام 2016 إلى أن روسيا يمكن أن تستولي على دولتين من أصل ثلاث دول على بحر البلطيق بحوالي 30 مجموعة تكتيكية (BTGs)، وهي تشكيل روسي يتكون من حوالي 1000 جندي بالإضافة إلى المعدات. روسيا لديها الآن حوالي ضعف هذا العدد على حدود أوكرانيا بالإضافة إلى وحدات الدعم، والمزيد من الوافدين.


وترجح الدراسة أن روسيا قد تفكر في هجوم سريع وعميق على جبهة ضيقة، يهدف إلى صدمة العدو وإصابته بالشلل بدلا من احتلال الأراضي، والمثال الفعلي على ذلك هو الغارة الأمريكية على بغداد في أبريل 2003.


ومع إعلان ألكسندر لوكاشينكو، زعيم بيلاروسيا، يوم 17 يناير أن بلاده ستجري تدريبات مشتركة مع روسيا على حدودها الجنوبية والغربية في شهر فبراير، وبدء توافد القوات الروسية إلى بيلاروسيا، يجب هنا الإشارة إلى أنه إذا سمحت بيلاروسيا لروسيا باستخدام أراضيها في هجوم محتمل على أوكرانيا، فيمكن الاقتراب من كييف من جهة الغرب وتطويقها.


ويرى "جيمس شير" من المركز الدولي للدفاع والأمن بإستونيا أن الجنود الأوكرانيين مقاتلون جيدون، ولكن على الرغم من سنوات التدريب الغربي، فإن القوات المسلحة الأوكرانية تفتقر إلى مستوى الكفاءة الروسية في حرب مناورة الأسلحة المشتركة -استخدام القوات البرية والقوات الخاصة والمروحيات الهجومية والمظليين سواء على الخطوط الأمامية أو المؤخرة بالنسبة لقوات العدو.


وترى "ذي إيكونوميست" أنه حتى مع هذه المزايا، ستكافح روسيا لاحتلال العاصمة الأوكرانية، ناهيك عن أوكرانيا بأكملها، وهي دولة كبيرة ومكتظة بالسكان مثل أفغانستان. منذ عام 2014، اكتسب أكثر من 300 ألف أوكراني شكلا من أشكال الخبرة العسكرية ومعظمهم لديه إمكانية الوصول إلى الأسلحة النارية. وقد أخبر المسؤولون الأمريكيون الحلفاء أن البنتاجون ووكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية سيدعمان التمرد المسلح.


ومع ذلك، ربما تريد روسيا تجنب احتلال طويل الأمد، وقد لا يكون ذلك ضروريا. ويتساءل المراقبون: "بمجرد أن يصبحوا داخل مدى الصواريخ في وسط مدينة كييف، هل هذا وضع يريد الأوكرانيون التعايش معه؟" حتى لو كان فولوديمير زيلينسكي، رئيس أوكرانيا، على استعداد لتحمل الحصار، فقد تقامر روسيا بأن حكومته ستنهار ببساطة -وقد تستخدم الجواسيس والقوات الخاصة والمعلومات المضللة لتسريع هذه العملية.


ورغم ما سبق، فنادرا ما تكون الحروب سريعة أو سهلة كما يتصور مخططوها. لم تخض روسيا هجوما واسع النطاق يشمل المشاة والمدرعات والقوة الجوية منذ المعارك في الحرب العالمية الثانية. يمكن للبلدان المعرضة للهجوم أن تقف حازمة بنفس القدر مثل الانهيار. وفي هذا الصدد، يحذر "إيفان تيموفيف" من مجلس الشؤون الدولية الروسي من "مواجهة طويلة وبطيئة" يمكن أن تطول بسبب المساعدات العسكرية الغربية و "محفوفة بزعزعة استقرار... روسيا نفسها".


إذا، حتى النصر سيكون مكلفا. وهو الأمر الذي يجب أن يدفع الرئيس الروسي للتوقف والتفكير مليا قبل أي قرار يقدم عليه!