رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بالحجة والدليل فى دين الله.. لا بالسب يا سادة

قرأت منذ قليل مقالًا عن الإمام البخاري على موقع قناة «الحرة»، كانت للكاتب وجهة نظر تقوم على الحساب، حساب عمر الإمام البخاري وتقسيم عدد الأحاديث عليه، فوجد أن كل حديث أخذ ربع ساعة؛ على افتراض أنه اشتغل على الأحاديث 24 ساعة/ 24 ساعة دون راحة أو نوم أو طعام.. هذا غير ما استند فيه لآيات من القرآن الكريم رأى أن ما ورد في صحيح البخاري يتعارض مع نصها وأحكامها.

كانت هذه وجهة نظر كاتب المقال التي اشتغل واجتهد عليها طبقا لدليله العقلي والمنطق من وجهة نظره.
انتقلت للتعليقات كي أرى الردود، والتي اعتقدت أنها ستكون تفنيدا لرأيه بالدليل العقلي والنقلي، لكن للأسف لم أجد.. كل ما وجدته سباب واتهامات للرجل في عرضه ودينه.

ظننت أن أحدهم عنده العلم والرد الشافي حين قال: "إنني أستطيع الرد على هذه التفاهات قبل أن أفرغ من فنجان القهوة».. انتظرت الرد كما قال.. فلم أجد ردًا بعد هذه الجملة الاستعراضية المنقولة.

إنني أعتبر السب والاتهام في الدين والعرض في الرد على أي موضوع جهلًا ونقصان عقل ودين ابتليت به الأمة في هذه الأجيال التي لا تقرأ ولا تبحث، ولكن تدّعي ثقافة شرعية غير موجودة أصلا، وما هي إلا تكرار لما سمعوه ممن اتبعوهم من شيوخ معظمهم غير متخصص في العلوم الشرعية.

كان الرسول، صلى الله عليه وسلم، يجادل الكفار ويحاججهم بالعقل مرة وبما أنزل عليه من وحي مرات، ولم يغضب لنفسه ولم يسبهم مرة، على الرغم من اتهامهم له بالسحر والجنون وتسليطهم سفهاءهم عليه.

وحاجج سيدنا عبدالله بن عباس، رضي الله عنه، الخوارج حين رفضوا الاحتكام إلى عمرو بن العاص وأبى ذر، وقالوا قولتهم المشهورة: "إن الحكم إلا لله" استنادا للآية القرآنية الكريمة؛ فاستغلوها وخرجوا على طاعة أمير المؤمنين على بن أبي طالب، رضي الله عنه، وأخرجوا من معه من الملة وأحلوا دماءهم باستخدام هذه الآية.. لكن بالحجة والموعظة الحسنة رد سيدنا عبدالله بن عباس حجتهم بالحجة وفندها ودحضها بآيات من القرآن الكريم وأقوال الرسول، صلى الله عليه وسلم، فرد الآلاف منهم إلى صفوف المسلمين مرة أخرى وأنقذهم من فكر تكفيري دموي.

وللإمام أبى حنيفة، رضي الله عنه، العشرات من المناظرات مع الملاحدة.. «لاحظ أنهم ملاحدة لا يؤمنون ولا يعترفون بوجود الله أصلًا».. ومع ذلك لم يطالب أبوحنيفة، الخليفة بقتلهم، ولم ينفق الوقت في اتهامهم وسبهم، بل ناظرهم أمام الجماهير الغفيرة وفند أقوالهم ومعتقداتهم، فثبت من آمن على إيمانه، وعاد المتشكك إلى إيمانه، ودحض أفكار الإلحاد والملحدين وجعل الناس يتشككون فيها وفيهم، وقد سمعوا بآذانهم الحجج والأدلة، وقضى على الفتنة في مهدها.

أتمنى من كل من أراد الدفاع عن الدين أمام قول أو مقال أن يكون دفاعه بالحجة والمنطق، لا بالسب والعدوان؛ لأن السب لا يقيم حجة ولا يفيد، إنما الحجة تقوي وترسخ بالدليل والبرهان.