رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

شيخ الأزهر: تحريم تهنئة المسيحيين بأعيادهم لا يعرفه الإسلام

شيخ الأزهر
شيخ الأزهر

على الرغم من تهنئة القيادات في المؤسسات الدينية بمصر، للمسيحيين بعيد الميلاد، إلا أن الأصوات التي تترد كل عام لمحاولة زعزعة الوحدة والانسجام والتآلف بين الشعب المصري لا تزال ترد بتحريم تهنئة المسحيين بعيدهم.

شيخ الأزهر، الدكتور أحمد الطيب، أرسل، أمس الخميس، تهنئة للمسيحيين في الشرق والغرب بعيد الميلاد المجيد.

وقال شيخ الأزهر، في حديث سابق نشر في جريدة «صوت الأزهر»، إن الأديان السماوية هى أولاً وأخيراً ليست إلا رسالة سلام إلى البشر، بل هى رسالة سلام إلى الحيوان والنبات والطبيعة بأسرها، وقال فضيلته إن الإسلام لا ينظر لغير المسلمين من المسيحيين واليهود إلا من منظور المودة والأخوَّة الإنسانية، وهناك آيات صريحة فى القرآن تنص على أن علاقة المسلمين بغيرهم من المسالمين لهم- أياً كانت أديانهم أو مذاهبهم- هى علاقة البر والإنصاف. 

وعن الأصوات التى تُحرم تهنئة المسيحيين بأعيادهم، وتنهى عن أكل طعامهم، ومواساتهم فى الشدائد، ومشاركتهم فى أوقات الفرحة، قال «الطيب»: «إن هذا فكر متشدد لا يمت للإسلام بصلة، وهو فكر لم تعرفه مصر قبل سبعينيات القرن الماضى؛ فمنذ السبعينيات حدثت اختراقات للمجتمع المصرى مسّت المسلمين والمسيحيين، وهيأت الأرض لأن تؤتى مصر من قبل الفتنة الطائفية، وتبع هذا أن التعليم الحقيقى انهار.

ولفت شيخ الأزهر إلى أن الخطاب الإسلامى انهار أيضاً، وأصبح أسير مظهريات وشكليات وتوجهات، وكُنا نرى عشرات القنوات الفضائية تبث خطاباً إسلامياً دون أن يتحدث القائمون عليها فى قضية محترمة، أو أن يتطرقوا إلى مسألة ترسيخ أسس المواطنة، ونشر فلسفة الإسلام فى التعامل مع الآخر وبخاصة المسيحيين، والسبب فى ذلك أن هؤلاء كانوا غير مؤهلين، وفاقدين لثقافة الإسلام فى هذا الجانب، وغير مطلعين على هذه الأمور، وكانوا يسعون إلى نشر مذاهب يريدون من خلالها تحويل المسلمين إلى ما يمكن أن نسميه شكليات فارغة من جوهر الإسلام الحقيقى، وأصبح عندنا ما يمكن أن نطلق عليه «كهنوت إسلامى جديد»، بحيث إن أى مسلم لا يستطيع أن يقدم خطوة إلا إذا بحث عن هل هذه الخطوة حلال أم حرام؟.

وشدد شيخ الأزهر على «أن من يحرمون تهنئة المسيحيين بأعيادهم غير مطلعين على فلسفة الإسلام فى التعامل مع الآخر بشكل عام، ومع المسيحيين بشكل خاص، والتى بينها لنا الخالق عز وجل فى قوله: «وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ»، وبينها لنا أيضاً سبحانه وتعالى فى قوله: «وَجَعَلْنَا فِى قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً»، وإذا قرأنا كلام المفسرين والمحدثين فى هذا الجانب، سنجد أنهم وصفوا المسيحيين بأنهم أهل رأفة ورحمة وشهامة، وأنهم لا يحملون ضغينة، وأن هذه الصفات مستمرة فيهم إلى يوم القيامة، وهذا الكلام موجود فى أمهات الكتب التى يدرسها الأزهر لطلابه».

واستشهد الإمام بأن الإسلام الذى نزل على محمد، صلى الله عليه وسلم، يقدم نفسه بحسبانه الحلقة الأخيرة فى سلسلة الدين الإلهى، كما يقرر أن أصل الدين واحدٌ فى جميع هذه الرسالات، ومن هنا يذكر القرآن التوراة والإنجيل بعبارات غاية فى الاحترام، ويعترف بأثرهما القوى فى هداية البشرية من التيه والضلال، ولذلك يصف الله تعالى- فى القرآن الكريم- كلاً من التوراة والإنجيل بأنهما «هدى ونور».

 كما يصف القرآن نفسَهُ بأنَّه الكتاب المصدق لما سبقه من الكتابين المقدسين: التوراة والإنجيل، وأضاف شيخ الأزهر الشريف أنه لا محل ولا مجال أن يُطلق على المسيحيين أنهم أهل ذمة، مؤكداً أنهم مواطنون متساوون فى الحقوق والواجبات، مشيراً إلى أن مصطلح الأقليات لا يعبر عن روح الإسلام ولا عن فلسفته.

ونوه بأن مصطلح المواطنة هو التعبير الأنسب، والعاصم الأكبر والوحيد لاستقرار المجتمعات، وأوضح أن المواطنة معناها المساواة فى الحقوق والواجبات بين المواطنين جميعاً، بخلاف مصطلح الأقليات الذى يحمل انطباعات سلبية تبعث على الشعور بالإقصاء، ويضع حواجز نفسية تتداعى وتتراكم فى نفس المواطن الذى يطلق عليه أنه مواطن من الأقليات.

ونبّه شيخ الأزهر إلى أن المواطنة لا تتوقف عند اختلاف دين أو اختلاف مذهب، فالكل متساوون فى الحقوق والواجبات، والجميع سواسية أمام القانون فى الدولة، وعلى الجميع أن يدافعوا عن هذا الوطن ويتحملوا المسئولية الكاملة.

وتابع أن الحضارة الإسلامية أول من حفظ حقوق غير المسلمين وأكدت المساواة التامة بين المواطنين من خلال الصيغة التعاقدية بين غير المسلمين وبين الدولة الإسلامية، موضحاً أنه لا يجب ألا يُنتزع هذا المصطلح من محيطه التاريخى ويُحاكم بانطباعات الناس، ولذلك فإن الكارهين للتراث بسبب أو بآخر الذين يأتون بفتوى قيلت فى وقت عصيب ليقولوا هذا هو الإسلام وفقهه وتراثه، والمتشددون الذين يستوردون حكماً كان يواجه التتار أو الصليبيين فى بلاد الإسلام ليطبقوه الآن على غير المسلمين- كلاهما كاذب؛ لأن الإسلام غير ذلك تماماً.

وأشار إلى أن هذا المصطلح ليس كما يشاع علامة اضطهاد لأنه كان فى زمنه يضمن كل الحقوق لغير المسلم ويرفع عنه حق الدفاع عن الدولة، وهذا ليس إقصاء لهم بقدر ما هو احترام لدينهم ولعقيدتهم، لافتاً إلى أن الجزية فُرضت على غير المسلم كما فرضت الزكاة على المسلم، بل كانت الجزية أقل تكلفة من أنصبة الزكاة، بل غير المسلم كان يستفيد من الجزية بأكثر مما يستفيد به المسلم من الزكاة، والجزية تعفى غير المسلم من الدفاع عن الدولة، لكن الزكاة لم تُعْفِ المسلم من الدفاع عن الدولة بما فيها من غير المسلمين بروحه وبدمه.