رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الحد الأدنى لأجور القطاع الخاص: أربعون عامًا من الجمود

 

شهد عام ١٩٥٩ أول قانون مصرى يتطرق لفكرة إنشاء آلية لتحديد الحد الأدنى للأجور، وذلك فى ضوء تحول سياسة الدولة إلى الوقوف بجانب الطبقات الضعيفة وخصوصًا العمال، سواء الذين يعملون منهم فى المجال الزراعى، أو الصناعى، عندما صدر القانون رقم ٩١ لذات العام، ليسمح بوضع حد أدنى على المستوى المحلى، أو الإقليمى بحيث تراعى هذه الحدود الدنيا التنوع الكبير الذى حدث فى النشاطات الاقتصادية التى بدأت، أو كانت على وشك أن تبدأ فى تلك الحقبة.

تلى ذلك صدور قرار رئيس مجلس الوزراء فى عام ١٩٦٤، بتشكيل ما سمى «اللجنة الوزارية للأجور والأسعار» على أن تكون هذه اللجنة مختصة «برسم سياسة طويلة المدى للأسعار، والأجور، والنظر فى تعديلها بالزيادة، أو التخفيض حسب الأحوال للتوازن بين الأسعار تطبيقًا للأهداف الواردة فى ميثاق الثورة وتحقيقًا للعدالة الاجتماعية، وعلى الرغم من ذلك لم يجتمع أى من اللجان التى أناط بها القانون أو القرار وضع توصيات بالحد الأدنى للأجور، فى أى إقليم، وبالتالى لم يصدر عنها أى توصيات، وبالتالى لم يصدر أى تحديدات لمعدلات الحد الأدنى للأجور، فى ظل الثورة التى تحركت أساسًا من أجل العمال والقضاء على الفقر، وتبنت الاشتراكية لاحقًا نهجًا لها.

وبالتالى غابت شمس الرئيس عبدالناصر قبل أن تخرج للنور أى قوانين بتحديد الحد الأدنى للأجور، بالتالى نال الرئيس السادات شرف تبنى الدولة لأول مرة حدًا أدنى لأجور القطاع الحكومى فى عام ١٩٨٠، عندما حدده بــ١٥ جنيهًا للعمال تحت سن ١٨ عامًا، و٢٠ جنيهًا لمن فوقه، ثم عدل لاحقًا فى عام ١٩٨١، إلى ٢٥ جنيهًا للبالغين ١٨ سنة فما فوق، و١٩ جنيهًا للذين هم أدنى من ذلك.

ومع وصول الرئيس مبارك إلى الحكم صدر قانون العمل رقم ١٣٧ لسنة ١٩٨١، متضمنًا آلية جديدة لتحديد الحد الأدنى للأجور فى القطاع الخاص، تتناسب مع تغير اتجاه الدولة السياسى والاقتصادى، وجاء هذا القانون بمبادئ توافق توجهات الدولة الجديدة، من تشجيع القطاع الخاص بكل السبل وانحصار الاهتمام بالعمال والقطاع العام، لم تجتمع أى من اللجان التى أناط بها القانون التوصية بحد أدنى للأجور، وبالتالى لم يصدر وزير القوى العاملة والتدريب أى تعديلات للحد الأدنى للأجور، كذلك لم تصدر أى تعديلات للحد الأدنى للأجور فى ظل القانون الماثل عن أى جهة أخرى، وظل الحد الأدنى عند نفس مستواه فى عام ١٩٨١ حتى يناير ٢٠٢٢، أى العام المقبل.

ذلك على الرغم من صدور قانون العمل ١٢ لسنة ٢٠٠٣، وقرار رئيس مجلس الوزراء ٩٨٣ لسنة ٢٠٠٣ بإنشاء المجلس القومى للأجور ومنحه اختصاصات واسعة فيما يتعلق بالأجور فى القطاع الخاص أهمها وضع الحد الأدنى للأجور على المستوى القومى بمراعاة نفقات المعيشة، والوسائل والتدابير التى تكفل تحقيق التوازن بين الأجور، والأسعار.

لكن هذا المجلس لم يصدر منذ إنشائه فى عام ٢٠٠٣ قرارًا بتحديد حدٍّ أدنى للأجور، وبالتالى ظل الحد الأدنى القانونى على مستواه لمدة ٤١ عامًا كاملة. أما عما يعتقده البعض من إصدار محكمة القضاء الإدارى حكمًا بإلزام الحكومة بتطبيق حدٍ أدنى للأجور يبلغ ١٢٠٠ جنيه شهريًا، فهو اعتقاد خاطئ، إذ إنه رغم إصدار محكمة القضاء الإدارى حكمها فى الدعوى رقم ٢١٦٠٦ لسنة ٦٣ق، بإلزام المجلس القومى للأجور بتحديد حدٍّ أدنى للأجور فى مارس٢٠١٠م، إلا أنها لم تتصد لتحديد هذا الحد وتركت ذلك للمجلس القومى للأجور، الذى لم يقم كذلك بإصدار قرار بتحديده.

لم يكسر هذا الجمود سوى قرار وزيرة التخطيط بصفتها رئيس المجلس القومى للأجور والمنشور فى الجريدة الرسمية فى سبتمبر ٢٠٢١، ناصًا على أن يكون الحد الأدنى للأجر بالقطاع الخاص ٢٤٠٠ جنيه مصرى فقط لا غير، وذلك اعتبارًا من ١ يناير ٢٠٢٢.

جاءت ثورة يونيو إذن لتغير واقعًا مظلمًا عاشه العمال منذ عشرات السنين فى مصر، إذ لم ينحز لهم بهذا القدر أى ممن أدار البلاد على مر تاريخها الحديث، حتى فى ظل التوجه الاشتراكى للبلاد، لتأتى الإدارة الحالية، على الرغم من توجهها الرأسمالى الواضح ودعمها المطلق للقطاع الخاص، لتعدل ما مال فى علاقة العمال بأصحاب الأعمال، وتقف لتمارس دورها الحقيقى كمنظم لعلاقات كنا نسينا أساسًا أن للدولة دورًا فى تنظيمها.