رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لهذه الأسباب يجب إعادة النظر فى "الطلاق الشفوى"

زوجة طُلقت شفوياً وبعد انتهاء عدتها الشرعية توفي زوجها واستخرج أبناؤه من زوجته الأولى إعلام الوراثة دونها فبادرت بإقامة دعوى قضائية طالبة إدخالها نافية قيام زوجها بتطليقها قبل وفاته، ورغم إصرارهم علي  أن والدهم قام بتطليقها وليس لها حق الإرث قضت المحكمة بإدخالها كزوجة وارثة لأن الطلاق حال الإنكارلا يثبت إلا بالإشهاد والتوثيق.

الحالة التي بدأت بها مقالي وغيرها من النزاعات القضائية المترتبة على الطلاق الشفوي تؤكد استهانة بعض الأزواج بلفظ الطلاق وعدم تقديرهم عواقبه معرضين أسرهم لخطر التفكك ومهدرين حقوق الزوجات والأبناء.

لقد نص المشرع صراحة على أن إثبات الطلاق يقع حصراً بين يدي القضاء في صورة حكم قضائي أو حال توثيقه لدى المأذونين لذا فإن العمل بالطلاق الشفوي ونفاذ آثاره يمثل تعارضاً بين ما هو شرعي وما هو قانوني فتصبح الزوجة معلقة إذ تكون مطلقة شرعاً بمقتضى كلمة وغير مطلقة قانوناً لعدم إثبات هذا الطلاق أو توثيقه، كما يتعارضان في بدء سريان فترة العدة ووقت الرجعة وكذلك الميراث وكلها آثار مهمة يترتب عليها حقوق والتزامات شرعية وقانونية.

والطلاق في تعريفه الشرعي والقانوني هو حل رابطة الزوجية لذا من الضروري أن يكون الحل بنفس الطريقة التي تم بها العقد وهي الكتابة والتوثيق للحفاظ علي الحقوق وتماسك الأسر خصوصا أنه لم يرد نص في القرآن الكريم يبين طريقة إيقاعه، كتابة أو شفاهة كما أن التمييز بين الطلاق الشفوي والزواج الشفوي في ترتيب الأثر الشرعي بقبول الأول دون الثاني ينتج عنه محو ميثاق الزواج والميثاق أسمى من كونه مجرد عقد.

إن حماية حق الزوجات والأبناء في علاقة ثابتة مستقرة لا تخضع للتهديد المفاجئ تقتضي إعادة النظر في الطلاق الشفوي الذي يقع بإرادة منفردة ربما نتيجة التعسف أو في لحظة جفاء عابرة ناتجة عن طبيعة النفس البشرية المتقلبة الأمارة بالسوء، والقول بغير ذلك فيه معاقبة للزوجات والأبناء والمجتمع بغير ذنب جنوه، وغني عن البيان أن معاقبة الشخص لا تكون إلا إذا كان الأثر خاصاً أو فرديا. 

إن الغاية من تقييد الطلاق الشفوي هو تمييز الطلاق الجدي المؤسس على أسباب ومبررات سائغة عما سواه من الطلاق وتحصينه من القرارات الانفعالية والمزاجية وحفظه من الانحراف عند استحكام الخلاف وغلبة الانفعال، كما أن إساءة استخدامه تقتضي ترشيده دينياً وأخلاقياً وقانونياً وعدم نفاذ آثاره إلا بإثباته دفعاً لكل غشاوة ودرءاً لكل التباس فالشرع الحنيف ساعٍ إلى البناء لا الهدم، تواق إلى الجمع لا الفرقة فالشريعة الغراء صالحة لكل زمان ومكان فعلاً وقولاً حقاً وصدقاً.

في النهاية لقد ناقشت بموضوعية ومن خلال دعوى واقعية تنظرها المحاكم بعض تداعيات هذا الطلاق ولم أتطرق إلى الآراء الفقهية، فهي وإن كانت مردودة لأصحاب الفضل من الشيوخ والعلماء أهل الاختصاص، إلا أن الواقع يفرض مزج الفقه بالواقع ومراعاة تغيرات العصر وتقلبات الزمن فتقييد الطلاق الشفوي من شأنه حماية الأسرة من خطر داهم موقوت بل وحماية صاحب الحق فيه من نفسه وتعسفه وليدرك الأزواج أنهم مسئولون عن أُسر أمانة عندهم فرفقاً بهم.

  • محامٍ بالنقض