رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ديسمبر.. موسم التكريمات الـ«مضروبة»

بدأنا على خير أيام وليالي شهر ديسمبر آخر شهور العام الميلادي، وهو ليس فقط الشهر الذي نودع به عامًا انقضى، ولا هو مجرد الشهر الذي نتهيأ في نهايته لاستقبال عام جديد نتمناه خاليًا من الأوجاع والآلام والأمراض لكل العالم، فقد جعل منه أهل الفن وصناع الدعاية وملوك الإعلان شهرًا للتكريمات وتوزيع الجوائز لمن يستحق ومن لا يستحق.
عرفت ببدء الاستعداد لهذا الموسم السنوي مبكرًا- منذ منتصف أكتوبر الماضي- حين تلقيت اتصالًا من إحدى النجمات الصديقات من كبار الفنانات تطلب مني معلومات دقيقة عن ثلاث جهات طلبت تكريمها في ماراثون الأفضل عن العام الحالي، نظرًا لتألقها في بطولة مسلسل نال قبولًا نقديًا ونجاحًا جماهيريًا، وأجمع أصحاب الدعوات على شرط التزامها بالحضور في الحفلات الكبرى التي سينظمها كل منهم خلال منتصف الشهر الجاري، وزيادة في اتباع سبل الإقناع لجأ المنظمون لواحد من هذه الاحتفالات لاختيار قاعة تابعة لإحدى الوزارات، تضم مسرحًا كبيرًا يتسع لنحو 500 ضيف وهم بهذا الاختيار الذكي لمكان انعقاد الحفل يصطادون أكثر من عصفور، أهمها هو الإيحاء بمصداقية الحدث لدى الضيوف من كبار النجوم، كون هذا المسرح تابعًا لإحدى وزارات الدولة، وعلاوة على موقعه المتميز فهو على بعد خطوات من وسط القاهرة مما يسهل على المدعوين فرصة الحضور.
أطلعتني النجمة الصديقة على صيغة الدعوات الموجهة لها وكلفتني- بحكم ما بيننا من صداقة وثقة متبادلة- أن أشير عليها أي الدعوات الثلاث تقبل، وأيها ترفض، بناء على معلوماتي عن مدى جدية المنظمين وحسن سيرتهم، فأخذت الموضوع مأخذ الجد وتتبعت الجهات الداعية، المهم أنني اطمأننت لواحدة من الجهات ونصحتها بقبول الدعوة، خاصة بعد أن راجعت عددًا من الأصدقاء الذين يعرفون صاحب الدعوة وسيرته، فأكدوا لي جديته، وأصدقكم أن ما شدني بداية للالتفات لدعوته دون غيره هو أسلوبه الراقي في خطاب النجمة وطريقة تقديمه لنفسه ومؤسسته التي يديرها وتنظم الاحتفالية، ونصحت الصديقة الكبيرة بقبول هذه الدعوة  دون غيرها للحضور والتكريم.
المهم أنني بعد يومين- وبحكم طبيعة عملي- فوجئت بخبر صحفي ترسله هذه الجهة المنظمة التي وقع عليها اختيارنا، تضمن الخبر قائمة المدعوين للتكريم، وإذا بي أفاجأ بقائمة تصل إلى المائة مكرم، ثلاثة أرباعهم من الأسماء التي لا يعرفها أحد، ولا توجد حيثية ولا مبرر لتكريمهم عن جهد عام كامل انقضى أو يكاد، أما الربع الأخير فهو الذي يضم نجومًا حقيقيين ومتحققين في مجالات مختلفة، ففهمت الموضوع ونقلت رؤيتي لصديقتي التي طلبت رأيي في اتخاذ القرار بقبول المشاركة من عدمه، إذ اكتشفت أن هذه الاحتفاليات- في معظمها- تتم كنوع من البيزنس لأصحاب الجهات المنظمة، بحيث يتربح المنظمون من المكرمين أنصاف المشهورين وهم يضمنون التواجد الإعلامي الكثيف والتغطية المناسبة للقنوات والإذاعات والصحف والمواقع بحكم وجود عدد من الأسماء الكبيرة التي تحقق الجماهيرية للحدث والترويج له ولصناعه.
نصحت صديقتي النجمة بالاعتذار فهي نجمة متحققة بالفعل، ومشهور عنها احترامها لفنها وجمهورها، وهي أيضًا عزيزة الظهور البرامجي- بناء على فلسفتها في إدارة موهبتها- إذن فليس هناك ما يدعوها لقبول تكريم تكون فيه واحدة من بين مائة مكرم معظمهم يتم تكريمه على لا شىء وبلا حيثيات منطقية.
ظاهرة جديدة أصبحت ملاحظة بشدة في مثل هذه الحفلات هي وجود عدد من الفتيات اللاتي يحضرن في كامل أناقتهن وفي قمة زينتهن، ولا تفهم لماذا أتين، ومن وجه لهن الدعوة للحضور ولا تدرك لهن دورًا في الحدث إلا الظهور لمجرد الظهور!! ومظهرهن وملبسهن يؤكدان أنهن لا يدركن الفرق بين حضور مهرجان سينمائي وحضور احتفال تكريمي للاحتفاء برموز لهم دور مجتمعي وإنساني وفني راق.
واضح بالطبع أنني لا أتحدث عن تلك الاستفتاءات التي تنظمها مؤسسات صحفية أو جهات إعلامية محترمة وموثوق بالقائمين عليها، أما أن نترك الباب لكي يهب الألقاب من لا يملك لمن لا يستحق، فتلك ظاهرة ينبغي أن نتصدى لها كمجتمع واع، ولن أنساق لما يقوله البعض بضرورة تدخل الدولة لمراجعة مثل تلك الفعاليات، فللدولة ومؤسساتها مهام أخرى أكبر وأجل، أما نحن كمجتمع مدني ومحسوبين على القوى الناعمة فإنها مهمتنا أن نمنع هذا النوع من التدليس والتربح غير المشروع، واستباحة منح الألقاب لمن هم دونها منزلة ومقامًا واستحقاقًا.