رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أفكار غير تقليدية للثقافة المصرية

مشروع «حياة كريمة» يواجه تحديًا كبيرًا، إلى جانب بناء مئات الآلاف من المدارس والمستشفيات والبيوت ومراكز الخدمات، عليه عبء بناء وعى عشرات الملايين من المصريين.. تحدى الحجر أمره سهل، يتصدى له رجال الهيئة الهندسية، وشركات المقاولات المصرية، وقد أثبتوا مرارًا أنهم قادرون على التحدى.. بناء البشر معضلة كبيرة.. هو يأتى بعد عقود من الإهمال، والتجريف، وعوامل التعرية التى نحرت فى أساس الشخصية المصرية.. هو أيضًا مرحلة تالية لبناء الحجر فلا بد أن تلبى احتياجات الناس لحياة آدمية أولًا ثم تبدأ فى بناء عقولهم.. الفكرة أن لدينا أصولًا ثقافية كبيرة، لكننا لم نبذل المجهود الكافى لإتاحتها بطريقة عصرية تلائم العصر، وبتكلفة قليلة للغاية.. لدينا مثلًا سلاسل عظيمة منذ الستينيات مثل الألف كتاب الأولى، والثانية.. ولدينا أيضًا مشروع القراءة للجميع.. هذا المشروع كان يقوم على شراء حقوق الطبعة الشعبية من دور النشر الخاصة، ثم إسناد عملية الطباعة للدار نفسها بمبالغ كبيرة نسبيًا، كان هذا ينطوى على نوع من أنواع الدعم لبعض دور النشر، كانت أحيانًا تتحول إلى «مجاملات».. كان هذا يرفع ميزانية المشروع إلى عشرات الملايين، الآن نحن لسنا فى حاجة لطبع الكتب من الأساس، نحتاج فقط لموقع إلكترونى، نرفع عليه الكتب الهامة فى تاريخ الإنسانية، هذه الكتب لا حقوق تأليف ولا نشر لها.. حيث إن كل كتاب مر على وفاة مؤلفه ستون عامًا يصبح من التراث الفكرى للإنسانية، والهيئة تملك بالفعل كتبًا كثيرة ينطبق عليها هذا الوصف وتكاد تكون صفحتها مجهزة فنيًا، كل ما نحتاجه أن توضع فى موقع تابع لمبادرة «حياة كريمة» وتتاح للشباب مجانًا، والتكلفة ستكون بسيطة جدًا بالمقارنة بالفائدة التى ستعم على ملايين المصريين والشباب تحديدًا.. نحن هنا لا نخترع العجلة، ولكن نستفيد من أصول ثقافية موجودة لدينا، ونقدمها للشباب بطريقة تلقٍ عصرية، ومناسبة لهم، فضلًا عن أن تكلفتها لا تقارن بتكلفة المشروع القديم الذى كان يطبع عشرات الآلاف من النسخ المدعومة.

ما ينطبق على الكتب، ينطبق على الموسيقى مثلًا، كانت لدينا إذاعة رائعة تسمى «البرنامج الموسيقى» تضم مكتبتها آلافًا من مقطوعات الموسيقى العالمية، هناك أيضًا إذاعة البرنامج الثقافى التى كان يرأسها الأديب الكبير بهاء طاهر حتى نهاية الستينيات، هذه الإذاعات تم تخريبها تدريجيًا حتى غاب تأثيرها، انطفأ هذا التأثير تمامًا مع تراجع عادة الاستماع للراديو مع ظهور الفضائيات منذ عام ٢٠٠٠، الاستماع للراديو عاد مع انتشار السيارات الخاصة، لكن هذه الإذاعات لم تعد.. والملايين فى البيوت اعتادوا فتح جهاز التليفزيون فقط والتنقل بين القنوات المختلفة، مطلوب من الشركة المتحدة أن تضع هذا المضمون الموسيقى على قناة فضائية خاصة، وتترك الناس تستمع له، ونرى النتيجة بعد عام، تكلفة هذه القناة قليلة جدًا لأنها ستذيع مادة موجودة بالفعل فى الإذاعة المصرية دون نفقات تشغيل عالية، مقطوعات الموسيقى، مع شرائط إذاعة الأغانى، مع حفلات الموسيقى العربية، هى وجبة يستحقها محبو الجمال فى هذا البلد، وجبة فنية سـ«تنظف» آذان الأجيال الجديدة، وتربيها على الفن الأصيل، والمتعوب فيه، هذه الأفكار فقط هى التى تستطيع منافسة أغانى المهرجانات، ووضعها فى حجمها الحقيقى كنوع موسيقى عادى، وليس كظاهرة جماهيرية تلتهم ذائقة الاستماع لدى الأجيال الجديدة، وتمنعهم من التعرف على أنواع موسيقى أخرى.. الثقافة المصرية تحتاج إلى خيال خلّاق، وعقول مبدعة، ومبادرات جديدة تعتمد على التكنولوجيا وتتخلص من الأساليب القديمة، والبيروقراطية، وعقليات الموظفين الخائفة دائمًا والمرتعدة أبدًا.. وعلى الله قصد السبيل.