رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

والجمهور عايز كده؟

 يموج الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعى هذه الأيام بالحديث حول منع من يطلقون عليهم مطربى المهرجانات من جانب نقابة المهن الموسيقية. وشمل هذا المناخ كل النماذج المجتمعية من مثقفين وسياسيين وجمهور المستمعين. فمنهم من هو مع القرار ومنهم من هو ضده. وهنا ما يعنينا من هم ضد هذا القرار.  ومجمل آراء ما طرح من الذين هم ضد القرار هو التحجج والتلكك بمقولة إن القرار هو ضد حرية التعبير وفرض رقابة على اختيار المستمعين والمشاهدين هذه النوعية من اللا فن.  بداية من الذى يمكن أن يكون ضد حرية التعبير؟ الجميع وبشكل طبيعى وفطرى مع حرية التعبير. ولكن هل شعار حرية التعبير هذا يعنى «فتح الباب على البحرى» دون ضوابط قانونية واجتماعية وأخلاقية؟ وهل يوجد فى أى مكان غربًا وشرقًا من يترك لحرية التعبير الأمور سداح مداح دون قانون أو ضوابط؟ وإذا كانت حرية التعبير مادة دستورية بالفعل.  فهل القانون تغاضى عن ضبط هذه الحرية بما يسىء إلى القيم المجتمعية بشكل عام؟ إذن التحجج بتلك الحرية شعار فضفاض لا علاقة له بالواقع المعيش. فقرار نقابة المهن الموسيقية استند إلى القانون رقم ٣٥ لسنة ١٩٧٨. وقد نص هذا القانون على عدم جواز الاشتغال بمهنة الموسيقى والغناء إلا لمن يتمتعون بالعضوية العاملة فى النقابة، أو الحاصلين على ترخيص من مجلس النقابة. كما أنه بالرغم من انتشار وسائل التواصل الاجتماعى التى لا تخضع للسيطرة والمساءلة القانونية عمليًا، ولكن ما زال القانون يحظر تسجيل المصنفات السمعية والبصرية أو تصويرها أو عرضها فى مكان عام دون ترخيص من هيئة الرقابة على المصنفات الفنية. وهذا يعنى أن الأمر لا علاقة له بحرية التعبير أو فرض رقابة على الاختيار.  أما مقولة الجمهور عايز كده، فهذه مقولة جاءت بعد الانفتاح السداح مداح الذى أجاز ما لا يجوز فنيًا وإبداعيًا من جانب مقاولى الإنتاج السينمائى والغنائى بهدف المكاسب المادية بعيدًا عن أى فن أو إبداع. وهنا وقبل ذلك الانفتاح لم يكن من الغريب أن تختار منظمة اليونسكو قصيدة الأطلال منذ سنوات أغنية القرن، وأن تكون الأطلال حتى الآن أكثر الأغانى استماعًا ومشاهدة مصريًا وعربيًا. لجمال الكلمة وعمق اللحن وروعة الأداء.  نعم المعطيات المجتمعية والتغيرات السياسية ووسائل الاتصال التكنولوجية أفرزت جيلًا آخر ومسمعًا مختلفًا كل الاختلاف، مما أوجد سوقًا لهذه النوعية التى لا يجب على الإطلاق نعتها بمسمى الأغانى.  فهل ياسادة، تحت زعم حرية التعبير وحرية اختيار ما أسمع، نترك المجال لهذه النوعيات الهابطة لممارسات وأداء لا علاقة لها بالفن كلمة ولحنًا وأداءً وأصواتًا.  وهل بهذه النوعية من الكلمات التى تجاوزت كل الحدود والقيم والأخلاقيات. ذلك الكلام الذى لا أستطيع كتابته احترامًا لمشاعر القارئ الذى يتحدث عن زنا المحارم ويتداول الانحطاط اللفظى والخلقى؟ ألفاظ جنسية فاضحة وحقيرة بلغت كل مدى لحدود الانحطاط؟ هنا ما علاقة هذه القضية المفتعلة بحق فى إطار دور القوى الناعمة التى قام بها الفن المصرى بكل أساليبه «سينما ومسرح وأغنية وموسيقى وفن تشكيلى ليس فى مصر فقط، ولكن على المستوى العربى مما جعل السينما يومًا مصدرًا للدخل القومى أكثر من تصدير القطن المصرى!  فهل نترك هذا الذى يحدث «فلا يطاوعنى قلمى أن أقول فن» والذى يقوم بدور لا يقل عن دور المخدرات فى تخريب العقل المصرى؟ ولذا نستغرب كل الاستغراب من الذين يريدون أن يظهروا فى الكادر وفى أى قضية بمواقف لا تتسق مع القيم والأخلاق المصرية لمجرد إثبات الذات المتحققة ماليًا وثرويًا ولكنه المرض «ربنا يشفى».  على العموم هنا أيضًا لا ننكر دور الدولة فى العودة للمشاركة فى إنتاج الأشكال الفنية المحترمة والهادفة التى تعيد لمصر دورها الريادى فى تعزيز قوتها الناعمة والأهم فى مواجهة تلك الممارسات الهابطة، حتى نرتقى بالذوق العام الذى يسهم فى تكوين الشخصية المصرية، خاصة أن الفن يهذب الوجدان ويرتقى بالأذواق ويسمو بالمشاعر. حمى الله مصر وشعبها العظيم من المتاجرين بأى شىء وكل شىء.