رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الأقصر تتجمل بافتتاح طريق المواكب الملكية الفرعونية

لا شك أن الاحتفال، بعد غدٍ الخميس، بافتتاح طريق المواكب الملكية فى العصر الفرعونى أو ما نعرفه باسم «طريق الكباش» سيجعل مصر محط أنظار العالم، وسيكون حدثًا تاريخيًا مدويًا ينبهر به العالم أجمع لتنفيذ هذا الإنجاز الذى تحقق فى مدينة الأقصر، التى تعتبر أهم مقصد سياحى فى العالم.

وتتجمل مدينة الأقصر، حاليًا، ويمضى العمل على قدم وساق استعدادًا لهذا الحدث الثقافى التاريخى، الذى من المنتظر أن يشرفه بالحضور الرئيس عبدالفتاح السيسى وكبار الشخصيات من مختلف أنحاء العالم.

ولـ«طريق الكباش» قصه تستحق أن تروى، فقد ظل مهملًا ومنسيًا طوال قرون طويلة، حتى تلاشى ولم يبق فيه سوى بقايا تماثيل بعض الكباش، وكانت قد بنيت فوقه ومن حوله عشوائيات ومبانٍ سكنية وتعديات عديدة وقمامة ومواقف أتوبيسات، وكنت تستطيع أن ترى طفح مياه فى الطريق حينما تزور مدينة الأقصر، ورأيت هذا بنفسى قبل البدء فى تنفيذ إزالة وإخلاء التعديات عليه فى أول زيارة عمل لى بمدينة الأقصر، حينما تولى مسئوليتها اللواء د. سمير فرج محافظًا فى ٢٠٠٤ ليغيّر وجه الأقصر، ويبدأ فى تحويلها إلى واحدة من أجمل مدن العالم. 

وأنا فى الحقيقة أشعر بالزهو والفرحة لاكتمال تنفيذ هذا المشروع الكبير وافتتاحه، ليكون مزارًا سياحيًا عالميًا جديدًا شاهدًا على عظمة حضارتنا الفرعونية القديمة، وأشعر بالزهو بالجهود التى تمت لاستكمال هذا المشروع الكبير الذى بدأ انطلاقه فى عهد اللواء د. سمير فرج، والتى تم تنفيذها بحيث استطاعت مصر أن تضيف إلى كنوزها من الآثار المبهرة العريقة هذا الطريق الملكى الفريد، إن مدينة الأقصر لها مكانة كبيرة فى قلبى وذكريات محفورة فى ذاكرتى لجهد وفكر وعمل متواصل تسنى لى تقديمه مع بدء تطوير مدينة الأقصر وذلك على يد اللواء د. سمير فرج فور تعيينه محافظًا للمدينة وبدعم من الحكومة المصرية حينذاك، بعدما كانت تعانى من الإهمال والنسيان رغم أهميتها التاريخية، حيث تضم ثلث آثار العالم.

فبعد تعيينه محافظًا لمدينة الأقصر اختارنى اللواء د. سمير فرج؛ لأكون معه فى تحقيق حلمه للمدينة الأثرية، فاختارنى مستشارة للعلاقات الثقافية والخارجية، وهكذا بدأنا رحلة عمل مخلص وبفكر مبتكر لتحقيق حلم جميل بجعل الأقصر واحدة من أجمل مدن العالم، وتم هذا بالفعل بعد أن وافق رئيس مجلس الوزراء د. أحمد نظيف، حينذاك، على خطته طويلة الأمد من أجل تغيير وجه المدينة وتطويرها وتنميتها حتى ٢٠٣٠، وذلك منذ تولى اللواء د. سمير فرج المسئولية فى ٢٠٠٤ حتى ٢٠١١.

وبعد ٤ أشهر من تعيينه محافظًا للأقصر ذهب د. أحمد نظيف، رئيس الوزراء، على رأس وفد رفيع المستوى للأقصر وبصحبته ١٢ وزيرًا للتصديق على خطة تطويرها وتنميتها، وبدأ تنفيذ الخطة فى اتجاهين طريق الكباش ومعبد الكرنك، الذى يعتبر أكبر وأقدم أثر تاريخى فى العالم، حيث تبلغ مساحته ٢٠٠ فدان ويرجع تاريخه إلى ٤ آلاف سنة، وكان المصريون القدماء يعتبرونه بيت الإله آمون، ويكتب الملوك إنجازاتهم على جدرانه عبر الزمن، وانطلق تنفيذ الخطة فور تشكيل لجنة للإشراف على المشروع من د. أحمد نظيف، رئيس الوزراء الأسبق، ود. فايزة أبوالنجا، وزيرة التعاون الدولى سابقًا، وفاروق حسنى، وزير الثقافة الأسبق، ود. زاهى حواس، أمين عام المجلس الأعلى للآثار حينذاك، وأحمد المغربى، وزير الإسكان الأسبق، وبدأ العمل فورًا بعد حصول د. فايزة أبوالنجا على نصف مليار جنيه من الاتحاد الأوروبى لتمويله.

وبالطبع عاصرت أثناء زياراتى المتواصلة والمتكررة للأقصر عوائق وتحديات كثيرة لتنفيذ مشروعات تطوير وتحديث وتنمية المدينة، كما عاصرت شكاوى وتهديدات جاءت للواء د. سمير فرج حينما بدأ فى تنفيذ إزالة المبانى، حيث تلقت منظمة اليونسكو شكاوى عديدة ضده، من بينها شكوى من البعثة الفرنسية التى تعمل فى الكرنك بسبب نقل مقر إقامتها الموجود على النيل وأيضًا إزالة منزل عالم الآثار «لوجران»، حيث أرسلت إليه منظمة اليونسكو تهديدًا بوقف أعمال الإزالة على الفور، ووصل إلى الأقصر بعدها على الفور اثنان من علماء الآثار ولما عرض عليهما خطه التطوير أعجبا بالرؤية وهدفها ووافقا عليها، بل أكدا أنها جديرة بالتنفيذ فى أى منطقة من العالم، والغريب والمدهش بعد ذلك أن اللواء د. سمير فرج حصل على جوائز عالمية لهذا التطوير، مثل جائزة من الاتحاد الأوروبى عن مشروع تطوير ساحة معبد الكرنك، وغيرها، كما حرص أيضًا على تعويض سكان العشوائيات بمساكن جديدة.

وكان من بين ما أسهمت فيه مع اللواء د. سمير فرج تنفيذ خطة لتنمية وتطوير ودعم المرأة فى الأقصر، وبدأنا عملنا بأن أقمنا الندوات التثقيفية لتشجيع السيدات والشابات على العمل والخروج للمساهمة فى دخل أسرهن، وكنت أزور السيدات فى بيوتهن بيتًا بيتًا لتشجيعهن على الخروج للعمل، وهكذا بدأت الثقة وبدأت استجابة جميلة من سيدات النوبة والأقصر، وتم فى وقت قياسى إنشاء مركز تنمية المرأة وإنشاء القرية النوبية لتعليمهن وتدريبهن على الحرف اليدوية المميزة لهن.

وبدأ إنتاج المنتجات التى تباع للسائحين وزائرى المدينة، وأصبح المركز شعلة نشاط يتضمن مختلف الحرف اليدوية وأسهم فى تنمية دخل أسر العاملات به وفى تنمية قدراتهن ومهاراتهن، ولكن علمت من بعض الزائرين للمدينة للأسف أن مركز المرأة الأقصرية لا يعمل الآن، وأن الإنتاج قد توقف، ولعل المانع خيرًا، حيث لم يتسن لى زيارة المدينة منذ أحداث ٢٥ يناير ٢٠١١ حتى الوقت الحالى.

كما علمت أن القرية النوبية لا تزال تواصل دورها فى إنتاج حرف يدوية للسيدات، إلا أن القرية لا تعمل بنفس الكفاءة، ولعل المانع خيرًا، ثم ما لبثت أن توقفت لفترة مشروعات تنمية الأقصر مع الفوضى التى عمت البلاد والمحافظات بعد أحداث يناير ٢٠١١، ومع تخريب جماعة الإخوان لكل شىء طوال العام الأسود منذ ٢٠١١ حتى رحيل جماعة الإخوان بعد الثورة الشعبية التى قمنا بها كشعب يرفض التطرف والتشدد وتدمير البلاد فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣، ثم بدأ استكمال مشروعات تطوير المدينة بعد تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى رئاسة الوطن، وقيادته حركة تنمية وتطوير وبناء وإنشاءات ومشروعات قومية كبرى للنهوض بوطننا العزيز.

وهكذا تم استكمال مشروع تطوير «طريق الكباش» الذى كانت تقام فوقه الاحتفالات بعيد «الأوبت الجميل» مع بداية قدوم فيضان نهر النيل؛ ليمنح أرض مصر الخصوبة والرخاء، وهكذا سيشهد العالم بعد غدٍ الاحتفالات المصرية بتنفيذ هذا الإنجاز التاريخى العظيم بافتتاح «طريق الكباش»، وسيرى العالم عظمة الحضارة المصرية، وهذا الطريق الذى يرجع تاريخه لـ٤٠٠٠ سنة ولا تزال آثارنا العظيمة شاهدة على عظمة المصريين القدماء، وعلى وطن يحترم آثاره التاريخية القديمة ويقدمها للعالم لتصبح مزارات ومقاصد سياحية تبهر الزائر وتضيف للدخل القومى المصرى الكثير وتُشهد العالم على أن المصريين الآن هم أحفاد الفراعنة وهم يجتهدون لإظهارها للعالم فى أبهى صورة.

تحية تقدير لكل من أسهم وقدم جهدًا أو عملًا لإنهاء هذا المشروع العظيم الذى سيبهر العالم كما أبهرنا من قبل بموكب المومياوات الملكية.