رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عبير قورة لـ«الدستور»: «التاج» تجربة أولى لرواية أغلقت نفسي عليها

عبير قورة
عبير قورة

القارئ لرواية «التاج» للروائية والأكاديمية عبير قورة، سيصاب بالدهشة عندما يعرف أنها التجربة الروائية الأولى لصاحبتها، والدهشة لها أسبابها الواضحة في أننا نقف أمام عمل ملحمي يغوص في التاريخ  ويستعيده روائيًا ويأنس ماجري، ويفضح ويكشف ماحدث للمصريين على أيدي المماليك، تكشف رواية “التاج” عبر صفحاتها مدى ما وصل إليه الاستبداد من سطوة وقمع، وكيف لعب المماليك دورًا في فتح نوافذ للفتنة بين مسلمي ومسيحي مصر عبر فترات تاريخها، كيف قسم الغزاة المصريين.

تطوف عبير قورة عبر روايتها الأولى "التاج" بين زمنين مختلفين  يتسرب من الزمن الأول بعض من الجهل القديم، والعتمة ليصب  في الزمن الحاضر ويكشف المصريين عن معدنهم في المواجهة عن رواية "التاج" بكل ما يحمله من إشكاليات حول التاريخ واللغة والسلطة الغاشمة للمماليك كان هذا الحوار مع الروائية عبير قورة.

رواية التاج 

 

لا يعرف الكثيرون أنك بدأت حياتك الإبداعية بكتابة القصة القصيرة، ويبدو أن ثمة هجر لها عبر كتابتك ونشرك لرواية "التاج" حدثنا عن البدايات، ما الذي حرضك ودفعك لكتابة رواية معنية بتلك الفترة من تاريخ مصر؟

سنة 2005  كتبت ثلاث محاولات قصصية ثم توقفت تماما لأني لم أجدها بالقوة والإبداع والعمق الذين أتمناهم وأطمح إليهم، وطوال السنوات الماضية كنت مكتفية بالقراءة والبحث الدائم عما يروي ظمأي لشيء مجهول حتى بدأت في القراءة لمؤرخي العصر المملوكي، المقريزي، بن تغري بردي، بدر الدين العيني، ابن إياس، الدواداري، ودهشت لما كان يحدث في هذا العصر من مآسي ومحن وجرائم، وللأجواء المفعمة بالسحر والتنجيم والتصوف والكرامات، تفجر شيء ما بداخلي وأيقنت أني وجدت بغيتي، كلما كنت أفكر في كتابة رواية كنت أتشتت واستخف بالفكرة حتى ظهر كل شيء أمامي كرؤيا قاهرة، الشخصيات التي تهدر برأسي في اللاوعي وأنا أرفض خلقها بالكلمات فرضت وجودها علي وبدأت في الكتابة عن العصر المملوكي مع شخصيات العصر الحديث.

 

رواية التاج  يمكن وصفها بامتياز استعادة وإحياء اللغة العامية المصرية  في ذلك العصر حدثينا عن  المصادر التي لجأت إليها استعادة هذا العصر؟

كتب المؤرخين تحوي الكثير من اللغة العامية لذلك العصر من أمثال ابن تغري بردي في المنهل الصافي والنجوم الزاهرة وحوادث الدهور،  وبدر الدين العيني في عقد الجمان، وأبو بكر الدواداري في كنز الدرر، فأخذت ما استطعت من هذا الكلمات والتعبيرات وبدأت ما يشبه القاموس لتلك اللغة الرائعة ولكن هناك كتب ومخطوطات تعبر عن هذه اللغة بشكل كبير، كتب ابن حجة الحموي من أمثال بلوغ الأمل في فن الزجل، وخزانة الأدب، ومخطوطة نزهة النفوس ومضحك العبوس لابن سودون، وديوان المعمار الشاعر المصري، وبعض كتب ابن الصفدي مثل تصحيح التصحيف والتذكرة الصلاحية، وغيرها، كلما وصلت إلى مرجع طبي، علمي، فلسفي، صوفي، لهذا العصر سجلت ما وجدته من كلمات عامية تخص طريقة الكلام واللغة في هذا العصر مع المعلومات التي أردتها.

عبير قورة 

رواية التاج جاءت بمزج عالمين وزمنين مختلفين للتاج العائلة الممتدة جذورها من فترة المماليك الى تلك اللحظة الراهنة  هل جاء زمن الحاضر في الرواية للهروب من فكرة المقارنة بين التاج وبين أعمال روائية أخرى؟

في الحقيقة لم افكر في هذا الأمر على الإطلاق، أنا لا أمثل إلا ذاتي وعلى استحياء أعرض ما كتبت كتجربة أولى لرواية أغلقت نفسي عليها، كتبت كل تعبير ورؤية بغياب كبير واستحواذ للأفكار والفلسفات والهواجس تتدافع كشلال لا أستطيع أن أفهم من أين جاء وأين كان سجينا كل تلك السنوات الجوفاء ثم تساقط هادرا من المستحيل إيقافه حتى النهاية والتي لم أرد لها أن تكون النهاية، هناك العديد من الأدباء العظام الذين كتبوا عن هذا العصر مثل الروائي الكبير جمال الغيطاني وأشهر رواياته "الزيني بركات" وسعد مكاوي وروايته البديعة "السائرون نياما" وهناك أدباء في وقتنا الحالي جذبهم هذا العصر مثلما جذبني لكني كنت متأكدة أنني مختلفة، أنني لا أشبه أحدا آخر مهما كان إبداعه أو موهبته ليس لأني الأفضل، أبدا بل لأني عشت في كتابتها عالمًا آخر خاص بي وحدي، عالم هناك له باب سري على هنا، هناك حيث أرض المماليك الجهنمية السحرية وهنا في أرض ريم ومجدي وهشام وحازم وأدهم حيث التمزق الوجودي والبحث عن الهوية، كلٌ له جحيمه وجنته، أذهب وأعود وحدي بجنون واغتراب حتى أنهيتها.             

الدولة المملوكية 

 وإن لم يكن هذا سبب رئيس فماذا عن ضرورة وجود الزمن الحاضر في عمل هدفه استعادة التاريخ وطرح استبداد وسلطوية المماليك وفسادهم؟

هذا العمل ليس هدفه استعادة التاريخ وطرح رؤية عن المماليك فقط، يصعب على أي مؤلف أن يحدد معنى عمله ويحصره في قالب لرؤية واحدة لكن في الرواية الإنسان المصري هو ما يهم، ما حدث له في الماضي في زمن عجيب قاسي ومتناقض فيه العمارة الهائلة والتجارة والأسواق وفيه القهر والظلم والهتك والاستعباد، الهوية المصرية في الحاضر والماضي، الانسان يتعرض لمحن تختلف باختلاف العصر لكن دائما وجوده على المحك، هو في مقابل الأزمات والمصير.

 

المماليك 

 البعض يرى نظرا للانقطاع الزمني في التسلسل الوقتي في زماني السردية، لا توجد علاقة عضوية بين عائلة المعاصرة وتلك المملوكية؟

لقد تركت الأمر للقارئ ورؤيته وتحليله ومقارنته وإحساسه، هناك الكثير من النقاط لكنها ليست متصلة بالشكل التقليدي أي بالرجوع للماضي عن طريق شيء مادي، خطاب، كنز، مذكرات، ولكني كنت أريد ما هو أعمق ما هو أقوى وأكثر بقاء وعمقًا، الهوية المصرية، الجينات، الأزمات الوجودية الساحقة، الانقياد وراء الزمن، ما دورنا في الأحداث، من نكون في مقابل ما نريد وما يحدث لنا.

تضم الرواية أكثر من ثلاثين شخصية  إلى أي مدى ترى الكاتبة عبير قورة  هذا العدد من الشخصيات لايصنع إرباك للقارىء؟

هل هذا مطروح في رواية؟ أن يكون عدد الشخصيات أقل؟ رؤيتي لكثرة العدد هو أن الحياة زاخرة بالشخصيات المتداخلة بالأبطال الرئيسيين ومن معهم ويطلوا علينا من بعيد هم أيضا أبطال وليسوا شخصيات ثانوية، في رؤيتي الرواية الجميلة هي التي لا تعاني من الفقر العاطفي والإنساني وليس بها جفاف على مستوى الأحداث، الأحداث، التفاعل، الجريمة، الزخم الإنساني يحتاج إلى أبطال وشخصيات مختلفة وغريبة،بريئة وشريرة، شبقة ومغتربة، متواجدة أو متسربلة بالأحلام، كثرة الشخصيات هي الحياة.

 ناقشت الرواية العديد من القضايا أبرزها قضية السلطة الأبوية والتى ظهرت بشكل كبير في العصر الحاضر حدثنا عن ذلك؟

السلطة الأبوية التي تعاني منها مجتمعات مجهدة ومنغلقة على عاداتها وموروثها بقبيحه وجيده مثلما تعلن فيها السلطة الأبوية تحكمها باسم الأفضل والأصلح وأن الأب فقط هو من يعرف كيف يكون المثال والكمال لشخصية ابنه أو ابنته، ومن هنا يخنق ويمحي ما يراه سيئا أو ليس جديرا بالاعتناء في شخص ولده من إبداع أو أخلاق أو سلوكيات فيتكون صراع كبير داخل تلك الشخصيات المقهورة وإما أن ينتصر الأب بقتله كل ما كان من الممكن أن يكون معنى ووجودا للابن، أو أن يكون ما بداخل المقهور أقوى من الموت النفسي والقتل الممنهج فينتصر الإبداع والتميز والماهية المتسامية المتفردة، وأنا أرى هذه الأزمة المجتمعية والنفسية جديرة بالكتابة عنها وبلورتها.   

عبير قورة 

لماذا اخترت ابطال روايتك من  طبقة بعينها "طبقة المثقفين"؟

ليسوا من المثقفين المتحذلقين البعيدين عن الآخرين لكنهم من أساتذة الجامعة أو المهتمين بالقراءة أو الفن، لقد أردت قول الكثير والتعبير عن الكثير وبلورة الأزمات بشكل أكثر وضوحا وفجاجة دون أن أقع في فخ التناقض، كنت أرى دائما أن الكثير من الأدباء العظماء يقع في فخ التناقض والمسافة في رسم الشخصيات والتعبير عنها فيأتي ببطل بسيط لم يكمل تعليمه كما ينبغي ويعبر عنه بكلمات معقدة متقعرة تتعارض تمامًا مع شخصه المطروح في الرواية فكأن المتحدث هو الروائي وليس البطل هذه ليست لغة البطل وليست طريقة تفكيره، لقد انمحى في مقابل المؤلف ,وقد حرصت تماما أن أعبر عن كل شخصية بما هي متطابقة مع ذاتها وتنعكس هذه الذات لغة وروحا وعمقًا في الكلمات، وأيضا بالإضافة إليهم يوجد الشخصيات التي نراها في مجتمعنا، الأم هدى ، فتحي التاجر،  ريهام الزوجة القاسية، الحاج عابد من قراصنة الأراضي، غادة الفتاة المتزمتة، ندى خفيفة الظل، هاني النصاب، عباس السمسار، الأب عزيز، نشوى،  كل منهم تتضح شخصيته وتتخذ مكانتها ومكانها في خضم الأحداث. 

 هل سنرى التاج في صورة ثلاثية؟

وأنا أكتب كنت أطمح أن أستطيع إبداع سلسلة من الروايات لعصور عديدة مر بها الإنسان المصري، وأعبر بها عن الكثير مما حدث لنا نحن المصريين من أحداث جسام وتأثيرها علينا وعلى مجتمعنا إنسانيا نفسيًا لغويا فلسفيا، الآن أكتب في الجزء الثاني وأنا لا أعرف ما سيحدث.