رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ليبيا والرئيس فى باريس

قبل ستة أسابيع من أهم حدث تشهده ليبيا، منذ ١٠ سنوات، واستمرارًا لدور مصر المحورى فى دعم المسار السياسى لتسوية الأزمة الليبية، وفى ظل العلاقات المصرية الفرنسية الوثيقة، قام الرئيس عبدالفتاح السيسى بتلبية دعوة نظيره الفرنسى إيمانويل ماكرون، وشارك أمس الجمعة، فى مؤتمر «باريس حول ليبيا»، الذى انتهى بالتوافق على ضرورة إخراج القوات الأجنبية والمرتزقة من الأراضى الليبية، وحث جميع الأطراف على الالتزام بجدول زمنى للانتخابات، التى من المقرر أن تبدأ فى ٢٤ ديسمبر المقبل.

برئاسة فرنسية إيطالية ألمانية، وأممية، وبحضور كامالا هاريس، نائبة الرئيس الأمريكى، وسيرجى لافروف، وزير الخارجية الروسى، جرى توسيع دائرة الدول المشاركة فى المؤتمر، لتشمل دولًا جديدة معنية بالأزمة الليبية، مثل تشاد والنيجر ومالطا، واتفق الجميع، بحسب البيان الختامى، على دعم خطة العمل الليبية لانسحاب القوات الأجنبية والمرتزقة، التى اعتمدتها اللجنة العسكرية المشتركة «٥+٥»، ولوّحت بفرض عقوبات على الأطراف التى تعرقل إجراء الانتخابات، وأكدت ضرورة التوزيع العادل للثروة، وتنفيذ إصلاحات هيكلية للقطاع المالى والعمل على توحيد المؤسسات المالية الليبية. 

من اتفاق الصخيرات إلى مخرجات مؤتمرى برلين ١ و٢ وإعلان القاهرة، وفى إطار ثوابت الموقف المصرى، لم تتوقف جهود الرئيس السيسى، لتعزيز المسار السياسى لحل الأزمة وترسيخ دور مصر كركيزة أساسية للأمن والاستقرار فى محيطيها العربى والإقليمى، غير أن ليبيا لن تستعيد أمنها واستقرارها، ولن تتحقق طموحات شعبها إلا بتكاتف المجتمع الدولى، للقضاء على الإرهاب وحل الميليشيات المسلحة، وإخراج المرتزقة والقوات الأجنبية وتولى سلطة منتخبة للحكم.

المشهد الليبى المرتبك، ازداد ارتباكًا، بإعلان عدد من قادة الميليشيات المسلحة عن رفضهم القوانين الصادرة عن مجلس النواب. كما تواصل الكيانات الإرهابية، التى تستعملها قوى إقليمية ودولية، وعلى رأسها جماعة الإخوان، محاولاتها المستميتة، للانقلاب على خارطة الطريق وإطالة المرحلة الانتقالية وأمد الصراع، كان أبرزها محاولة خالد المشرى، رئيس ما يوصف بـ«المجلس الأعلى للدولة»، عرقلة الانتخابات. وبينما كان ريزدون زينينجا، منسق بعثة الأمم المتحدة، يجتمع بقادة وممثلى الأحزاب، يوم الأربعاء، فى طرابلس، ويؤكد أن أولوية البعثة هى مساعدة ليبيا على إجراء انتخابات «توحد الليبيين وتحقق الاستقرار»، كان المشرى يعقد اجتماعًا مغلقًا، بالرئيس التركى، فى المجمع الرئاسى بأنقرة.

البيان الصادر عن البعثة الأممية، قال إن قادة وممثلى الأحزاب، الذين اجتمع بهم «زينينجا»، اتفقوا على أهمية إجراء الانتخابات، وضرورة بناء توافق، بمساعدة الأمم المتحدة والشركاء الدوليين، يضمن قبول الجميع بنتائج الانتخابات. فى حين أرسل «المشرى»، أمس الأول الخميس، مذكرة إلى رئيس وأعضاء مجلس الأمن، يتهم فيها مجلس النواب، ومفوضية الانتخابات بانتهاك القرارات الدولية. كما دعا إلى «اعتصام سلمى» أمام مقر المفوضية، للمطالبة بإعادة صياغة قانونى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.

الجهود المصرية لتسوية الأزمة الليبية مستمرة على مختلف المستويات وفى جميع المحافل الثنائية والإقليمية والدولية. وتركزت جهود مصر على إيجاد أرضية مشتركة بين الأشقاء لإطلاق حوار وطنى يعالج جذور الأزمة، سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا، بالتنسيق مع الدول الشقيقة والصديقة والأمم المتحدة. وتكرر تحذيرها من خطورة استمرار الصراع المسلح على الأمن القومى الليبى، وعلى دول جوارها العربى والإفريقى والأوروبى، وصولًا إلى وضع الخط الأحمر، والتلويح بـ«أننا قد نضطر لاتخاذ إجراءات لحماية أمننا القومى وحفظ ميزان القوة فى حالة الإخلال به». وكان لهذا الخط الأحمر، التلويح أو التهديد، أثره الواضح على مختلف الأطراف، للانخراط بجدية فى العملية السياسية، التى ترعاها الأمم المتحدة، والتى انتهت بوضع خارطة الطريق الجارى تنفيذها.

.. وأخيرًا، استعاد شارع «رو سان دومينيك»، فى قلب باريس، هدوءه، بعد أن شهد المحاولة الأخيرة، لحل إحدى أكثر أزمات العالم ضجيجًا وتعقيدًا، خلال السنوات العشر الأخيرة. ومع تسليمنا بأن إجراء الانتخابات الليبية خطوة مهمة، حاسمة وفارقة، للانتقال بالبلد الشقيق إلى واقع جديد ونظام سياسى مستقر، لكن المؤكد هو أن ليبيا لن تشهد استقرارًا إلا بسيادة وطنية كاملة على كل أراضيها.