رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هل يختفى الأمريكى القبيح؟!

 

على خير، وبنتائج طيبة، نظريًا أو على الورق، انتهى الحوار الاستراتيجى المصرى الأمريكى، الذى جرى فى واشنطن، يومى الإثنين والثلاثاء، وتناول البيان المشترك، الذى أصدرته وزارتا خارجية البلدين، ما تم الاتفاق عليه، زاعمًا، على خلاف الواقع ولأسباب لا نعرفها، أن «الذكرى المئوية للعلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة ومصر»، ستحل العام المقبل!.

كنا قد أوضحنا، أمس، أن العلاقات المصرية الأمريكية أعيد تأسيسها فى منتصف سبعينيات القرن الماضى، بعد انتقال الصراع من المواجهة إلى الحوار. وأشرنا إلى أن قوة تلك العلاقات أو درجة توافقها أو توترها، اختلفت من إدارة إلى أخرى، حتى تغيرت المعادلة تمامًا بعد ٣٠ يونيو ٢٠١٣. وتمنينا أن تكون إدارة بايدن قد أدركت أن العالم قد تغير، وأن غالبية دوله صارت أكثر تمسكًا بسيادتها وحقوقها غير القابلة للتصرف. وتصادف أن ينشر موقع «بروجيكت سينديكيت»، مقالًا لـ«إريك بوسنر»، Eric Posner، أستاذ القانون فى جامعة شيكاغو، عنوانه «كوارث فيسبوك الخارجية»، ردّ فيه مصطلح «الأمريكى القبيح» إلى أصله، ليصف مارك زوكربيرج، الرئيس التنفيذى للشركة، بأنه أكثر الأمريكيين قبحًا، لتشابه أهدافه مع «السياسة الخارجية الأمريكية» قبل أن تحترق جثتها فى العراق وأفغانستان.

مصطلح «الأمريكى القبيح» كان عنوان رواية منشورة سنة ١٩٥٨ للكاتبين يوجين بورديك وويليام ليدرير، ثم دخل اللغة للإشارة إلى المسئولين الأمريكيين، الذين سعوا إلى تحسين حياة السكان الأصليين، دون أن يكلفوا أنفسهم عناء تعلم لغتهم أو التعرف على ثقافتهم واحتياجاتهم. وعليه أطلق «بوسنر» المصطلح نفسه، أو الصفة نفسها، على سلسلة طويلة من الساسة والمسئولين من كلا الحزبين، الديمقراطى والجمهورى، تصوروا أن تطبيق وصفات بسيطة تستند إلى نسخ مثالية من الديمقراطية والسوق وحقوق الإنسان، من الممكن أن تنجح فى تحويل دول، مثل أفغانستان والعراق، إلى يوتوبيا «مدينة فاضلة» استهلاكية على الطريقة الغربية. فكان أن تسببوا فى أضرار فاقت أى مكسب تحقق على أيديهم.

إلا قليلًا، غاب ذلك «الأمريكى القبيح» عن جلسات الحوار الاستراتيجى. وطبقًا لما جاء فى البيان المشترك، فإن الولايات المتحدة «جددت دعم الرئيس جو بايدن لأمن مصر المائى»، ودعت إلى استئناف المفاوضات بشأن السد الإثيوبى برعاية الاتحاد الإفريقى، تماشيًا مع البيان الرئاسى لمجلس الأمن فى ١٥ سبتمبر الماضى واتفاق إعلان المبادئ لسنة ٢٠١٥. كما أكد الجانبان التزامهما الراسخ بالأمن القومى للبلدين وباستقرار منطقة الشرق الأوسط. وأشادت الولايات المتحدة بما حققته مصر من تقدم على صعيد توليد الطاقة النظيفة، ورحبت بترشيحها لاستضافة الدورة ٢٧ لمؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ.

الجانبان المصرى والأمريكى، كما ذكر البيان، ناقشا الأوضاع فى ليبيا والسودان وسوريا ولبنان واليمن، واتفقا على مواصلة المشاورات رفيعة المستوى حول قضايا الشرق الأوسط وإفريقيا. وأعربت الولايات المتحدة عن تقديرها القيادة المصرية فى التوسط وإيجاد حلول للنزاعات الإقليمية. وأعادت الولايات المتحدة ومصر التأكيد على التزامهما بالتعاون الثنائى فى مجال الدفاع و... و... واتفقتا على استمرار تعزيز التعاون التعليمى والثقافى وفى مجال القضاء وإنفاذ القانون، وتوسيع وتعميق التعاون الاقتصادى والتجارى، وتبادل الأفكار بشأن زيادة الاستثمار، بما يوفر مزيدًا من فرص العمل لشعبيهما.

حول حقوق الإنسان والحريات الأساسية، أجرى الجانبان «حوارًا بناءً»، حسب وصف البيان. وكما رحبت مصر بانتخاب الولايات المتحدة بمجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، رحبت الولايات المتحدة بالاستراتيجية الوطنية المصرية لحقوق الإنسان، وكذلك بالخطط الوطنية لتعزيز حقوق الإنسان فى البلاد بالتعاون مع المجتمع المدنى. واتفق الجانبان على مواصلة الحوار حول حقوق الإنسان.

.. وتبقى الإشارة إلى أن العلاقات الدبلوماسية بين مصر والولايات المتحدة بدأت سنة ١٨٣٢، فى عهد محمد على، بإنشاء القنصلية الأمريكية فى الإسكندرية. ولصلة الولايات المتحدة الطيبة بمصر، ولأنها لم تكن لها مطامع استعمارية، تطورت العلاقات، للدرجة التى جعلت الخديو إسماعيل يستعين، سنة ١٨٧٠، بضباط أمريكيين، لتدريب الجيش المصرى وتنظيمه. ما قد يعنى أننا، حال عودة الأمريكى الطيب، واختفاء القبيح، سنحتفل سنة ٢٠٣٢ بالذكرى المائتين للعلاقات الدبلوماسية بين البلدين.