رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

استعادة الجزويت

قلوبنا مع الأب وليم سيدهم وكتيبة الجزويت الرائعة، لأن الحريق الذى أجهز على مسرح استوديو ناصبيان «ثانى أقدم استوديو تصوير سينمائى فى مصر» أخذ معه ذكريات عظيمة لأجيال من الشباب اكتشفوا إمكاناتهم وتعلموا وعاشوا سنوات مبهجة مع الفن والارتجال، أتردد على المكان منذ إنشاء جمعية النهضة على يد الأب وليم سنة ١٩٩٨.

وشهدت التطورات المذهلة فى السنوات الأخيرة على يد راهبى العمل العام الثقافى فى المكان مثل المخرج محمد طلعت وسامح سامى وهشام أصلان، الدور الذى تلعبه هذه الجمعية بمدارسها المختلفة «مدرسة السينما، مدرسة المسرح، مدرسة الرسوم المتحركة، مدرسة التصوير» هو أهم ما يقدمه المجتمع المدنى فى مجال الثقافة فى مصر، لأن القائمين عليه لا يهدفون إلى الربح، فقط يسعون إلى إشاعة المناخ الإبداعى وتفجير طاقات الشباب، يستطيع أى صاحب موهبة أن يعيش مناخًا حرًا ويتعلم ويشارك وينتج دون تحفظات، طالما التزم بالهدف السامى الذى تعمل الجمعية تحت لافتته، وهو الإبداع، تصدر الجمعية واحدة من أفضل مجلات السينما فى الوطن العربى، وهى مجلة «الفيلم»، التى يرأس تحريرها سامح سامى، وهى مجلة متخصصة لا تبحث عن الإثارة، ولكنها تلقى الضوء بنبرة رصينة على موضوعات وقضايا تهم عشاق الفن السابع لن تحتفى بها الصحف السيارة، الجمعية أنشأت نادى السينما وصالون الجزويت الثقافى، الذى استضاف عددًا كبيرًا من الشخصيات العامة فى جميع المجالات ليتحدثوا إلى الجمهور المتعطش للمعرفة، وأيضًا يوجد العديد من الورش الفنية الحرة والدورات التى تقدم للشباب برسوم زهيدة وبعضها دون مقابل، لقد احترق المسرح كله بكراسيه وأجهزة الصوت والإضاءة وذكرياته ومكتب مديره، ومن فضل الله أن الحريق نشب فى يوم إجازة، ولم يُصب أحد بأذى، ونجحت الحماية المدنية فى محاصرة الحريق باحترافية عالية وكفاءة، لتنقذ المنطقة كلها من كارثة حقيقية، الروح المتفائلة التى ظهرت بعد الحريق خففت من وقع الصدمة، يوجد إصرار حقيقى على عودة المكان كما كان منارة للإبداع واستعادة دوره وحيويته، هذه العودة تحتم تدخل المهمومين بالثقافة المصرية المستقلة، وأتمنى من السيدة وزيرة الثقافة الدكتورة إيناس عبدالدايم أن تدبر مكانًا مؤقتًا حتى لا يتوقف نشاط الجمعية، لأن وجود الدولة فى مثل هذه الظروف ضرورى، وأسعدتنى بعض المبادرات التى خرجت بعد الحريق، مثل موقف نقابة السينمائيين المحترم بتحويل رسوم القيد التى دفعتها مدرسة سينما الجزويت لإعادة بناء المسرح، وأيضًا تقدم النائبة دينا عبدالكريم، عضو لجنة الإعلام بالبرلمان، بطلب إحاطة لدعم المسرح، المسرح كان رئة يتنفس من خلالها شباب كثيرون فى مصر، وعودته لمواصلة نشاطه تعد انتصارًا للخيال فى مواجهة ضيق الأفق، رجال الأعمال «الذين تعنيهم الثقافة ويعرفون أهمية إضاءة مسرح بشارع المهرانى فى الفجالة» يجب أن يمدوا أياديهم، لخدمة الشباب والثقافة والعمل العام، صديقنا الشاعر والناقد وليد الخشاب ذكرنا بحريق الأوبرا قبل خمسين عامًا، ولكنه اعتبر ما يقدم فى الجزويت هو أوبرا الفقراء، وليس أوبرا الطبقات العليا فى المجتمع، المكان كان حضنًا دافئًا لجميع الطبقات، لا مكان فيه للنعرات الطائفية ولا الجغرافية ولا الطبقية، مساحة رحبة تحتفى بالمواهب، ومسرح الجزويت هذا كان فى الماضى استوديو سينمائيًا تملكه أسرة ناصبيان الأرمينية، ويعد ثانى استوديو تصوير سينمائى فى مصر بعد «ستوديو مصر»، الذى أسسه طلعت حرب عام ١٩٣٥. تأسس على يد المصور الأرمينى هرانت ناصبيان عام ١٩٣٩، بالقرب من المستشفى القبطى وسط حى الفجالة، وكان يضم معملًا لتحميض وطباعة الأفلام وقاعات لتسجيل الصوت والمونتاج، وهذا المعمل هو المكان الذى يشغله حاليًا مقر جمعية الجزويت ومكاتبها، وبلاتوه لتصوير المشاهد الداخلية وهو مقر المسرح، بعد ثورة يوليو، غادرت أسرة ناصبيان مصر وباعت أملاكها ومن بينها الاستوديو، قيل إنه تم تأميمه، واستأجره بعد التأميم الفنان رمسيس نجيب وشركته، ومن أشهر الأفلام التى صورت به: «فى بيتنا رجل، أم العروسة، إحنا بتوع الأتوبيس، شفيقة ومتولى، انتصار الشباب، المراهقات، الخيط الرفيع»، لقد تم تصوير وإنتاج أكثر من ١٥٠ فيلمًا فى المكان، قبل ثلاثين عامًا اشترت الرهبنة اليسوعية مقر الاستوديو، وأضافت جزءًا منه لجراج مدرسة العائلة المقدسة، إحدى أعرق المدارس فى مصر، ليصبح الاستوديو هو خلفية المدرسة، حتى بادر الأب وليم سيدهم اليسوعى، بتأسيس جمعية النهضة جزويت القاهرة سنة ١٩٩٨، ونجح فى خلق حالة ثقافية فريدة.. نتمنى عودتها فى أقرب وقت.