رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الحوار الاستراتيجى المصرى الأمريكى

فرصة لإعادة ترتيب الأوراق، ولمراجعة العلاقات بين مصر والولايات المتحدة. وأفلحت الخارجية الأمريكية لو صدقت والتزمت بما تعهدت به فى بيانها الصادر أمس الأول الإثنين، وقامت بتدعيم الشراكة المستمرة، منذ ٤٠ عامًا، مع القاهرة، التى وصفتها بأنها شريكة حيوية لواشنطن.

على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، التقى سامح شكرى وزير الخارجية نظيره الأمريكى أنتونى بلينكن، فى سبتمبر الماضى، واتفقا على استئناف الحوار الاستراتيجى بين البلدين، الذى انعقدت جولته الجديدة، يومى الإثنين والثلاثاء، فى واشنطن، برئاسة الوزيرين.

أعيد تأسيس العلاقات المصرية الأمريكية فى منتصف سبعينيات القرن الماضى، بعد انتقال الصراع المصرى الإسرائيلى، أو المصرى الأمريكى، من المواجهة إلى الحوار. وطوال السنوات الأربعين، أو الخمسين، الماضية، ومن إدارة إلى أخرى، اختلفت قوة العلاقات أو درجة توافقها أو توترها، إلى أن تغيرت المعادلة تمامًا، منذ ٣٠ يونيو ٢٠١٣، بعد افتضاح دوائر التآمر والتخريب، التى قادتها إدارة باراك أوباما، وإدارات سابقة، تحت مزاعم نشر الديمقراطية ودعم حقوق الإنسان. وبعد أن استعادت مصر عافيتها العسكرية والسياسية، وحققت قفزات اقتصادية وتنموية، واستردت دورها أو ثقلها الإقليمى والدولى.

أواخر الثمانينيات، ظهرت فكرة إقامة حوار مؤسسى ومنتظم بين البلدين، وتم بالفعل عقد جولتين، سنة ١٩٨٩، فى عهد بوش الأب، إحداهما فى واشنطن والأخرى فى القاهرة. لكن البداية الفعلية للحوار الاستراتيجى كانت فى عهد الرئيس الأمريكى الأسبق بيل كلينتون، سنة ١٩٩٨، وحسب تقرير مجلس العلاقات الخارجية، فقد كان مجرد «مناسبة لإطلاق التصريحات بشكل عام، وإظهار دعم واشنطن دور القاهرة فى مجالى محاربة الإرهاب وعملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين»، دون أن ينتج شىء ملموس.

المهم، هو أن الحوار الاستراتيجى المصرى الأمريكى استمر خلال إدارة جورج بوش الابن، التى لم تكن تقيم وزنًا للحوار أو الدبلوماسية، فى سياستها الخارجية، ثم شهد عهد باراك أوباما فاصلًا طويلًا، انتهى فى أغسطس ٢٠١٥، بجولة أولى وأخيرة، أعرب جون كيرى، وزير الخارجية الأمريكى، فى ختامها، عن سعادته بزيارة القاهرة، وشكر الرئيس عبدالفتاح السيسى، وكل القائمين على الحوار، الذى وصفه بأنه «ناجح للغاية». وأكد أن مصر تلعب دورًا رئيسيًا فى المنطقة وفى القضايا الدولية، وقال: «نثق كل الثقة فى مصر».

بخروج أوباما من البيت الأبيض، صارت العلاقات بين البلدين سلسة وبلا أزمات تقريبًا، ولم تكن هناك حاجة إلى هذا الحور، خلال إدارة دونالد ترامب، وحلت محلها لقاءات واتصالات متكررة بين الرئيسين ووزيرى الخارجية. وبدا واضحًا أن كل جانب يتفهم اعتبارات الآخر ورؤيته للقضايا التى تشغل البلدين. كما لعب التنسيق والتشاور دورًا مهمًا فى تعزيز السلام والاستقرار فى المنطقة. لكن فى أبريل ٢٠١٧، وبعد لقاء الرئيسين فى واشنطن، قال سامح شكرى إن «الأجهزة الفنية والاقتصادية والأمنية فى البلدين ستعمل على تفعيل الحوار الاستراتيجى، وسترفع توصياتها إلى الرئيسين للموافقة عليها ووضع الآليات التنفيذية». وربما بسبب ضيق الوقت، أو لعدم الحاجة إليه، انتهى عهد ترامب دون استئناف أو تفعيل الحوار. أخطاء فادحة، ارتكبتها إدارة أوباما، توقعنا ألا يكررها نائبه جو بايدن، أو يجد من ينصحه بعدم تكرارها، وبألا يعيد إنتاج تلك الأخطاء أو السياسات التخريبية، التى تسببت فى كوارث بلا عدد، ووضعت الولايات المتحدة على حافة الانهيار المالى، وعرّضت أمنها القومى للخطر، وأضرت بمصالحها فى دول عديدة، أبرزها دول منطقة الشرق الأوسط، وجعلت المزاج الأمريكى العام يرجّح كفة ترامب فى انتخابات ٢٠١٦، ودفعت أكثر من ٧٤ مليونًا إلى التصويت له فى انتخابات ٢٠٢٠، المشكوك فى نزاهتها.

.. أخيرًا، ومع أن قيمة الحوار الاستراتيجى رمزية، إلا أنه قد يكون فرصة لمراجعة العلاقات الثنائية، كما أشرنا، ولتبادل وجهات النظر بشكل مباشر. ونتمنى أن تكون إدارة بايدن قد أدركت أن العالم تغير بالفعل، وأن غالبية دوله، ومصر من بينها أو على رأسها، صارت أكثر تمسكًا بسيادتها وحقوقها غير القابلة للتصرف.