رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الإسلام الإنسانى

لا يوجد إسلام واحد، بل توجد إسلامات عديدة، وهذا يعلمه الدارس للظاهرة الدينية، كما يلحظه الإنسان البسيط. فكل دين سرعان ما يتشظى طرائق قددًا وينتج عنه عدد ليس بالقليل من الفرق والمذاهب والطوائف، هكذا كانت اليهودية والمسيحية، وهكذا صار الإسلام، فبمجرد وفاة النبى الكريم سرعان ما تفرقت أمته لعدد لا ينتهى من الفرق المتقاتلة أحيانًا والمتلاعنة أحيانًا أخرى والمختلفة والمتنافرة دومًا، وما أحاديث الفتن الكبرى والصغرى بالخافية على القاصى والدانى. 

وصفوة القول أن كل دين ونحلة لهما وجوه متعددة، بعضها جميل، وبعضها قبيح، وبعضها بين ذلك سبيلًا.

ودور المجتمع كله أن يعيّن الوجوه الجميلة للظاهرة الدينية على التوسع والانتشار.

وعندما أقول المجتمع أقصد كله، دولة وشعبًا، متدينين وغير متدينين، مختصين بالمعرفة الدينية ومستهلكين لها على السواء.

ويأتى هنا سؤال ما هو الدين الإنسانى الجميل وما هو عكسه؟

نحاول الإجابة معًا فنقول الدين الإنسانى الجميل هو الذى يحب الإنسان، كل إنسان من حيث هو إنسان ويرحمه ويقدره، وهو أيضًا دين لا يحض على الكراهية والبغضاء إزاء المختلف معه دينيًا ومذهبيًا.

وهو دين ينبذ العنف ويتبع مذهب ابن آدم الأول «لئن بسطت يدى إليك لتقتلنى ما أنا بباسط يدى إليك لأقتلك»، وهو دين ينشر مكارم الأخلاق بين بنى الإنسان بالمساواة بين القوى والضعيف، بين الأبيض والأسود، بين الأنثى والذكر، بين المعتنق له والمصدق به، وبين الرافض له والمكذب به.

وكذلك هو دين يؤمن بأن الله خلق الناس مختلفين وجعل عقولهم نسبية يستحيل أن يجتمعوا على قول واحد ضيق ومذهب متشنج أوحد، فجمال التجربة الإنسانية فى تعددها وتنوعها وتكاملها، ولم يجتمع الناس قط على قول واحد أو مذهب أو دين أو فلسفة أو إله منذ مشى الهوموسبيان على الأرض ونحن كذلك.

أما المذهب الدينى أو الفلسفى القبيح هو الذى لا يتصف بشىء مما سبق كليًا أو جزئيًا، ويرى هذا المذهب المتعنت أنه وحده يمتلك الحقيقة المطلقة وغير المتبعين له مباحو الدم أو العرض أو المال أو يستحلون كل ذلك أو بعضه.

وكذلك المذهب القبيح الذى يظن أنه له مختارية وأفضلية على سائر بنى الإنسان وأنه الأطهر والأنقى وغيره الأنجس والأحقر.

وكذلك يتعامل مع البشر بمنطق العصابات الإجرامية، فمن معنا له كل الحقوق والاحترام، ومن ليس معنا هو عدو أو جاهل أو عميل أو غبى أو مأجور.

والويل كل الويل لمن كان متبعًا المذهب القبيح وصرح بأنه فاسد، مهما أعطى من مبررات عقلية وأخلاقية، فهذا له من الكراهية والبغضاء أضعاف ما لباقى البشر ويستبيح المذهب الإجرامى دمه وعرضه وماله، فتارك المذهب، المكتشف نقاط ضعفه وخباياه المخزية خطر داهم أكثر من المخالف غير المنتسب له بتاتًا.

وهذه الأديان والمذاهب الإنسانية الجميلة وُجدت قديمًا وحديثًا، بل كانت أديان العالم القديم «مصر القديمة وبلاد الرافدين، وكذلك بلاد الهند والصين» لها وجوه كثيرة من الجمال والرحمة والإنسانية، وكانت بعدها فترة العصور الوسطى أقل حظًا من ذلك، لكنها لم تخل من وجوه جميلة للتدين فى الإسلام الصوفى والمسيحية المتصوفة وغيرها من الأديان المحلية فى حوض البحر الأبيض المتوسط.

وجاءت العصور الحديثة، وكانت عصور العقل النقدى والعلم الحديث والفلسفة بمذاهبها، واحتوت أيضًا على تلك النزعة الإنسانية الجميلة جلية واضحة أحيانًا وخفية لا تكاد ترى أحيانًا أخرى. 

فهيا معًا جميعًا نحاول إفشاء أديان ومذاهب وفلسفات السلام والحب والرحمة بيننا، ومقاومة دعاة الحرب والكراهية والغلظة والإرهاب من كل دين إبراهيمى شرق أوسطى أو غير إبراهيمى فى كوكب الإنسان شرقًا وغربًا، وكذلك من كل فلسفة وأيديولوجية يسارية أو يمينية، وبالحق والخير والجمال نحيا ولها نعيش.