رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حِب كتير وامشى كتير.. وكل قليل!

شعار أروج له ضاحكا  بين الأصدقاء وغير الأصدقاء، فيستقبلونه أيضا ضاحكين..
ليهتفوا: أيوه.. ناكل قليل.. ونمشي كتير.. إنما نحب كتير.. ماينفعش!!
ورفضهم.. ربما "الظاهري" لأن "نحب كتير".. ربما لظنهم أن مقصدي بالحب عشق النساء.. وليس أصناف الحب الأخرى.. وما أكثرها!
وعشق النساء ليس فقط ما أعني.. فما الحب بين "هو" و"هي" ليس سوى رقرقة أو موجة في محيطات المحبة العميقة.. وكلها مطلوبة بل حتمية..
فكيف لمخلوق ألا يحب خالقه!!
وكيف لمواطن ألا يحب وطنه!!
كيف لا أحب أبي.. أمي.. معلمي.. جاري!!
لكن السؤال المهم: كيف يكون الحب؟!
إن أحد أعظم أخطاء سلفية البترودولار، التي هبت علينا أعاصيرها من شرق البحر الأحمر عقب هزيمة ٥ يونيو ١٩٦٧ كبديل للقومية العربية التي فشلت في حماية الأمة من المد الصهيو أمريكي- أحد أكبر أخطاء تلك السلفية تسطيح الخطاب الديني.. فمحبة الخالق من منظورهم الضيق أن نمضي الليل نذكره سبحانه وتعالى ونصلي ونبتهل ونقرأ القرآن.. فماذا عن أوامره ونواهيه فيما يتعلق بحياتنا اليومية؟! لا شيء..
وجاء هذا على هوى مافيا الانفتاح والحزب اللاوطني.. كلٌ يمسك سبحة وكلٌ يبسمل وكلٌ يتوجه إلى الأراضي المقدسة كل عام ليحج.. ويشحن طائرة العودة ببراميل زمزم.. وفي الوقت نفسه كل يسرق وينهب ويرتشي ويستبيح أموال الدولة..!!
والنتيجة أن المجتمع المصري غرق في الفساد.. ولا نظن أننا نأتي بما يغضبه سبحانه وتعالى، طالما أننا نمضي الليل قياما وقعودا نبتهل ونصلي على النبي الكريم آلاف المرات.. فإن أقدمنا على فعل بسملنا، طبقا لتعليمات مشايخنا.. فماذا عن طبيعة هذا الفعل نفسه؟.. لا أحد يسأل أو يبالي..!

وكما نرى قبل أن يبدأ الطالب الإجابة عن أسئلة  الامتحان.. يبسمل ويدعو الله أن يوفقه.. ثم ينهمك في تحويل اللجنة إلى معجنة غش..!
والحرامي قبل أن يبدأ في كسر الخزنة.. يبسمل ويدعو الله أن يوفقه.. فإن وجد أموالا ربما توضأ وصلى ركعتي شكر قبل أن يغادر المكان..!! هذا النهج في محبة الله طفح أيضا على أساليبنا في محبة الوطن.. حيث اختزلناه على سبيل المثال في التلويح بأعلام  الدولة في مدرجات ملاعب الكرة.. وفي الوقت نفسه نرمي مخلفاتنا من قشر لب وفوارغ المشروبات ومخلفات الطعام  في المدرجات والشوارع التي تقودنا إلى المدرجات..!!
مشايخنا لم ينبهونا أبدا إلى أن الحب في النهاية سلوك..

حبنا العميق للنبي، عليه الصلاة والسلام، ليس أن نمسك حاسبة ونعدد الصلاة والسلام عليه وآله وصحبه آلاف المرات كما يلح مشايخنا.. 
نعم نصلي على النبي.. لكن ما لا يقل أهمية أن نقتدي بسلوكياته..
هذا هو الحب الذي حثنا عليه النبي الكريم عبر حديثه الشريف: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه».. وهذا ماقصدته بعبارتي «حب كتير»..

….

فماذا عن المحور الثاني.. أعني «امشي كتير»؟

زمان.. في قريتي المعصرة بلقاس، في مطلع الستينيات، كان في القرية سيارتان فقط لعائلتين ثريتين.. كان الناس يمضون أعمالهم مشيا.. حتى التوجه إلى مدينة بلقاس على بعد ٤ كيلومترات أو العزب المجاورة.. يتم مشيا..
الآن.. غالبية البيوت بها سيارات أو غيرها.. الآن يزور الجار جاره، إن لم يكن لديه سيارة فبالتوك توك..!!
وهذا ما ألحظه.. كثير من العائلات في القاهرة تمتلك سيارتين وثلاثا.
الآن.. كثير من الشباب يدخلون الحمام بسيارة..!
الآن.. كثير من ملاك السيارات كلٌ يريد بجوار سرير نومه باركنج للسيارة..
في مسجد الحاجة حورية سليم، بالتجمع الثالث، ألتقي بكثير من الجيران في صلاة الجمعة أو غيرها من الفروض.. كل يأتي بسيارته.. رغم أن المسافة بين المسجد وبيته ٥ أو ١٠ دقائق..
وهذا حال الشباب.
مرة كنت متوجها إلى مقر عملي.. مؤسسة أخبار اليوم في شارع الصحافة.. فتاة في العشرينيات تصعد إلى الميني باص في رمسيس، وتغادر معي أمام مبنى الأهرام، كانت متوجهة أيضا إلى مؤسسة أخبار اليوم.. مسافة إن قطعتها مشيا لن تستغرق عشر دقائق، في الوقت الذي قد يقطعها الأتوبيس في نصف ساعة لاكتظاظ الشارع بكل ما هو معيق من بشر وسيارات وباعة جائلين!
وكما نرى.. حالة من التهافت الغريب من قبل الشباب والأسر على شراء السيارات.. حتى ولو بالاقتراض المزعج..
شركات السيارات تنتهز ذلك لترفع من أسعار سياراتها بشكل جنوني..
أي سيارة هنا بنصف مليون جنيه لا يزيد سعرها في دول أخرى على ٢٠٠ أو ٢٥٠ ألف جنيه..
حين رفع بعض من شبابنا شعارهم "خليها تصدي"، خلال حملة مقاطعة ناجحة للسيارات، انهارت أسعارها.. ليس إلى حد الخسارة.. بل كان أصحاب الشركات يربحون، إلا أنه الربح الذي يتفق وهويته كمسلم..
ما أشد حاجتنا إلى رفع هذا الشعار الآن.. صفعة على وجوه تجار السيارات مجددا ليكفوا عن جشعهم..
وحتى إن اشترى أي منا سيارة.. فليكن حريصا ألا يكون عبدا لها.. فقط في المهام التي يصعب عليه استخدام خيار آخر.. تاكسي.. أوبر.. سيارات النقل العام.
وليكن عادلا في تقسيم الشوارع بين عجلات سيارته وقدميه.. المشاوير التي يمكن أن يقطعها سيرا على الأقدام فلا يتوانى.. هذا ليس فقط توفيرا للبنزين، بل ووفرة لصحته.. لكن أي طريقة للمشي منهج..

المدهش.. هذا الذي سمعته من الصديق د.عبدالرحمن سالم، أستاذ العلاج الطبيعي ومدير ومؤسس مركز التأهيل المتكامل والعلاج الطبيعي في نيويورك، إجابة عن سؤالي.. حيث يرى أن المشية العسكرية- ولا مشية سواها- هي الأفضل صحيا للإنسان..
ولدى د.عبدالرحمن، وهو أستاذ معتمد في جامعة نيويورك، مبرراته العلمية حول منافع المشية العسكرية، سأوردها إن شاء الله في مقال مقبل عن هذا الطبيب الذي لديه الكثير من الحلول لآلام ملايين المصريين الذين يعانون من مشاكل في العمود الفقري والرقبة والركبة  والأطراف.. وبعض هذه الأمراض قد يكون الطبيب المعالج لها.. المريض نفسه!.
.........

وماذا عن المحور الثالث من شعارنا الذي يراه البعض مضحكا: حب كتير وامشي كتير وكل قليل؟
أعني عدم الإسراف في الطعام..

يقول الرسول الكريم: "ما ملأ آدمي وعاء شرًا من بطن، بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه».. حديث للنبي، الذي نصلي عليه آلاف المرات كل يوم وبعضنا لا يعمل به.. هؤلاء الذين يظنون أن مفتاح الصحة والعافية ابتلاع طن من الطعام في كل وجبة.. وقد يكون ظنهم هذا وهما.. ويبدو ذلك جليا فيما يجري طهيه كل يوم من طعام.. خاصة في منازل الطبقات المتوسطة وفوق المتوسطة والأثرياء ليلقى قدرا كبيرا منه في صناديق «الزبالة».. 
وهذا ما ألحظه ويلحظه غيري  في الفنادق والمناسبات.. يحشد المصري مائدته بطن من اللحوم والأسماك وكل أنواع الغذاء التي يجلبها من الـ"أوبن بوفيه" ليبدأ في التهامها.. لكنه بالكاد ينتهي من ربعها مثلا..
وفي قرانا السياحية بالبحر الأحمر وشرم الشيخ يشكو مسئولو الفنادق من أن النزلاء المصريين يخلفون على موائدهم من ٥٠٪ إلى ٦٠٪ من الطعام.. ليلقى في «الزبالة».. في مقابل ٤٪ من طعام النزلاء الأجانب..
وهذا الوهم يسيطر على بيوت المصريين في رمضان.. حيث ثمة اعتقاد بأنه طالما ثمة صيام فلا بد من التعويض في وجبتي الإفطار والسحور.. ليتحول المطبخ المنزلي إلى خط إنتاج يلقي على مائدة الإفطار بكميات هائلة من الطعام المتنوع.. مصير بعضه صناديق «الزبالة»..
نفقات المصريين على الغذاء تصل في شهر رمضان لأكثر من ٥٥ مليار جنيه.. بينما في الشهور العادية حوالي ٣٠ مليارا.
"على أية حال.. لا داعي للقلق.. لدينا ما يقرب من ٣٠ مليون مواطن تحت خط الفقر.. يروضون جوعهم بما يلقيه سفهاؤنا من طعام في صناديق الزبالة..!"
لكن بالطبع.. بعضنا شره.. ويظن كما قلت أن تناوله كميات كبيرة من الطعام طريقه إلى الصحة والعافية والعمر المديد..
وهو أيضا وهم.. فما أكثر الأمراض التي يسببها الإسراف في تناول الطعام.. أمراض بلا مبالغة تقصف العمر.. فإن  لم تقصف العمر تجعل الإنسان يعيش باقي عمره شبه إنسان! بدانة وسرطان وسكر و….
في النهاية.. الأكل ثقافة..
والمطلوب.. بل من الحتمي أن  يكرس نظامنا التعليمي وإعلامنا ثقافة غذائية سليمة.. تنساب في شرايين أحفاد إيزيس.. ميت مليون صحة وعافية!