رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ذكرى تحرير سعر الصرف.. أين كنا وأين أصبحنا؟

تمر علينا اليوم السنة الخامسة لتحرير سعر الصرف فى الثالث من نوفمبر عام ٢٠١٦، فى تقديرى الشخصى هذا اليوم يمكن تسميته «عيد الاقتصاد الوطنى»، أتذكر جيدًا سيل الهجوم والانتقاد اللاذع والسخرية بوجه كل من دعم القرار التاريخى، وأتذكر فى الوقت نفسه سيل الأزمات الطاحنة التى كنا نعانى منها بسبب السوق السوداء للعملة الصعبة من نقص فى الأدوية والسكر ولبن الأطفال، كنا نشهد ارتفاعات للأسعار كل بضعة أيام بدعوى «السوق السوداء» التى كانت وقتها مبررًا لأى شركة أو تاجر أو سوبر ماركت للتلاعب بالأسعار.

فى ذلك الوقت كان لدينا مبلغ فى خزانة البنك المركزى لا يكفى لتلبية احتياجاتنا من الخارج لمدة شهر ونصف الشهر، هذا المبلغ كان لا يتجاوز عتبة ١٤ مليار دولار، وكان لدينا مخزون من القمح يكفى استهلاكنا لمدة ٤٥ يومًا فقط، المصانع كانت معطلة لأنها لا تستطيع تدبير الدولار اللازم لاستيراد المواد الخام، كذلك الشركات كانت تعمل بنصف طاقتها القصوى، وبدأ معدل البطالة فى الارتفاع وظهرت معه ندرة فى بعض السلع الأساسية مع طوابير على أنابيب البوتاجاز واشتباكات بين المواطنين وبعضهم فى بعض المناطق.

تحويلات المصريين بالخارج كانت لا تدخل الجهاز المصرفى بسبب مافيا السوق السوداء المتصلة فروعها بين دول الخليج ومصر، الصادرات أيضًا كانت متدهورة وفى أضعف حالاتها بالتوازى مع الاستثمار الأجنبى الذى شهد تخارج وهروب عدة شركات مثل مرسيدس والخطوط الهولندية وغيرها الكثير، كان الوضع الاقتصادى بالغ السوء وبيئة طاردة للاستثمار الأجنبى مع جنوح المستثمر المحلى عن أى توسعات واستثمارات جديدة حتى تنقشع الغيوم وتتضح الرؤية وتُعرف الوجهة التى نتجه إليها.

حتى تم الاتفاق مع صندوق النقد الدولى وتم الإعلان عن تحرير سعر الصرف تمامًا ونهائيًا، الرئيس السيسى كان على استعداد لإقالة الحكومة وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة يوم السبت لو رفض المصريون القرارات الاقتصادية التى تم اتخاذها الخميس، كما صرح سيادته فى أحد المؤتمرات قبل عامين، ومع ذلك كانت ثقة القيادة السياسية فى المصريين بمحلها، تقبل الناس القرار، وإن كان على مضض، على أمل فى غدٍ أفضل، بعد أن صدقوا ووضعوا ثقتهم فى رئيس الدولة وأن علينا جميعًا، حكومة وشعبًا، تحمل تبعات هذا الطريق الشاق الذى سارت فيه كل الشعوب التى سبقتنا مثل تايوان والصين وتايلاند وكوريا.

واليوم نقف بعد ٥ سنوات على هذا اليوم التاريخى، وننظر خلفنا لندرك حجم ما أنجزناه بفخر، وهى الإنجازات التى يمكن تلخيصها فى هذه المؤشرات التى تعقد مقارنة بين الوضع قبل تحرير سعر الصرف والوضع الآن:

- الاحتياطى النقدى ارتفع بـ١٠٨٪.

- تحويلات المغتربين ارتفعت بـ٨٣٪.

- حصيلة الصادرات ارتفعت بـ٦٠٪.

- إيرادات السويس ارتفعت بـ١٤٪.

- إيرادات السياحة ارتفعت بـ٣٠٪ (زيادة قليلة بسبب الجائحة).

- حصيلة الاستثمار الأجنبى ارتفعت بـ٣٠٪ (زيادة قليلة بسبب الجائحة).

كل هذا تنجزه مصر، أثناء أزمات متزامنة وعميقة ومكثفة يمر بها الاقتصاد العالمى كما لم يحدث منذ الحرب العالمية الثانية، أوجزها فيما يلى:

- جائحة كورونا والمتحورات.

- تحدى توريد اللقاحات وتوفيرها لكل المواطنين.

- أزمة ارتفاع أسعار الغذاء العالمية.

- نقص الطاقة من نفط وفحم وغاز طبيعى ومُسال.

- تعطل سلاسل الإمداد.

- التغير المناخى والطقس القاسى ونقص الإنتاجية الزراعية.

ومع ذلك استطاعت مصر أن تحقق الاكتفاء الذاتى فى عدد كبير من السلع، وفى سلع أخرى رفعت من نسبة الإنتاج مقارنة بسنوات ماضية، ومن السلع التى حققنا بها ١٠٠٪ اكتفاءً ذاتيًا:

- الخضروات،

- الفاكهة

- الأرز

- البصل

- الذرة البيضاء

فى الوقت نفسه وعبر مضاعفة الاستثمارات الزراعية بخمسة أضعاف ما كانت عليه فى ٢٠١٥، استطعنا أن نرفع قدراتنا على التخزين، وهو ما ساعدنا أن ننجو ونتفادى الأزمات التى يمر بها العالم خاصة نقص الغذاء، فعلى سبيل المثال كانت معدلات كفاية المخزونات حتى سبتمبر الماضى كما يلى:

- اللحوم الحية- مخزون يكفى ٢٠ شهرًا.

- السكر- مخزون يكفى ٦.٤ شهر.

- القمح- مخزون يكفى ٦ أشهر.

- الدواجن- مخزون يكفى ٥.٨ شهر.

- الزيت والمكرونة- مخزون يكفى ٥ أشهر.

- الأرز- مخزون يكفى ٤.٥ شهر.

وبعد ٥ سنوات على تحرير سعر الصرف، نستطيع أن نشهد بأعيننا كيف كان هذا القرار التاريخى هو بمثابة إطلاق لكل القدرات الكامنة والإمكانيات الدفينة للاقتصاد والأمة المصرية، والتى لولا إرادتها الصلبة على اجتياز الصعاب وتحمل مشاق طريق الإصلاح والتنمية لما كنا وصلنا إلى تحقيق هذه المعدلات من الأداء الاقتصادى المذهل وغير المسبوق، منها على سبيل المثال:

- معدل البطالة عند أفضل مستوى فى ٣٥ عامًا «٧.٢٪».

- عجز الموازنة عند أفضل مستوى من ٢٠١١ «٧.٤٪».

- الاحتياطى النقدى عند ثانى أعلى مستوى فى تاريخه «٤٠.٨ مليار دولار».

- الصادرات المصرية حققت نموًا بـ٦٠٪ بين ٢٠١٥ و٢٠٢٠.

- تحويلات المغتربين حققت نموًا بـ٨٣٪ بين ٢٠١٥ و٢٠٢٠.

- معدل النمو يظل فى المنطقة الخضراء «٣.٦٪» ضمن دول قليلة فى ٢٠٢٠ بينما العالم كله فى ركود.

- مصر تتصدر قائمة الدول الإفريقية فى جاذبية الاستثمار الأجنبى المباشر للعام الرابع على التوالى فى ٢٠٢٠.

- نسبة مساهمة الطاقة المتجددة فى مزيج الكهرباء تصل إلى ٢٠٪.

- تحقيق الاكتفاء الذاتى من الغاز فى ٢٠١٨ والتصدير بدءًا من ٢٠١٩.

- التحول من العجز الكهربائى إلى الاكتفاء الذاتى ثم التصدير لدول الجوار.

٣ نوفمبر ٢٠١٦ يوم مشهود فى تاريخ الاقتصاد المصرى، وسوف يظل هو تاريخ بدء الانطلاقة الحقيقية للدولة المصرية فى طموحها نحو تبوؤ مكانتها الحقيقية بين أقوى وأفضل ٣٠ اقتصادًا على مستوى العالم بنهاية العقد الحالى.