رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عمر العسرى: الشاعر العربى يحتاج التفاعل مع التاريخ المؤجل للإنسان المعاصر

عمر العسري
عمر العسري

تحت عنوان "المقر الجديد لبائع الطيور"، صدر مؤخرا عن دار أكورا - طنجة للنشر، أحدث إبداعات الشاعر المغربي عمر العسري، وهو العمل الشعري الرابع بعد دواوينه: "عندما يتخطاك الضوء" 2009، "يد لا ترسم الضباب" 2010، "من أي جهة يأتي الصياد" 2017 .

وفي تصريحات خاصة لــ"الدستور"، قال الشاعر عمر العسري، عن كتابه الشعري "المقر الجديد لبائع الطيور": يقع هذا الكتاب الشعري في مائة وثلاثين صفحة، من الحجم المتوسط، ويضم قصائد تمثل، في تجربتي، خطابا تتقاطع فيه الحياة المعاصرة الجديدة بالتخييل وطبيعة تخليق الوجود، وهندسته على نحو يحاكي أمزجة ومصائر الناس المنفتحة على المجهول واللامرئي.

وتابع "العسري" موضحا: أعتبر هذا الكتاب مثل منفذ شعري للإغاثة، من خلاله أتوج رحلتي الكتابية  بالابتعاد عن شعرية المطابقة والمماثلة، والاشتغال على شعرية مختلفة في تشكلها وبنائها. فقد حان الوقت للإقلاع بالشعر، وجعله يطرق جغرافيات لامرئية، وطبوغرافيات سرية.

وقد أسعفتني، في هذه التجربة، عملية رتق العلاقة بين الأنا ووجودها، والتقاط ما لا يلتقط، وفق منطق جديد داخل فضاء شعري له يافطة ومنفذ مجازين لهذا المقر الشعري.

ولفت "العسري" إلى ثمانية وثمانين مقطعا شعريا موزعا على إحدى عشر قصيدة، هذا هو التوزيع النصي والبصري لنصوص الديوان، وهي، في الآن ذاته، تترجم المسار الذي ارتضيته لهذه التجربة التي تطلبت مني أربع سنوات من الكتابة وإعادة الكتابة.

لقد تبدى لي ارتباط الشعر بالمصير من صلب الوفاء والوعي الكتابي لهذا الجنس، وهو ما يكشف أن الشعر لم يكن البتة مجرد لحظة في مشغلي، وإنما كان المسار الكتابي الذي هيأ لي الانتقال من تجربة إلى أخرى، ومن طقس إلى آخر.

لقد ظل الشعر، من داخل هذه الوشائج التي قد لا ترى، بانيا لمساري الكتابي في السنوات التي شهدت فيها صمتا مقصودا. وهو الصمت الذي ترجمته المدة الزمنية بين المجاميع الشعرية. رؤية انتظمت وفق دائرة فردية وذاتية احتكمت إلى عين طوافة تلتقط الصاعد والنازل، باعتبارها رافدا شعريا وحاجة يتطلبها الشعر ذاته.

وأضاف "العسري": لقد وجهت الديوان نحو مسار العلاقة ذاتها، وحول نمط الارتباط بالمصير الوجودي، بصورة لم تكف خيوطها على امتداد حياة قصائد "المقر الجديد لبائع الطيور". وإلى جانب هذا المسار المنطوي على أسراره، فإني أحس بأني قريب جدا مما أكتبه، بل أجد نفسي في نصوصي إلى حد التطابق والشبه. ولكي أصل إلى هذا الإحساس، تطلب مني التخلص من الأصوات الشعرية الأخرى، وهجر الشعر البعيد هوية كاتبه، وتجاوز الأنماط الطاووسية، التي لا تلامس كنه الحياة وجوهرها.

عموما، الحديث عن "المقر الجديد لبائع الطيور" قد يضعنا أمام التجربة الشعرية العربية في ممارستها النصية، وهي ممارسة فضلت، في غالبية التجارب، الانشغال بالأبعاد الغيرية، ولم تعضد شعريتها بسؤال الكتابة. فالتراكم النصي المتحقق لم يدرك بعد أن الافتتان بالمجهول هو كنه الشعر، وهو المرجح في الأعمال الكبرى. ولا تعود هذه الرؤية فقط إلى تداخل الشعر والأدب، وإنما تستلزم الانفتاح والالتفات إلى أسانيد  غير أدبية حتى يتحقق بلغة بورخيس صنعة الشعر.

واختتم "العسري": الشعر صناعة وتقنية ورؤية، وما تنصيص الشعراء العالميين على الطاقة المعرفية إلا بغاية أن يضاهي الشعر الفكر.

قد يكون الشعر العربي المعاصر قد حقق تحولا، لكنه غير كاف، بالنظر إلى تعدد المصادر وتنوع المعارف والفنون. إن إدراك المجهول واللامرئي، لا يتكشف، على مستوى الممارسة الكتابية فحسب، بل لا بد من تجريب يفضي الى اليقين، وهذا أساس النبرة الارتيابية المخترقة للكتابة الشعرية.

يحتاج الشاعر العربي إلى التفاعل مع التاريخ المؤجل للإنسان المعاصر، والانحياز أكثر إلى بيئته، وعدم خلق المسافة بين إيقاع العيش الذاتي وإيقاع الحياة المدينية، لأن القصيدة المعاصر ة بنت المدينة المتغيرة باستمرار.

249512195_358513982716382_7782862309881459730_n
249512195_358513982716382_7782862309881459730_n