رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

خط الكهرباء المصرى السعودى وتحول مصر لمركز للطاقة

أعلن وزير الكهرباء المصرى يوم ٣٠ سبتمبر الماضى عن اعتزام مصر والمملكة العربية السعودية توقيع عقود مشروع الربط الكهربائى بينهما عبر البحر الأحمر فى ٥ أكتوبر المقبل، على أن يتم البدء الفعلى فى التنفيذ خلال عام ٢٠٢٢، ورغم أن التصريح أطلق على هامش افتتاح مركز التحكم الآلى لشبكة كهرباء القاهرة الجديدة، فإن توقيع هذا العقد يُعد الفصل الأخير والمتمم لجهود مصر فى التحول لمركز إقليمى لتداول الطاقة.

فبالتوازى مع تأكيد دورها كمُصدر للغاز الطبيعى إلى أوروبا، خلال السنوات الـ١٥ المقبلة، عن طريق اتفاقية لإعادة تصدير ٨٥.٣ مليار م٣ من الغاز الإسرائيلى، بعد تسييله فى مُنشأتى إدكو ودمياط، بقيمة ١٩،٥ مليار دولار، واتفاق إطارى مع قبرص، ربما سيفرز عقدًا نهائيًا بذات المدة أو أقل قليلًا، بما نصّب مصر كشريك استراتيجى لأوروبا، يُعتمد عليها فى ظل أزمات كتلك التى تضرب القارة العجوز حاليًا، ويتوقع تكرارها فى المستقبل، مع تنامى الخلافات الغربية الروسية.

كانت مصر قد عملت على تعزيز دورها كمُصدر وناقل إقليمى للكهرباء فى المنطقة، عن طريق مد خطوط ربط لنقلها مع جميع الجيران، حيث ترتبط مع ليبيا ودول شمال إفريقيا بخط بقدرة ٢٤٠ ميجاوات، ترتفع مستقبلًا إلى ٥٠٠ ميجاوات، وآخر مع الأردن وبلاد الشام والعراق بقدرة ٤٥٠ ميجاوات، وقعت اتفاقيات لزيادتها إلى ٣ جيجاوات، لتصل إلى العراق بما يلبى احتياجاته المتنامية، ويقلل اعتماده على إيران وتركيا. 

كذلك تجرى حاليًا إقامة خط آخر بقدرة ٣ جيجاوات يربطها مع القارة الأوروبية عبر البحر المتوسط، بعد المرور بقبرص واليونان، وأخيرًا توجت هذه الشبكة من الخطوط بالخط محل الحديث، للربط مع المملكة العربية، التى تربطها مع دول الخليج الخمس الأخرى منظومة ربط كهربية موحدة، بما يضمن لمصر، ليس فقط تصدير الفائض من قدرتها الكهربية، والبالغة فى الوقت الحالى ٢٦ جيجاوات، بل وتمرير الفائض الخليجى من الكهرباء إلى مناطق العجز، سواء فى الشام، إفريقيا أو أوروبا بعد إتمام الربط مع أوروبا.

تحول مصر لمركز إقليمى لنقل الكهرباء لا تقتصر أهميته لأوروبا على تقديم بديل للغاز الروسى، بل مساعدة القارة فى تحقيق أهدافها المناخية، خاصة أن الكهرباء ستصلها جاهزة للاستهلاك الفورى، دونما اضطرار لحرق الغاز مقدمًا للحصول عليها، كذلك يقدم فرصة مريحة للاستثمار فى الطاقات المتجددة التى ستنتج مصر منها ما إجمالية ٩٠ جيجاوات كاملة بحلول ٢٠٣٢. كذلك لا تقتصر فوائد المشروع الاقتصادية لمصر على عوائد تصدير الكهرباء المحلية، ورسوم مرور الكهرباء الخليجية، بل تتجاوز ذلك إلى خلق عشرات الآلاف من فرص العمل فى محطات الطاقة الشمسية، والرياح التى يعتمد المشروع أساسًا عليها، والتى سيجرى تشييد المئات منها حتى ٢٠٣٢، كذلك يجب ألا نغفل المشروعات المغذية لهذه المحطات، ومنها مصانع الألواح الشمسية وتوربينات الهواء، ومصانع البطاريات التى ستخزن الطاقة المنتجة، بالإضافة كذلك لنقل وتوطين التكنولوجيا المصاحبة لإقامة هذه المصانع، علاوة على ذلك ما سيسفر عنه تراكم ما سبق من تأثيرات على الميزان التجارى، والموازنة العامة المصرية اللذين قد نجدهما يتحولان للمرة الأولى منذ عشرينيات القرن الماضى إلى الفائض بدلًا من العجز. أخيرًا يجب ألا نغفل العوائد الاستراتيجية، التى يتمثل أكثرها مباشرة فى ترقية العلاقات مع أوروبا، بعد أن تقدم مصر بديًلا لنسبة معتبرة من الغاز الروسى الذى يخنق القارة جميعها فى الوقت الحالى، وتعزيز العلاقات الأمريكية بعد الخلاص الذى ستقدمه مصر لها من نتائج السيطرة الروسية على القارة الأوروبية.