رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«خطوة قبل الموت».. «العلاج النفسي» يُنقذ المقبلين على الانتحار

انتحار
انتحار

لم تخلو منصات التواصل الاجتماعي من حوادث الانتحار في الآونة الأخيرة، بين مشاهد مؤلمة لشباب في مقتبل العمر يختارون الموت هربًا من المشكلات الأسرية، وبين فتيات غدر بهن الزمن واضطررن للقضاء على حياتهن في لحظات مروعة قبضت قلوب المصريين.

الأزمة ما زالت مستمرة بل تتضاعف بشكل مقلق للغاية يوما بعد يوم، ففي كل عام، يضع نحو 700 ألف شخص نهاية لحياته حول العالم، من خلال الإقدام على الانتحار، بحسب تقارير منظمة الصحة العالمية، حتى تم تنصيف الانتحار في عام 2019 كرابع أهم سبب للوفاة بين من تتراوح أعمارهم بين 15 و29 عاما على الصعيد العالمي.

أما على المستوى المحلي، فقد كانت آخر إحصاءات رسمية في مصر أعلن عنها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في العام 2017، أوضحت أن هناك 69 حالة انتحار فقط، كنوع من أنواع الرد على الشائعات المتداولة عبر «السوشيال ميديا»، في حين أن إحصاءات البنك الدولي للعام ذاته، أشارت إلى أن نسبة الانتحار في مصر تمثل نسبة 3% من السكان، أي ما يقارب 3 آلاف شخص.

ما حقيقة ارتفاع حالات الانتحار في مصر؟، وكيف نحكم السيطرة عليها؟، هذا ما بحثت «الدستور» عن إجابته في السطور التالية، معتمدة على وقائع حية من داخل عيادات نفسية خصصت عملها لإنقاذ المقبلين على الانتحار قبل الفتك بأنفسهم.

قبل الموت بخطوة

جلسة واحدة داخل أحد العيادات النفسية بمنطقة فيصل، كانت كافية ليؤجل مؤمن (اسم مستعار)، قرار الانتحار الذي كان على وشك تنفيذه، لكنه اختار الخروج عن صمته قبل أن يقضي على حياته، وتوجه إلى طبيب يمتلك عيادة بجوار منزله، ليحكي له المشكلات التي تعرض لها في السنوات الأخيرة، ودفعته للتفكير في الهروب من الحياة.

الأزمة التي عاشها الشاب العشريني فور وفاة أبيه لم تكن هينة على الإطلاق، فقد وجد نفسه محاطًا بالأعباء؛ ما منعه من إتمام زيجته والبعد عن الفتاة التي طالما عشقها وتمنى الزواج منها، ليصبح عونًا لأشقائه الصغار، ويعمل ليلًا ونهارًا من أجل توفير مستلزماتهم، وبالفعل اعتاد على فعل ذلك لمدة أربع سنوات.

وفي يوم ما، راوده الشعور بالذنب حين وجد حبيبته تتزوج من شاب آخر، كانت تلك اللحظة هي القاضية بالنسبة له، من بعدها امتنع عن الذهاب إلى العمل بشكل نهائي، وأجبر والدته المريضة على الخروج للعمل حتى تستطيع تلبية احتياجات الصغار، ليدخل الأخير في رحلة صراع مع ذاته لم تنتهي إلا بعد جلسات العلاج النفسي التي امتدت لشهور عدة بين الانتكاسة والتعافي.

روى تلك القصة لـ«الدستور»، الدكتور قاسم غربال، استشاري الصحة النفسية والعصبية، والذي استطاع من خلال عمله داخل عيادته الخاصة، إنقاذ العديد من الحالات المقبلة على الانتحار قبل خطوات وشيكة من الموت، وقال «عادة ما تكون الضغوطات الأسرية هي السبب الرئيسي في دفع الشباب والفتيات للتفكير في الانتحار».
وأردف الطبيب:«يحتاج هؤلاء الشباب لمن يسمعهم جيدًا، ويقدر معاناتهم النفسية والأفكار السودوية التي تطاردهم طوال الوقت، نرتب لهم الأمور بشكل مريح حتى يحكوا ما بداخلهم وعادة ما يستمعون للطبيب المتابع لهم، وهذا ما حدث أمامي بالفعل من قبل الحالات المقبلة على الانتحار التي عُرضت علي في السنوات القليلة الماضية، وجميعهم تغاضوا عن الفكرة تمامًا بعد المتابعة الجيدة لجلسات التأهيل النفسي».

وعن آليات السيطرة على الأزمة، قال الطبيب «من الضروري زيادة التوعية من خلال البرامج الإعلامية والأعمال الدرامية وحملات التوعية التي تشنها الحكومة المصرية حاليًا داخل القرى المصرية، والاستماع بشكل جيد لقصص معاناة الشباب والمساعدة في إيجاد حلول فعليهم لهم، فالأزمة تكمن في توفير حل لمشكلاتهم حتى وإن كان نفسيًا فقط».

اخترت الموت هربًا من المرض

ومن داخل عيادة الدكتور جمال فرويز، استشاري الأمراض النفسية، حكى قصة أحد مرضى «كوفيد-19» الذين اختاروا قرار الانتحار هربًا من معاناة المرض، لكنهم أنقذوا في اللحظات الأخيرة «المريض أصيب بأعراض خطيرة للغاية من الفيروس، وأخبره الطبيب أن شفائه الوحيد يكمن في انخفاض درجة حرارته لمدة 3 أيام متتالية، لكنها كانت كانت ترتفع بشكل كبير».

في تلك اللحظات، تمكن الاكتئاب من المريض، وجعله ينعزل عن العالم برمته، إلا زوجته التي كانت تعطيه العلاج داخل غرفة العزل بمنزلهما، حتى استقرت درجة حرارته بعد أيام قليلة من إصابته بالمرض لمدة تجاوزت الـ10 ساعات، ثم عادت للانخفاض الحاد مرة أخرى لتصل إلى 40 درجة دون أسباب واضحة.

انهار المريض في ذلك الحين بطريقة شديدة، وتعرض لحالة صرع حادة ليبدأ في تكسير كل شئ من حوله، ممتنعًا عن تناول العلاج نهائيًا، لانعدام الرغبة لديه في الحياة من الأساس، بسبب الآلام الناتجة عن الإصابة بالفيروس، لتشتد حالته بعد أيام وتصل إلى أمر أكثر خطورة حين بدأ في جرح شريان يديه بإحدى قطع الزجاج المكسورة، لكن زوجته أنقذته في اللحظة الأخيرة.
وقال «فرويز» في حديثه لـ«الدستور»:«تواصلت زوجة المريض معي فور حدوث تلك الواقعة، وبدأت بالفعل في إجراء جلسات العلاج الكلامية له، والتي احتوت أوقات معينة للاستماع إلى حديثه بشكل متقن، ثم تلقيه الكلام المناسب لحالته، والتخلص من فكرة الانتحار تمامًا، ورفع المناعة النفسية التى تعتمد على شفائه بنسبة أكبر من 30%».

وعن دور العقاقير الطبية في التعامل مع حالات الاكتئاب الحادة أوضح «فرويز»:«نبدأ بإرشادهم لتناول العقاقير التي تساعد على النوم لفترات طويلة، ونوم الساعات الصحية لتهدئة أجهزة الجسم، وأولها العقل الموسوس له بالانتحار، ثم تناول بعض مضادات الاكتئاب، ولكن بجرعات محددة».