رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لم تعد شرطى العالم!

خبر سيئ للمارينز الثقافى، والليبراليين بالأمر المباشر، والمتمولين بالعملة الخضراء، والمؤلفة قلوبهم بمنح هارفارد المجانية.. أمريكا لم تعد شرطى العالم.. هكذا قال الرئيس بايدن.. ليس فى الأمر أدنى إساءة.. لكنه مجرد خبر.. أمريكا لم تعد شرطى العالم.. خبر جاد يوازى جملة سعيد صالح الخالدة فى المشاغبين «مرسى ابن المعلم زناتى اتهزم يا رجالة».. بعيدًا عن المدخل الساخر.. الولايات المتحدة دولة حليفة.. وتصريح الرئيس بايدن دليل نضج.. بعد ثلاثين عامًا كاملة من التدخل الخشن فى العالمين العربى والإسلامى، وبعد إنفاق أربعة ونصف تريليون دولار كان يمكن أن تغير حياة نصف فقراء العالم على الأقل.. أدركت أمريكا أنها لن تغير العالم، وأنها لا تصلح لأن تكون شرطى العالم.. أدركت أن أنظمة الحكم ليست فروعًا لماكدونالدز وبيرجر كينج، حيث تبقى الإدارة فى واشنطن وتفتح فروعًا فى العواصم المختلفة بنفس اللوجو والتفاصيل.. للشعوب ذائقتها فى الطعام وفى السياسة أيضًا، كل مجتمع يفرز نظام الحكم المشابه له، والمعبر عنه، الباحثون الذين يحملون الجنسيات المزدوجة والذين يظهرون فجأة فى المجتمعات المراد تغييرها ليسوا فاعلين حقيقيين، لا يعبرون عن ثقافات مجتمعاتهم الحقيقية، لذلك ينتهى بهم المطاف بالعودة من حيث جاءوا.. مع بعض المكاسب المادية الجيدة.. حين قرأت تصريح الرئيس بايدن كنت أفكر فى فكرة جادة جدًا.. كل مجتمع له «ممكن» سياسى يعبر عنه.. هذا الممكن هو أفضل البدائل للمجتمع لأنه يعبر عن التيار الرئيسى فيه، وربما يجمع بين تناقضات داخله، ولكن فى سبيكة واحدة.. هذا الممكن يختلف من مجتمع لمجتمع.. لكنه يبقى الحل الوحيد لمجتمعه.. أو القوى المعبرة عن تياره الأعظم.. دون أى تشابه مع أحد فإن القوات المسلحة هى «الممكن» المصرى.. أو المؤسسة الأقرب لروح مصر وسبيكة مجتمعها، أو كانت كذلك على الأقل منذ تأسيس مصر الحديثة على يد محمد على ١٨٠٥.. دون أى تطرق لتفاصيل عقائدية فإن حزب البعث كان هو الممكن العراقى الوحيد للحفاظ على المجتمع العراقى، ولا يعنى هذا أنه أفضل أو أسوأ من الآخرين، ولكنه، لظروف معينة، استطاع أن يكون هذا الممكن، وأن يرث التيار الوطنى هناك مستندًا للجيش العراقى، فى أفغانستان فإن طالبان فى هذه اللحظة هى الممكن الأفغانى، لأنه من العبث أن تأتى بخريج جامعة أمريكية لتحكم شعبًا هو مزيج من القبائل والطوائف، والمتزمتين دينيًا، وتجار الأفيون.. طالبان نجحت لأنها تشبه الشعب الأفغانى.. والرهان هنا على تطوير المجتمعات نفسها من خلال التعليم والتنمية، لكى يصبح «الممكن» الخاص بها بعد عشرين عامًا أكثر تقدمًا وتطورًا... بالنسبة للمراهنين على التدخل الأمريكى فقد انتهت اللعبة، والرئيس بايدن يقول عن الانسحاب الأمريكى: «المسألة لا تقتصر على أفغانستان.. المطلوب وضع حد لحقبة من عمليات التدخل العسكرى الكبرى الهادفة الى إعادة بناء دول أخرى»، وأضاف بايدن: «علينا أن نتعلم من أخطائنا».. للرئيس بايدن تصور آخر للصراع لكن مكانه ليس هذا المقال.. وتبقى تلك المقولة التى صارت مثلًا شائعًا «المتغطى بأمريكا عريان».. وما أكثر العرايا فى نخبتنا.. لكن آفة حارتنا النسيان.