رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الحوار الإيجابى الفريضة الغائبة!

كثيرًا ما تطالب الجماهير بإقامة حوار مجتمعي حول قضية ما قبل عرض الأمر على مجلس النواب، لتحقيق أكثر من هدف .. أولًا : لإحداث تفاعل شعبي وإنساني قد يفجر الجديد .. ثانيًا : تصور أن تكون نتائج وتوصيات في نهاية الحوار بمثابة استفتاء شعبي على أبعاد القضية .. ثالثًا : التأكيد على أن من حقوق المواطنة حق إبداء الرأي .. رابعًا: منح الفرصة كاملة لمن قد يقع من بين ضحايا القضية لو تم الذهاب بالحوار في اتجاه واحد دون اعتبار للمظالم .. خامسًا : قد يكون لحوار الأضداد ما يكشف عن جماعات المصالح الانتهازية ..وإلى غير ذلك من مزايا يكشفها تفعيل نعمة الحوار الإيجابي ..
ولكن للأسف ـ حتى على مستوى الحوار في الشارع والنوادي وعلى صفحات التنابز الاجتماعي ــ  قد بتنا نعاني افتقاد حالة الحوار الإيجابي المثمر، وقد تعود تلك الحالة بداية إلى عدم تعيين محددات وأطر وأهداف للحوار أو ضبابية وعدم شفافية المادة المتحاور بشأنها، وقد يكون لذهاب المتحاور إلى تحقير شأن وأهداف الطرف الآخر، ما يصل إلى حد التنمر على شخصه أحيانًا، أو تسفيه آرائه، أو ميل المحاور إلى الاستئثار والانفراد بالحديث، أو التعصب للرأي وفقدان القدرة على الاعتراف بالخطأ..
وعليه يتحقق الفشل في إقامة حوار لعدم إجادة المحاور لأساليب الإقناع أو لعدم اقتناعه بالفكرة المتحاور بشأنها، ناهيك عن اختلاف اللغة واللهجة في بعض الأحيان، ودلالات استخدام تعبيرات معينة بين أطراف الحوار ، أو لعناد المتلقي وغروره ومكابرته وتعصبه الجاهل بكل أبعاد قضية الحوار ..
ومعلوم، أن الحوار في النهاية يعد إحدى الوسائل والطرائق التي إذا ما وجدت في أي مجتمع فإنه يشير إلى مدى الرقي والبهاء الذي وصل إليه ذاك المجتمع، والحوار حاجة إنسانية تتمثل أهميتها باستخدام أساليب الحوار البناء، لإشباع حاجة الإنسان للاندماج في جماعة والتواصل مع الآخرين، فالحوار يحقق التوازن بين حاجة الإنسان للاستقلالية وحاجته للمشاركة والتفاعل مع الآخرين. 
كثيرًا ما نسأل أنفسنا في هم ونكد وكدر : ليه وإيه اللي أقحمني وجعلني طرفًا في مثل ذلك الحوار الغبي الشائك الفارغ المهدر للوقت؟!! .. وأسأل هو كان إيه منطلق الحوار لأنه ضاع في جلبة التصعيد اللا منطقي، وما الذي دفعني للمشاركة بداية رغم عدم وضوح ذلك المنطلق وصعوبة مراس أطرافه، ولماذا لم أسأل عن غاية الحوار ، ولماذا لم ألاحظ الانتقال الفوضوي بين محطات سير ذلك الحوار ؟...
أعتقد لو كنت سألت نفسي مثل تلك الأسئلة بتروٍ وتفهم ما كنت غرقت في بحر ظلمات وغباوات حوارات التفاهة وجدليات تصل بنا أحيانًا لإهدار كرامتنا، فللحوار أدواته وشروطه وقنواته، وكذلك له أخلاقياته التي هي أوسع من دائرة آدابه ..
ولعل الحوارات الفسبوكية خير مثال للحوارات التي نحلم بانضباطها لأنها في النهاية تتم على أرضية أكثر اتساعًا وبراحًا وتنوعا في الموضوعات وتركيبات أهل التحاور وتباين مرجعياتهم، وعليه فانضباط لغة وأخلاقيات الحوار قد ينعش حالة من تبادل المعارف والثقافات والآراء في مجتمع يعاني الظمأ والجوع من تراجع الثقافات والمعارف ..وعليه، هل لنا أن نسأل:
• ماذا أفادت تلك الحوارات على المستويين الإنساني والمجتمعي؟
• هل حققت شكلًا من أشكال التقارب في الرؤى ودعم حالة التنوع الفكري؟
• هل كان الحوار من الأهمية في سبيل مد جسور التواصل والبناء الطيب للعلاقات؟
• هل ساهم الحوار  بشكل فعلي في الولوج لآفاق أكثر رحابة من لو لم يحدث الاشتباك الإيجابي مع قضية الحوار؟ 
• هل تأكد عدم الوصول إلى أي درجة من درجات التشدد والعصبية، لإتاحة فرص متساوية لإقامة حوار هادف؟
إذا كانت الإجابات على كل الأسئلة وغيرها من الأسئلة المنطقية بنعم، فأنت مواطن داعم للحوار الإيجابي..
أخيرًا وفي إيجاز نستطيع أن نقول إن الحوار بات غيابه بالشكل الإيجابي كارثة وإهدارًا لفرص تفعيل بناء سبل إقامة حياة جيدة عبر التوصل إلى أقصى حالات الرضا الممكنة بين أطراف الحوار.