رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كلمات الرئيس السيسى عن إعادة التفكير فى المعتقد الدينى

وقعت كلمات الرئيس السيسى عن إعادة التفكير فى المعتقد الدينى كالصاعقة غير المتوقعة على أصحاب التعصب الدينى والجمود الدينى وقهر الحريات باسم الدين، وهم مع الأسف بالملايين  بفضل الدعاة والشيوخ المنتشرين فى الإعلام الأرضى والفضائى وكما سماهم الكاتب الراحل د. محمد فُتوح، عن حق وواقع نشهده وكعنوان لأحد كتبه، "الشيوخ المودرن وصناعة التطرف الدينى" عام 2004.
لكن كلمات الرئيس السيسى على الجانب الآخر، وقعت مثل المطر الذى طال الانتظار له من أرض ملت الجفاف وتعبت من عطب الحصاد.
قال الرئيس السيسى كلمة واقعية واضحة: إننا ورثنا الدين بالوراثة لأنه مكتوب فى البطاقة الشخصية ولم يفكر أحد فى معتقده الدينى الموروث وحان الوقت لإعادة التفكير واكتساب المزيد من الوعى.
إنها دعوة جسورة من الرئيس إلى "التفكير" وتأمل السؤال الكبير المحرم علينا ألا وهو "كيف نفكر؟"، وأقول "جسورة" لأن الرئيس السيسى يدرك كم أصبحت العقلية المصرية والعربية بشكل عام وخاصة فى الأمور الدينية فى حال لا تُحسد عليها، ويعلم علم اليقين كيف أن هذه العقلية هى أكبر عائق فى سبيل التقدم الحضارى ذلك التحدى الكبير والمحاط بالكثير والعديد من المشكلات الإقليمية والعالمية التى تتشابك وتتعقد كل يوم.
إن دعوة الرئيس للتفكير وإعادة التفكير يجب أن تؤخذ بجدية كاملة وأن يتم تدعيمها بكل الوسائل، إن التفكير وإعادة التفكير ينتجان "الفكر" والفكر بدوره يؤدى إلى إنتاج القيم ويحدد الأولويات ويتبنى السياسات.
"الفكر" هو القوة الدافعة والمحرك الأساسى للبشر، هو "الدينامو" الذى يجب أن يبقى مشحونًا دائمًا، مشحونا بالتجديد والإبداع والتجربة والجسارة فى القول وفى الفعل.
إن الصراعات السياسية والاجتماعية والدينية على مدى التاريخ وحتى الآن هى فى الأصل صراع بين أنواع من الفكر، والفكر هو الفلسفة، هو "طريقة التفكير" أو "كيف نفكر".
ومن الطبيعى ومن المنطقى أن تعبر السلوكيات أو الأفعال عن اختيارات "طريقة التفكير" وانحيازات "كيف نفكر"، وينتج من هذا ما نسميه الثقافة "الفكر + الفعل".
كل فرد إذن له ثقافته، وكل مجتمع له ثقافته، وهذه الثقافة فى حركة مستمرة تلائم تغيرات الحياة، وهى مكون أساسى من مكونات حضارات الشعوب.
بالتالى وتوافقًا مع دعوة الرئيس السيسى إلى التفكير وإعادة التفكير، أرى أننا بحاجة إلى ما أسميه الثورة "الدينية" بعد ثورة 30 يونيو 2013، والتى وضعت المسمار الأول والأقوى فى نعش الإخوان المسلمين وكل الحالمين بإعادة الحكم الدينى واستعادة الخلافة الإسلامية.
إن الثورة الدينية الناتجة عن إعادة التفكير تعنى "التغيير الجذرى" فى نظرتنا لمفهوم الدين وعن حرية الاعتقاد الدينى أو عدم الاعتقاد وتصورنا لمفهوم الله ووظيفة الطقوس الدينية وعلاقة الدين بالحياة.
وليس كما هو حادث الآن منذ دعوة الرئيس لتجديد الخطاب الدينى عام 2014، من مجرد تغيير  وجوه الشيوخ والفقهاء والأئمة وعمل الفتاوى إلكترونيًا وتوجيه إنفاق أكبر لإنشاء دور عبادة جديدة.
هذه سلوكيات أشبه بـ"ترقيع" الثوب القديم، بينما نحن نحتاج بشدة وبشكل عاجل إلى ثوب "جديد".
إن الثورة الدينية التى نحتاج إليها لابد أن تجيب عن أسئلة أساسية، هل الدين فى خدمة الحياة؟  أم الحياة فى خدمة الدين؟ هل الدين يحتاج إلى "وسيط" بين الإنسان وربه؟
هل نحن جادون فى تحرير النساء من القهر الذكورى؟ هل نؤمن حقًا بالدور الكبير للفنون والإبداع فى هذه الثورة الفكرية الدينية؟
هل الشعب المصرى يشتهى فعلًا "الحرية" والتخلص من أوصياء الدين والمتاجرين به وإلغاء خانة الديانة وإقرار زواج مدنى موحد؟ هل نحن مستعدون لمناقشة الثوابت والمسلمات الموروثة؟.
البعض يريد أن يفكر دون المساس بالثوابت، ولكن هذا مستحيل استحالة منْ يريد النزول بالبحر دون أن يبتل، أم كمنْ يريد الطيران دون أجنحة.
ما زالت الغالبية من الناس ترفض أى جدل عابر يسأل "لماذا"؟ فيما يرتبط بالثوابت القوية أو حتى الثوابت الهشة الدينية، بل إن كلمة "لماذا" فى أى قضية سياسية أو ثقافية أو أسرية تعتبر من الكلمات غير المرغوب فيها ومشبوهة وسيئة السُمعة.
نخلص من هذا أن "التغيير" أصلًا فى أى "فكر" أو "سلوك" مع الأسف "غير وارد" للغالبية، أو على الأقل هو طريق مفروش بالأشواك والألغام، ومن هنا تنبع أهمية دعوة الرئيس السيسى للتفكير وإعادة التفكير فى المعتقد الدينى.
لقد نجحت التيارات المتأسلمة الطامحة للحكم السياسى فى إلغاء العقل وفى تشويه قدرته على البحث العميق وربط الظواهر بعضها بالبعض وتخويف كل منْ يجرؤ على الحفر تحت خنادق الدين العتيقة.
وكانت النساء البداية فمن المعروف أن تخلف المجتمعات يبدأ بتخلف المرأة وتقدم الأمم يبدأ بتقدم المرأة، يكفى جدًا إذن كما فعلت التيارات المتأسلمة ذات الأسماء الكثيرة أن تستهدف النساء وتعمل على شدهن إلى الوراء حيث عصور الاستعباد والسلف الغارق فى ظلامه وذكوريته.
وفعلًا لو نظرنا للمرأة المصرية الآن نجد الكوارث المخططة بعناية فى التفكير وطريقة اللبس والهدف من الحياة ونظرتها إلى نفسها وإلى زوجها وطريقة تربيتها للأطفال فى الأسرة، أسرة  إخوانية سلفية متشددة متطرفة عنصرية ذكورية، خارج مسار التقدم وأى إمكانيات للنهضة.
عندما انتصر الشعب المصرى فى 30 يونيو 2013، على الفاشية الدينية قال أحد قادتهم المهزومين شر هزيمة: "على الأقل نجحنا فى تحجيب فتيات ونساء مصر" هو يعلم جيدًا أن تحجيب المجتمع يبدأ بتحجيب المرأة وأن كل الأحلام الإرهابية بدأت بتغطية النساء وأن مفتاح التقدم أو التخلف فى أى بلد هو المرأة.
وبكل أسف فإن الحديث عن تجديد الفكر الدينى سيظل يفشل ويعيد إنتاج الفكر المتخلف القديم طالما أنه لا يمس "تغيير المرأة" ولا يستهدف مناقشة موروثات قبيحة مثل "تقديس الطاعة" و"قوامة الرجل" و"إذن الزوج" والمدهش أن هذه الأوامر المفروضة على المرأة لا تجد مصدرًا لها إلا الموروث الدينى.
الآن قرأنا عن تغيير شامل فى منظومة التعليم كلها التى تشمل المناهج والمقررات وربط التعليم بحاجات السوق وإدخال التعليم الإلكترونى الحديث.
كل هذا "خير وبركة" لكننى أرى أن بدون مقرر أساسى فى مناهج التعليم يبدأ من الصغر اسمه مادة "مناقشة الثوابت" و"المسلمات" خاصة وبشكل مكثف فى الثقافة الدينية لن يتغير شىء جذرى فى طريقة التفكير التى هى أصل الداء.
ولا يمكن أن نتوقع تجديدًا فى الفكر الدينى ونحن لدينا شىء اسمه "ازدراء الأديان" و"التطاول على الثوابت" سيف مسلطًا من قبل المزايدين على الدين والتدين والفضيلة وحماية الإسلام، بعضهم عاطل عن العمل والمواهب يرفع هذه القضايا للشهرة وإثارة الإعلام وإلهاء الناس وتشويه أصحاب التنوير، والتنوير وقبض الفلوس من القنوات الفضائية وبعضهم مأجور تستخدمه وتدفع له تيارات الدولة الدينية وحلفاؤها فى الداخل وفى الخارج لماذا نسمح لهم؟
من واحة أشعارى 
نفقد أنبل وأجمل الأشياء
نكتسب أسوأ الأفكار والأخلاق
نسفك الفن والحضارة والدماء
ننفق الملايين على الدجل
نغطى شَعر وأجساد النساء
ثم نعلن بعظمة واستكبار
أننا أفضل شعوب الأرض
نحمل الخير لكل البشرية
فى كل زمان ومكان
شاء أو لم يشأ العقلاء