رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«أسلمة» الموجة الحارة بضاعة فاسدة قاربت على الإفلاس

يأتى أغسطس هذا العام أكثر قسوة من الأسى على أحوال المجتمعات العربية الإسلامية الغارقة فى الخرافات المريضة الذكورية المتغطرسة دون أى مناسبة أو «دليل» يقنع النساء والرجال ذوى العقول والمنطق.

جو أغسطس هذا العام «كرباج» أشد إرهابًا من كرابيج الأسلمة الجهادية المسلحة وغير المسلحة، لا ينفع معه «تكييف هواء» ولا «تكييف مشروب مثلج».

موجة حارة تجتاح مصر فى أغسطس هذا العام تسبب الإنهاك دون مجهود، تفسد المزاج الذى صنعته القهوة المحوجة، تسحب من صوت «أسمهان» طبيعته الممطرة المنعشة تجعلنى أحادية الرؤية لا أرى إلا المنغصات والسلبيات.

موجة صحراوية تلفحنا تصفعنا، كما لفحنا وصفعنا الإسلام الصحراوى الوهابى، السلفى، المتزمت، المتجهم، المتشدد، متضخم الذكورية، المريض بتكفير الآخرين، والوصاية على الناس فى كل لحظات حياتهم وتغطية النساء.

ألا يكفى أننا فى فترة غابرة من الزمن فتحنا جميع الأبواب للإسلام، نسخة البلاد الصحراوية، الحالمة بإعادة الخلافة الإسلامية وتطبيق الشريعة الإسلامية وجنود الجهاد الدينى الدموى، كمان «المناخ» سيصبح نسخة من تلك البلاد؟

المناخ القاسى بالضرورة يخلق ثقافة قاسية ومفاهيم غاضبة وأفكارًا مغلقة وتفسيرات متجهمة وأخلاقًا متسلطة وقيمًا كارهة النفس وبقية البشر والحياة نفسها، مناخ لا يرحم، يستهويه التعذيب والتلذذ بآلام وخضوغ وعجز وخوف الناس، مناخ يكبس على النفس والأنفاس، يخنق الفرح، يحبس المطر، يسجن الخيال، يغتال الأسئلة، يسجن الكلام، يقص الأجنحة.

وبالطبع كان لا بد للشيوخ ورجال الدين وأنصار التأسلم وجنود الدولة الدينية المرتقبة بالحسنى أو بغير الحسنى الذين هم أصول وأحفاد وامتداد البيئة الصحراوية القاسية فى أزمنتها الأولى كما عهدناهم- من استغلال أى موقف لتدمير البقية الباقية من العقل عند المصريين والمصريات، وأن يشيعوا المزيد من الخوف والذعر من عقاب الله.

قالوا إن الموجة الحارة الغريبة غير المعتادة، التى نشهدها فى أغسطس هذا العام، إنما أرسلها الله عقابًا للمسلمات والمسلمين؛ لأنهم ابتعدوا عن الإسلام الحنيف آخر الأديان وعن سُنة رسوله آخر المرسلين وخاتم الأنبياء.

قالوا إن هذه الموجة الحارة موجة أغسطس ٢٠٢١، يبعثها الله ليذكرنا بالنار المنتظرة للكافرات والكافرين والمقصرات والمقصرين فى حق إسلامهم العزيز المبارك.

قالوا إن هذه الموجة إنما هى «بروفة» بسيطة جدًا من نار جهنم التى يعدها الله لمنْ لا يتبع هداه، وعلينا الاتعاظ وأخذ العبرة والتدبر فى حكمة هذه الموجة شديدة الحرارة، فكل شىء لا يحدث إلا بإرادة الله، وها هو الله يرسل لنا إشارة إنذار لمراجعة النفس والرجوع إلى الصراط الإسلامى الدينى المستقيم المشرع من قانونه الحكيم الصالح لكل زمان ومكان.

قالوا إنها «رحمة» و«عدل» من الله؛ لأنه يريد أن ينقذنا من الضلال، قبل أن تفوت الفرصة وتتم التهلكة بمشيئته وإذنه ورضاه، وأول شىء بالطبع تسأله أى إنسانة تفكر بعقل بسيط: وماذا عن الأيام التى سبقت أغسطس ٢٠٢١ فى مصر، وهى الأكثر وكانت درجة الحرارة لطيفة ومعتدلة لا تعكنن المزاج ولا تثير الأعصاب، أنأخذها على أنها علامة من الله على أنه راض عن الإسلام فى مصر وأننا على الصراط المستقيم وأننا على هدى النبوة؟

لا أدرى إلى متى يبيع هؤلاء الناس المتسترون وراء الدين بضاعتهم الفاسدة التى يثبت كل يوم فسادها وانتهاء تاريخ صلاحيتها، وكم تسببت من إصابة الناس بالسموم والأمراض والتشوهات؟

لا ييأس المتاجرون بالأديان أبدًا، رغم أنهم قد خسروا الكثير من أرباحهم المستثمرة فى هذه التجارة، والبعض منهم قد أفلس بالفعل، لكنه لا يعترف بالهزيمة ولا يجهر بالإفلاس الذى خرب بيته بعد أن خرب ما لا يعد ولا يحصى من البيوت والنفوس.

لكن المكابرة والعنجهية والغرور والاستعلاء المفرغ من أى قيمة حقيقية يحترمها العقل والعلم والكرامة وتنفع البشرية وتقدم الحلول الواقعية لأبسط المشكلات هى مرض مزمن أو مزيج من الأمراض المزمنة تستميت لإقناعنا بالترهيب والتخويف وباسم الأوهام المقدسة المستوردة من ثقافة الصحراء إنها الصحة بعينها والنجاة بإذن الله من كل شر خبيث والشفاء إن شاء المولى من كل داء.

من واحة أشعارى

فى أحيان كثيرة.. أكتشف أننى لا بد أن أموت

حتى أحيا وأعيش.. وحتى أرى أعمق

لا بد أن أطفئ.. كل الأنوار

وأن أغلق الشيش.. فى أحيان كثيرة

أحن إلى طفولتى.. حين كانت أمى

تصنع لى ضفائر تمردى.. وتُخيط لى فستان الكرانيش

فى أحيان كثيرة.. أحب أن أشم رائحة الدخان

وأسمع نقاشات الفن.. فى أتيليه القاهرة

فى أى مكان على النيل.. أو على مقهى «ريش»

فى أحيان كثيرة.. أهرب من دعوة العشاء الفاخرة

وأجرى إلى كِسرة من الخبز.. وقطعة من الجبن القريش

أقرأ كتابًا فى سكون الليل.. لأشم رائحة الحبر

أو عبير الشعر.. ولكن يخنقنى حصار النفتالين.. ورائحة الورنيش

فى أحيان كثيرة.. أشعر أننى 

لست فى الألفية الثالثة.. ولكن فى معتقلات المغول

وعصور محاكم التفتيش.. فى أحيان كثيرة أشعر أنه

لا بد للحمل الوديع.. أن يلبس جلد الشراسة

حتى تعود إلى أوكارها.. الوحوش والخفافيش

فى أحيان كثيرة.. أحس أن كل تاريخ الموسيقى الغربية

لا يساوى نغمة واحدة من موسيقى «فريد» أو «سيد درويش»

فى أحيان كثيرة.. لا أريد تكملة الحياة

اكتفيت من مباهجها

وأتوق إلى الرحيل.. لكنهم يمنعونى.. يشدونى 

يعيدونى مرة أخرى إلى عالم.. من دولارات وريالات

وإلى زمن البانجو والحشيش