رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مثقفون عرب: في الرواية تتجاور الأجناس الإبداعية والشاعر لن يتخلى عن أدواته

كتابة
كتابة

في ظاهرة لافتة، اتجه عدد من الشعراء لكتابة الرواية، فنجد الشاعر عبده وازن بعد مسيرة حافلة في الشعر يصدر روايته “البيت الأزرق”. وأيضا الكاتبة الجزائرية ربيعة جلطي بدأت رحلتها مع الكتابة بإصدار أكثر من ديوان شعري ومن ثم تحولت إلى كتابة الرواية فصدرت لها العديد من الروايات أحدثها رواية “جلجامش والراقصة”. وغيرهم الكثير من الشعراء الذين تحولوا إلى كتابة الرواية. عن أسباب هذه الظاهرة وكيف يفسرها الكتاب كان لــ"الدستور" هذا التقرير.

 

download (3)
ربيعة جلطي


ربيعة جلطي: الكتابة زلزال تحسب درجات قوته على سلم الرواية أو الشعر لا فرق


بداية تقول الكاتبة الجزائرية ربيعة جلطي: أومن بأن الكتابة أسبق من جنس الكتابة، إنها جوانية، تأتي غامضة تتبدى فينا وفي لغتنا مثل فصيلة الدم، ثم تتجلى في هيئة قصيدة أو رواية، في نسيج نص تتوفر فيه شروط الإبداع دون حكم مسبق. جيش من الشعراء في العالم حطموا الحدود البلهاء في جغرافية الإبداع فكتبوا الرواية أيضا وكتبوا أجناسا أخرى. بل لا نكاد نجد روائيا كبيرا شهيرا لم يكتب الشعر. كم قرأت لفيكتور هيجو شاعرا وروائيا، وشكسبير شاعرا ومسرحيا، وأراجون شاعرا وروائيا، وجارسيا ماركيز صحافيا وقصاصا وروائيا، وألفريد دي موسيه  شاعرا ومسرحيا وروائيا. وخورخي لويس بورخيس شاعرا وقصاصا. فليس غريبا إن كان الشعر والرواية  قدري منذ بدء مسيرتي الأدبية. أكتبهما معا ولكل منهما شروطه الفنية وحالته السيكو-فنية.

متابعة: الشعر؟.. لأنه أكسجين الحياة بالنسبة لي قراءة وكتابة، والنبتة الأولى التي صُنعتُ منها. لأنه مكوِّني الأساسي وخالق توازن نبضي، يسكنني منذ الطفولة ويسكِّن جرحَ فِطام مُبكِّر لم يبرأ بالتقادم. ولأنه حالة، ورؤيا صوفية متأملة للحياة، وعزف منفرد يختزل في جملة ما قد تضمه خزانة كتب فلسفية.  أصدرت كتبا شعرية عديدة ؟ وألقيت قصائدها على منصات مختلفة من دول  العالم غاصة بعشاق الشعر.

الرواية؟.. لم أتسرع في نشرها. كنت أريد أن تكون مكتملة بالغة، شغلتني قراءاتي النهمة لما قدمه الروائيون في العالم باللغات الثلاث العربية والفرنسية والإسبانية، وما ترجم إليها من لغات أخرى. لم أنشر مخطوطاتي الأولى، ربما بسبب إنصاتي بكل جوارحي لجوارح الطبيعة، وملاحظتي لنمو مخلوقاتها، وإيماني بأن  على الأشياء أن تأخذ وقتها في التكون والاكتمال. علمني الصبر على قوانين الطبيعة، أن أؤجل النشر، وأترك للنص الوقت كي ينمو ويتطور، مثل شجرة أو دورة اشتداد أجنحة صغار العصافير. وحين قدمت رواية "الذروة " إلى دار الآداب 2010 استقبلوها بارتياح ونشروا فصلا منها في جريدة النهار تسعة أشهر قبل صدورها.  

وإذ أسعدني استقبال القراء والباحثين الواسع  لهذه الرواية فاعتبروها فتحا في تجديد الرواية العربية في أسلوبها وبولوفونية بناء أصوات شخصياتها، واقتصادها في اللغة، وجرأتها السياسية، وسخريتها السوداء، واستعمالها لفن الفانتاستيك، وجِدّة مواضيعها المتشابكة، فإنني آليت على نفسي أن تكون كل رواية جديدة لي أقدمها لهم من "نادي الصنوبر" مرورا بـ"عرش معشق" و"شارع جميلة بوحيرد" و"حنين بالنعناع" و"عازب حي المرجان" و"قلب الملاك الآلي" حتى رواية "جلجامش والراقصة" بمثابة هدية حقيقية لهم وليست رقما مضافا. إيمانا مني بأن فن الرواية تأمل واعٍ للعالم الصعب الذي نعيشه، ومشاهدة مستيقظة لأسئلته وظواهره، ومقاربة سيكولوجية وسوسيولوجية ولغوية له بحدس إبداعي. الرواية بألوانها وألاعيبها الفنية والجمالية، لا تتعارض مع الشعر بل تقول ما قد يقوله بطريقة أخرى هي طريقتها، بشعريتها الخاصة وبسرديتها المختلفة عن سردية الشعر، وهما في اختلافهما، أعني الرواية والشعر، يشكلان جبهة الدفاع عن قيم الخير والجمال والعدل والحياة. هكذا أعيش مغامرة الكتابة الشعرية والروائية، بكل توازن مزلزل، لأن الكتابة زلزال داخلي لا يخمد ولا ينام.
 

عبده-وازن
عبده وازن

عبده وازن: لم أترك الشعر ولن أتركه إلا أن الرواية تظل تغريني


من جانبه يقول الكاتب اللبناني عبده وازن: "أعترف أنني مثلما أدمن قراءة الشعر بصفتي شاعرا فأنا أدمن أيضا قراءة الرواية والكتب النثرية عموما. لم أكن أتصور أنني سأكتب رواية في يوم ما، كان الشعر هو شاغلي الدائم، لكنني بدأت في كتابة نصوص نثرية تنتمي إلى ما يسمى الأدب الذاتي الذي لا يخلو من النفس الشعري ممزوجا بالروح النثرية. في الثمانينات كتب نص "العين والهواء" وكان مزيجا من سرد نثري من غير أن يقترب من عالم الرواية، وهو قائم على متتاليات تدور حول الموت، وتحديدا حول موت شقيقتي الأشبة وما عانت من الألم خلال فترة الاحتضار الطويلة. بعد بضعة أعوام كتب نصا آخر هو "حديقة الحواس" الذي منعته الرقابة اللبنانية بتهمة الإباحية، بينما هو نص سردي شعري أو نص مفتوح يتطرق إلى حال الموت الذي عشناه في الحرب اللبنانية. وقد جعلت الأيروسية وسيلة مواجهة للموت، فإذا الجسد هو المعترك الذي تدور فيه المواجهة بين الموت وغريزة الحياة.

تابع "وازن" موضحا: كنت خلال هذه السنوات أصدر الدواوين الشعرية إلى أن كتبت نصا سرديا صرفا هو أقرب إلى الرواية عنوانه "قلب مفتوح" وقد رويت فيه أجواء العملية الجراحية التي أجريت لي في الصدر والقلب، متأملا واقع مواجهة الموت فلسفيا ونفسيا ووصفيا وسرديا. ترجم الكتاب الى إلفرنسية. بعد فترة أغرتني كتابة الرواية في مفهومها التقني المعروف وكنت بدأت أشعر أن أفكارا كثيرة لدي وأحاسيس ومشاعر وتأملات ومواقف لا يستطيع الشعر أن يستوعبها، فالشعر هو فن التعبير المجازي والداخلي وفي الكثير من لمعات البرق والخلاصات الروحية والرؤى، ولا يمكنه أن يدخل مشاكل الحياة والعالم وتحولات الواقع الذي نعيشه وآثار الثورات الرقمية التي تنعكس سلبا على إنسانية الإنسان وتجرده من جوهره وتحوله الأشبه بآلة. كتبت رواية "البيت الأزرق" التي تدور حول الحرب والسجن وحول شخصية شاب يعني حالا من الاكتئاب على رغم ثقافته ونزعته إلى الفلسفة. وتطرقت فيها إلى المثلية في وجهها المأسوي. لقيت الرواية نجاحا وكتب عنها كبار النقاد. كنت أواصل كتابة العشر عندما خطرت لي فكرة كتابة رواية عن أبي فسميتها "غرفة أبي". ولدي الآن روايتان أعمل عليهما وأكاد أنهي الرواية الأولى. ولدي الآن أيضا ديوان شعري جاهز. وقد كتبت قصيدة عن انفجار مرفأ بيروت ترجمت إلى الفرنسية والإنجليزية والأسبانية وصدر في باريس. لم أترك الشعر بتاتا ولن أتركه، لكن الرواية تظل تغريني لأن لدي أمورا كثيرة مرتبطة بواقعنا ومآسيه وبحياتنا الخاصة والعامة، لا يحتملها الشعر، ولا يمكن معالجتها إلا روائيا وسرديا.

7218983_1557660530
خليل صويلح

خليل صويلح: الشاعر لا يغادر فضاء الصورة الشعرية وإنما يستثمرها على نحوٍ مختلف


ويتساءل الكاتب السوري خليل صويلح: لا أعلم تماماً أين المعضلة في أنك بدأت شاعراً وانتهيت روائياً؟ أظن أن حراثة بسيطة في تربة القصيدة التي كنت تكتبها قبلاً، تحمل بذرة سردية من نوعٍ ما، قبل أن تشق طريقها نحو الرواية. من ضفة ثانية، لن تتوارى القصيدة تماماً في روايتك، إنها مبثوثة في الصورة الروائية، في العبارة الناتئة التي تنطقها شخصية من شخصيات الرواية على الأقل. في الرواية تتجاور الأجناس الإبداعية في دورقٍ واحد، نحو كيمياء متجانسة، وتالياً فإن الشاعر لن يتخلى عن أدواته الشعرية تماماً. ثم هل الشعر مهنة، والرواية مهنة أخرى مختلفة؟ أنا أسير اللغة أولاً وأخيراً، سواء استخدمتها في كتابة قصيدة أو رواية. عندما أراجع رواية من رواياتي، ألمح على الفور مشتل الشعر في حقل الرواية الشاسع، بمعنى أن الشاعر لا يغادر فضاء الصورة الشعرية، وإنما يستثمرها على نحوٍ مختلف، وبجرعات مدروسة. 

أما في ما يتعلّق بقبائل الشعراء الدين اتجهوا لكتابة الرواية تحت ضغط الموضة الرائجة، فهؤلاء ينطبق عليهم القول "لم يخسرهم الشعر ولم تربحهم الرواية"، ذلك أن لا سرد نافراً، من دون هبوب أجناس أخرى في المتن، ليس الشعر وحده، وإنما التشكيل والفوتوغرافيا والموسيقا والكتابة الصحافية، كما لو أننا أزاء أوركسترا في مسرح مفتوح.