رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أموال تونس المنهوبة

أساطير كثيرة جرى تداولها، طوال السنوات العشر الماضية، عن نجاح تونس فى استرداد أموالها المنهوبة. بينما قال الواقع إن الحكومات التونسية المتعاقبة، منذ الإطاحة بالرئيس الأسبق زين العابدين بن على، فشلت فى استرجاع هذه الأموال، أو لم تسترجع إلا نسبة ضئيلة جدًا منها، حتى بعد صدور أحكام قضائية تدين ناهبيها أو المتهمين بنهبها.

الحديث عن أموال تونس المنهوبة، جدّده الرئيس قيس سعيد، الأربعاء الماضى، حين قال إن ٤٦٠ شخصًا نهبوا ١٣٫٥ مليار دينار ، أى ٤.٨ مليار دولار، من أموال البلاد، بناء على تقرير للجنة الوطنية لتقصى الحقائق حول الرشوة والفساد. وعرض «صلحًا جزائيًا» وتسوية قانونية مع هؤلاء، مقابل إعادة الأموال المنهوبة للشعب، أو التعهد بإقامة مشروعات تنموية فى كل مدن البلاد الصغيرة والكبيرة، من الأكثر فقرًا إلى الأقل فقرًا، والمناطق المهمشة، ويكون المسئول عنها طيلة عشر سنوات. وخلال استقباله رئيس الاتحاد التونسى للصناعة والتجارة، أشار سعيد إلى أنه سيصدر نصًا قانونيًا ينظم الإجراءات التى تسمح باسترجاع تلك الأموال. 

فى يناير الماضى، أعلن المجلس الاتحادى السويسرى عن انتهاء تجميد الأموال المهربة من تونس إلى جنيف، لأن مدة التجميد وصلت إلى الحد الأقصى، دون أن تكمل السلطات التونسية الإجراءات القانونية لاستعادتها. ومع ذلك أعلنت الرئاسة التونسية، فى ١١ مارس الماضى، عن أن سويسرا قامت بتحويل ٣.٥ مليون دينار «١.٢٧ مليون دولار» من أصول بن على إلى حساب الدولة بالبنك المركزى التونسى. وتحدثت حسناء بن سليمان وزيرة العدل السابقة، أو المقالة، عن تحديد الأموال والعقارات الموجودة ببعض الدول، والحصول على معلومات أفضت إلى تسليم أوراق وملفات وتقديم وسائل إثبات أتاحت الكشف عن العديد من الأصول. 

اختلفت التقديرات حول حجم الأموال المنهوبة، خلال فترة حكم بن على. إذ قدّرتها منظمة «جلوبال فاينانشيال إنتجريتى» بـ٢٠ مليار دولار، وقدرتها «منظمة الشفافية التونسية» بنحو ٢٣ مليار دولار موزعة على حسابات سرية فى عدد من الدول. وأعلن البنك المركزى التونسى عن أنه توصل إلى ممتلكات وأموال منهوبة فى ١٠ دول. وفى مارس ٢٠١٣، قال منصف المرزوقى، الذى جعله الإخوان رئيسًا للجمهورية، إن قيمة هذه الأموال تتراوح بين ١٥ و٥٠ مليار دولار. وكانت نكتة، أن نقرأ فى ١١ أبريل التالى خبرًا عن قيام «على بن فطيس المرى» بصفته «المحامى المكلف باسترداد الأموال المنهوبة من دول الربيع العربى»، بتسليم ذلك المرزوقى شيكًا بقيمة ٢٨.٨ مليون دولار، هو رصيد زوجة بن على، فى بنوك لبنانية!. 

كان «بن فطيس» وقتها، حتى منتصف يونيو الماضى، النائب العام لدولة قطر. وخلال حفل أقيم مناسبة حصوله على «الشيك»، قال المرزوقى إن «هناك دولة شقيقة صديقة، اسمها قطر، دفعت جزءًا من الأموال لاسترجاع هذه الأموال»، وهدد التونسيين «الذين يتطاولون على هذه الدولة الشقيقة» بالملاحقة القانونية. 

بموجب مرسوم صدر فى ٢٠١١، تم تشكيل «اللجنة الوطنية لاسترجاع الأموال المنهوبة»، التى ظلت تابعة للبنك المركزى، حتى انتقلت ملفاتها إلى «المكلف العام بنزاعات الدولة»، فى ٢٠١٥. لكن هذا المكلف، حسب مبروك كورشيد، وزير أملاك الدولة السابق، كان يفتقد الكفاءة المهنية والقانونية، إضافة إلى أن مهمته لم تكن واضحة، لأن مرسوم ٢٠١١ تمت صياغته على عجل. ورأى كورشيد أن الحديث عن استرجاع الأموال المنهوبة، ارتبط بالمزايدات السياسية، لأن المعطيات الفنية والقانونية المتوافرة، إلى اليوم، لا تكفى لاسترجاع هذه الأموال. 

أيضًا، عرفنا من مقال كتبه أنور غربى، أمين عام مجلس جنيف للشئون الدولية والتنمية، فى جريدة «لوتان السويسرية»، أن تونس تمكنت من استعادة طائرتين من سويسرا، لكن طلبها المقدم فى أوائل ٢٠١٥، بأن تصبح طرفًا مدعيًا فى الإجراءات التى بدأها المدعى العام فى جنيف ضد بنك «إتش إس بى سى» فى سويسرا، قوبل بالرفض. وطبقًا لما جاء فى المقال، المنشور فى فبراير الماضى، فقد دفع البنك نفسه غرامة قدرها ٤٠ مليون فرنك سويسرى «٤٤.٦٤ مليون دولار»، فى يونيو الماضى، إلى الدولة السويسرية عن قضايا غسل الأموال ضد جميع عملائه، وأفلت من المحاكمة، ما أدى إلى حرمان تونس من أى تعويضات!.

.. وتبقى الإشارة إلى أن «البنك الدولى» أعلن بعد قرارات الرئيس قيس سعيد، التى أطاحت بسيطرة الإخوان على الحكومة والبرلمان، عن مساندته القوية لتونس ومساعدتها فى الاستجابة للتطلعات الشرعية لشعبها. وقال إنه يراقب عن كثب ما شهدته خلال العشر سنوات الماضية من تحديات اقتصادية خطيرة قوبلت بتجاهل كبير، فى سياق من الصعوبات الاجتماعية والسياسية.