رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«الدستور» تتابع آخر تطورات «زلزال تونس» ضد «الإخوان»

مظاهرات تونس
مظاهرات تونس

تنفيذًا للوعد الذى قطعه الرئيس التونسى، قيس سعيد، لشعبه بفتح ملفات الفساد المالى وملفات الإرهاب، فتح القضاء التونسى، أمس، تحقيقات موسعة بشأن اتهامات بتلقى ٣ أحزاب، من بينها النهضة الإخوانية وقلب تونس- الذى خسر رئيسه فى الانتخابات الرئاسية أمام قيس سعيد- تمويلًا خارجيًا خلال الحملة الانتخابية عام ٢٠١٩.

واستبشر التونسيون بهذه الخطوة، وطالبوا الرئيس بفتح بقية الملفات المسكوت عنها، خاصة التى تمس «أمن الدولة» فى مقابل محاولات مستميتة من «النهضة» لطمس تلك الملفات وعرقلة أى خطوات للتعامل معها قضائيًا وسياسيًا.

وطالبت عبير موسى، رئيسة الحزب الدستورى الحر فى تونس، رئيس الجمهورية بالقيام بشكل عاجل بفتح «الملفات الحارقة»، الخاصة بأمن الدولة وتسفير الشباب إلى بؤر الإرهاب فى ليبيا وسوريا بين عامى ٢٠١١ و٢٠١٣- خلال حكم النهضة وتزعمها الترويكا- وكذا فتح ملفات اغتيال المعارضين وعناصر الجيش والقوات الأمنية.

كما وجهت النائبة التونسية حديثها للرئيس قائلة: «ننتظر إحالة ملفات أمن الدولة وتغلغل الإرهاب إلى القضاء، لنرى أحكامًا رادعة وتحميل مسئوليات واضحة، ولديك كل الصلاحيات التى تمكنك من ذلك»، ودعته إلى سرعة غلق مقر الجمعيات الأهلية المشبوهة فى تونس والتى يتم عن طريقها تبييض أموال الجهات الداعمة للإرهاب وتجفيف منابع تمويلها. كما دعته أيضًا إلى الإعلان عن خارطة طريق للمسار السياسى والدستورى للدولة وتشكيل حكومة جديدة بلا إخوان أو حلفائهم.

بورصة ترشيحات رئيس الوزراء

تتجه أنظار التونسيين إلى قصر قرطاج، حيث ينتظر إعلان الرئيس خلال الساعات القليلة المقبلة اسم رئيس الوزراء الجديد خلفًا للمقال هشام المشيشى. وكان الرئيس قد بدأ أمس الأول سلسلة من المشاورات لتشكيل الحكومة الجديدة. ويشير المقربون من القصر الرئاسى إلى أنها لن تزيد على ١١ وزيرًا، حيث ستكون حكومة مصغرة تركز على الملفات الاقتصادية والأمنية والاجتماعية. ويتصدر الترشيحات «نزار يعيش» خبير الاقتصاد فى ظل ظروف اقتصادية صعبة تدفع بأهمية تولى خبير اقتصادى فى وزن «يعيش» لتولى إدارة دفة الحكومة. ومعروف عنه مواقفه الصارمة من الفساد، وكان قد شغل منصب وزير المالية فى حكومة الفخفاخ التى حاربها الإخوان واضطرت إلى الاستقالة.

وتشير بورصة الترشيحات إلى اقتصادى آخر هو حكيم بن حمودة الذى كان أيضًا وزيرًا للمالية فى حكومة مهدى بن جمعة فى ٢٠١٤.

ويأتى اسم ثالث ضمن الترشيحات هو وزير الداخلية السابق توفيق شرف الدين الذى سبق وأقيل بعد إجرائه تغييرات أمنية رفضها رئيس الحكومة السابق هشام المشيشى.

و«شرف الدين» هو محامٍ أشرف على إحدى حملات قيس سعيد الانتخابية فى ولاية سوسة عام ٢٠١٩، ويرى مراقبون أن هذا الترشيح له جدارته حاليًا لفرض احتياطات أمنية مشددة خاصة فى ضوء ردود الأفعال الإخوانية المتربصة بالبلاد وكذلك إحكام المراقبة والسيطرة على الحدود بعد أن لوحظ وجود تحركات لإخوان ليبيا الذين أعلنوا عن رفضهم قرارات الرئيس التونسى إثر تلقيهم ضربة موجعة فى تونس ومحاولتهم حماية ما يسمونها بـ«خطة التمكين ٢٠٢٨»، التى تهدف للسيطرة بها على شمال إفريقيا وتحويل طرابلس إلى عاصمة لـ«الدولة الإخوانية» أو ما تروج له تركيا بحلم «الخلافة العثمانية» فى تلك المنطقة.

الغنوشى وتمويل الإرهاب

قوبل قرار التحقيق مع «النهضة» بارتياح شعبى واسع، وكانت هيئة الدفاع عن الشهيدين شكرى بلعيد ومحمد البراهمى- المعروفين بعدائهما للإخوان وقد تم اغتيالهما من قبل عناصر إرهابية مسلحة فى ٢٠١٣ ودأبت حكومة النهضة على المماطلة فى فتح الملفين- قد عقدت مؤتمرًا صحفيًا، أمس، واتهمت راشد الغنوشى، زعيم «النهضة»، بالاعتداء على الأمن القومى التونسى وطالبت بجلبه والتحقيق معه فى أمواله المشبوهة وفى إدارته للجهاز السرى للحركة الذى يعد المتهم الأول فى اغتيال بلعيد والبراهمى.

وأكدت هيئة المحامين أن رئاسة قيس سعيد للنيابة العمومية «النيابة العامة» إجراء قانونى، مخالفة بذلك الآراء التى سبق وصدرت من أعضاء داخل المجالس القضائية وادعت عدم دستورية رئاسة رئيس الجمهورية للنيابة العمومية.

وكانت هيئة الدفاع عن المعارضين شكرى بلعيد ومحمد البراهمى قد سبق وكشفت علاقة «الغنوشى» بملف تسفير الشباب إلى ليبيا وسوريا، وكذلك إشرافه على التنظيم السرى لإخوان تونس وأنه على رأس المتورطين فى تمويل هذه العمليات، فضلًا عن علاقاته الخارجية المشبوهة المهددة للأمن القومى لتونس، حيث ينفذ تعليمات تنظيم الإخوان الدولى، وهو ما دعا عام ٢٠١٩ إدارة مكافحة الإرهاب بتونس لاستدعاء «الغنوشى» والتحقيق معه فى قضية اغتيال الزعيمين اليساريين، ووجهت له اتهامات بالمساهمة فى تسفير ٣ آلاف شاب للقتال فى سوريا والعراق، والعراق بشكل خاص.

لكن على مدى السنوات والشهور الماضية عرقل إخوان تونس عمل لجنة تحقيق برلمانية مخصصة لكشف شبكات التسفير، وتم إجبار رئيستها على الانسحاب من موقعها، بعد أن كشفت خيوط هذه الشبكات وعلاقتها بالنهضة. 

كانت جهات رقابية تابعة للبنك المركزى التونسى قد أحالت مئات الملفات خلال الفترة الماضية المتضمنة لشبهات تمويل الإرهاب وتبييض أموال للجهات القضائية دون جدوى. 

الدعم الدولى لـ«الخضراء»

الدعم العربى والدولى لتونس بما فى ذلك موقف الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة الأمريكية يتراوح بين المساندة الكاملة والتفهم مع الوقوف على خط التماس تجاه قرارات الرئيس قيس سعيد، وتستند هذه المواقف خاصة إلى ما عانته تونس خلال الموجة الأخيرة من أزمة كورونا، إضافة إلى الفشل الذى عانت منه طوال العامين الماضيين الذى أوصل البلاد إلى شبه إفلاس مالى كنتيجة لهيمنة الإخوان على تسيير أمور البلاد، حيث إنها تسيطر على السلطة التشريعية، متمثلة فى مجلس النواب، والتنفيذية، والمتمثلة فى الحكومة.

وأبرز المواقف الغربية تحمل إمضاء ألمانيا التى قالت المتحدثة باسم خارجيتها ماريا أديبهر بالحرف إن ما حدث فى تونس «ليس انقلابًا» رغم تعبيرها عن القلق من الاضطرابات السياسية المتصاعدة.

وأهمية الموقف الألمانى تكمن فى وجود التنظيم الدولى للإخوان فوق أراضيه ولم يؤثر ذلك فى الموقف الرسمى الألمانى، كما أنه كان الأول أوروبيًا وسبق بقية المواقف الأوروبية، إضافة إلى أن النقابات الألمانية ذات الثقل أوروبيًا وعالميًا ترتبط بعلاقة قوية مع الاتحاد العام التونسى للشغل «رمانة الميزان» حاليًا فى تونس ضمن مواقف جميع الأطراف السياسية والمدنية. 

ولعل البيانات التى أصدرتها الأطراف الإقليمية والدولية تعكس وجود مشاورات مسبقة مع قيادات عربية وعالمية حول القرارات التى اتخذها الرئيس التونسى.

وقد احتفظت غالبية البيانات بلغة متوازنة تحذر من الانزلاق إلى العنف وتجنب الصدمات دون الانزلاق إلى تجريم ما حدث، وهو ما سبّب ارتباكًا واضحًا لحركة النهضة التى تسعى لقلب الحقيقة أمام الرأى العام الدولى، بوصف ما حدث بأنه غير قانونى فى محاولة لإفساد التعاطف من الأطراف الدولية الداعمة لتونس.

وأمام هذه المواقف الدولية سرعان ما لجأت النهضة إلى تغيير تكتيكى فى موقفها من خلال الدعوة إلى الحوار الوطنى للخروج من الأزمة التى دخلت فيها تونس، وحث حزب النهضة فى بيانه، مساء الثلاثاء، على الوحدة بين الشعب رافضًا دعوات الفتنة والاقتتال الداخلى وذلك فى تراجع خطوة إلى الوراء بعد أن كان يدعو قبل يوم واحد أنصاره للاحتشاد فى الشوارع رفضًا لقرارات الرئيس سعيد. 

كما كان للتحركات السريعة من قبل وزير الخارجية التونسى، عثمان الجرندى، دورها فى شرح الوضع وتطمين الرأى العام العربى والإفريقى والدولى، حيث هاتف الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبوالغيط، وأمين منظمة التعاون الإسلامى، يوسف العثيمينى، ورئيس مفوضية الاتحاد الإفريقى موسى فكى، وكذا مع نظرائه فى كل من فرنسا وإيطاليا وألمانيا والاتحاد الأوروبى والمفوضية السامية لحقوق الإنسان.

وتناولت المشاورات آخر مستجدات الوضع السياسى فى تونس إثر القرارات التى اتخذها الرئيس قيس سعيد وطمأنتهم بأن تونس تمضى قدمًا فى المسار الديمقراطى.