رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أشهر«واد» فى الحلمية.. أسرار «الطفولة والشَيْطَنة والمقالب» فى حياة عادل أمام

عادل أمام
عادل أمام

كان أحمد زكى معقدًا.. حين سمع خبطات ضعيفة على باب غرفته فى المسرح، ردّ: مين؟.. جاءه صوت من وراء الباب: أنا عبدالحليم. 

ثار، واعتبره مقلبًا: «امشِ يا سعيد يا صالح.. امش يا عادل يا ابن الـ...». 

وبالفعل، كان عبدالحليم حافظ وراء باب غرفته فى مسرح الحرية بـ«باب اللوق» خلال تصوير «مدرسة المشاغبين»، ففى أول زيارة للمسرحية، جاء عبدالحليم رفقة أمير عربى، وبعد نهاية العرض، زار النجوم فى غرفهم ما عدا «زكى».

غضب أحمد، وبكى. 

وضاعف غضبه سخرية «عادل وسعيد» من بكائه. 

عرف عبدالحليم، فزاره فى اليوم التالى دون موعد. 

كان أحمد موعودًا بـ«مقالب» عادل إمام وسعيد صالح: يتصل به أحدهما من تليفون آخر، ويقول: آلو، أنا رمسيس نجيب، إزيك يا أحمد؟.. أنا جاى لك دلوقتى، وعايز أوقع معك عقد فيلم جديد».. ثم يدق باب الغرفة: افتح يا أحمد.. أنا رمسيس نجيب.

يفتح أحمد «باب النجومية» ليجدَ سعيد أو عادل، اللذين وضعاه- بشقاوة الشباب- فى جحيم اليُتْم والعُزلة.

لم يفتح الباب إلا حين سمع صوت صديقه «فرفور»: «افتح يا زكاوة.. ده عبدالحليم بجد».

فتح أحمد ليأخذه عبدالحليم بين أحضانه: «كده تزعل منى؟.. ده إحنا بلديات».

 

سرّب شائعة للصحف عن شقيقة محمود ياسين: «بص شوف اللى وقع منك»

المقالب خلطة عادل إمام لهزيمة أعدائه نفسيًا، أو صناعة الضحك، أو تحقيق مكاسب تافهة بين أصدقائه حين كان طفلًا، ويحكى الكاتب الصحفى أحمد عفيفى أنه دخل وراء ستارة مسرحية «مدرسة المشاغبين» كى يبحث عن خبر يقدمه لمجلة «روزاليوسف» حتى يتحوّل من متدرب إلى «صحفى معيّن»، ووجد عادل إمام: 

قلت له «مساء الخير يا أستاذ عادل»، فسلم علىّ بحرارة «كأنه يعرفنى من ١٠٠ سنة»، وطلب لى شاى بالنعناع، وكلمنى بأدب لم يكن معروفًا عنه، وقال لى: «ده إنت ضيفى». 

يملك «عادل» أسلوبًا أسيرًا فى «تثبيت ضحاياه» يقوم على الود الكامل حتى يستريح له «الزبون» تمامًا، ويتقبل خوازيق عادل، ويصدقها بهدوء، حتى يكون المقلب قاسيًا فى لحظة اكتشافه. 

طلب منه عفيفى «انفرادًا» عن فيلمه المقبل، فردّ عادل إمام بأنه «ابن حلال» قبل أن يكشف له أنّ «هذا الخبر لا يعرفه صحفى قبلك.. أنت ابن حلال فعلًا.. داخل فيلم هيكسر الدنيا.. بص شوف اللى وقع منك». 

نظر الصحفى الشاب إلى الأرض، وبدأ يبحث عمَّا وقع منه فعلًا، فقال له عادل إمام: بتدوّر على إيه؟.. ده اسم الفيلم.. والبطلة هتكون حسنية ياسين.

يندهش عفيفى: مين حسنية دى؟، فيصارحه عادل بـ«وجه جاد وصارم»: «أخت محمود ياسين.. قنبلة السينما الجديدة.. أقوى من أخوها وبنت قمر هتعجبك.. والله إنت ابن حلال».

تصدر «روزاليوسف» الخبر.. «أخت محمود ياسين تقتحم عالم السينما».. وتنقلب الدنيا، محمود ياسين ينفى أن له أختًا اسمها حسنية ويطلب تكذيبًا ليرتاح من اتصالات المنتجين الذين يطلبون التعاقد مع أخته!. 

يتصل رئيس قسم الفن بـ«عفيفى» ويسأله عن مصادره، فيكشفها: «عادل إمام بنفسه».. يرد: «هو عملها معاك، ده بيهرَّج». يومها، فهم عفيفى أن «ابن حلال قوى» التى أغرقه بها عادل إمام تعنى أنه «ساذج قوى». 

 

سر رغبة الطفل عادل فى إضحاك زملائه حتى أصبح الأشهر بالمنطقة

كانت القصتان امتدادًا لعشرات المشاهد، التى يقوم فيها بمقالب فى «أولاد الحلال»، الذين يثقون فيه أو يحاولون مساعدته منذ أن كان طفلًا، وخفة الدم موهبته الفطرية، والشقاوة ذنبه الذى يعرَّضه لعشرات «الشلاليت والأقلام» من والده، لكنه لا يكفّ حتى يصبح «أشهر واد فى المنطقة»، وسر شهرته أنه لا يرحم أحدًا من مقالبه ومصائبه، ففى أى مصيبة لا يحقّقون لاكتشاف الجانى، إنما يسألون: فين عادل ابن الصول إمام؟ هو اللى عملها. 

لنقرأ ملخص عادل لمصائب طفولته.

«كنت أجد نفسى دون اختيار أو قصد أقف فى وجه المدفع، وكلما وقعت كارثة فى المدرسة يبحثون عنى، ويوجّهون لى التهمة، وفى أحيان كثيرة يتهموننى فى أشياء لم أرتكبها فعلًا ولا أعرف عنها شيئًا، وأتقبل العقاب دون رفض أو وجع دماغ؛ لأن مفيش حد هيصدقنى، وهذه ضريبة الشهرة، فأن يذكرك الناس أفضل من أن تتحوّل إلى شىء منسى، وكم مهمل».  ارتبطت المقالب لدى عادل برغبته فى إضحاك زملائه، الشىء الوحيد الذى يشعره بالأهميّة: «كان إسعاد أصدقائى هدفى الوحيد، ولما كانوا يضحكون، أشعر بسعادة غريبة، وأول لحظة سعادة فى حياتى مرتبطة بقدرتى على إسعاد أصحابى فى المدرسة، فوسَّعت نشاطى من الفصل إلى الشارع، والحى كله».

 

أشهر المقالب: ضرب الكمسرى.. إيقاع المارة فى حفر.. وتمثيل «العمى»

يجرف عادل إمام باندفاعه كل مَن يمرّ أمامه حتى يجذب اهتمام الآخرين، وتتحول المقالب من هواية عابرة إلى عاهة مستديمة يخصّص لـ«اختراعها وإخراجها» يومًا كاملًا، وكلما كانت مؤذية استدعت ضحكة أعلى، فأرضت غروره. 

يمد يده إلى أحد المارة حتى يوحى بأنه سيصافحه ثم يسحب يده، ويجرى.

يضرب الكمسرى على طربوشه ويقفز من الترام.

يعمل نفسه أعمى ويطلب من الناس أن يأخذوا بيديه ليعبر الشارع ثم يفتح عينيه ويضحك.

يحفر حفرة فى وسط الطريق، ويملؤها بالماء ثم يغطيها بورق شجر أو فَرْخ كرتون، وحين يمر فوقها أى شخص محترم، يقع، وتتسخ ملابسه، فيضحك أصحاب «شيطان الحلمية» لإحراجه. يحضر مولد الرفاعى وينتظر حتى «يدوخ» الدراويش وأهل الذكر بعد الحضرة ويربطهم معًا بأطراف الجلابيب حتى يقعوا، ويهرب.

يجلس على مقهى «فوزى أذية» ويضع رجلًا على رجل، ويصفق بيده ليأتى الرجل ويطلب منه «واحد شاى» فينطلق «فوزى» لتلقيمه وتسخينه وحين يخرج، يكتشف أن عادل اختفى.

يطلب من أحد أصدقائه أن يأتى لمشوار إلى منطقة «بركة الفيل» وعند محل خردوات، يفاجئه: «ادخل هات منه قص ولزق»، ولمَّا يفعلها صديقه، يفاجأ بالراجل يجرى وراءه ويلم عليه أهالى المنطقة، ويضربه، وبدا أن الكلمة كانت «سيم» يوحى له بمقلب قديم دبَّره عادل. يقف فى ميدان الجيزة، وينتحل صفة «ضابط مباحث»، ويثبّت العربات الكارّو، ويغرّم كل عربة حصة من «غلّة اليوم» بجرأة يمكن تفسيرها بثقته أن «الصول إمام» سينقذه حين ينكشف نصبه، لكنه كان يخاف «شلاليت الصول إمام» أكثر من «قفيان الحكومة». 

تعلم تقليد المدرسين فى حصص العربى.. وانتحل شخصية البلطجى

ويندفع إلى تقليد زكى النص، بلطجى المنطقة المرعب، حين يكتشف أن «الناس يفرحون عندما أقلده وأمسخره وكأننى أنتقم لهم منه ومن جبروته»، بينما كان يعتبرها قضيته الأخلاقية؛ لأنه، فى النهاية، يسخر من «تاجر مخدرات». التفت عادل إمام، لأول مرة، إلى أنه ممثل كوميدى يملك قدرة خارقة على تقليد البشر على يد «أستاذ مسعود»، الذى «يطلب منى أقوم بقراءة القصة والتعبير فى حصص اللغة العربية عن حوار كل شخصية بطريقة مختلفة، وشجّعنى لمجرّد أنه كان يضحك من طريقة أدائى»، وهو ما دفعه إلى تقليد المدرسين فى مدرسته.

يعترف عادل بأنه كان «يتراذل» على خلق الله- بالتقليد أو المقالب- ويستمر فى طريقه حين يجد محبة أصدقائه، وإعجابهم بشرّه، فيتمسك بـ«حيله» أكثر من أى وقت آخر ليثبت لنفسه وللناس أنه جدع، ومستعد لتقديم رقبته خدمة لأولاد منطقته.. «ومعنديش مانع أروح فى داهية عشان واحد صاحبى».

ظلَّ الضحك، طوال سنوات الطفولة، وقود عادل إمام الذى يدفعه إلى عَمَل مقالب فى الآخرين، وتحويلهم إلى ضحايا.. وكلما سمع ضحكات أصحابه، ربحه الوحيد، حاول أن يزيد من المقالب، حتى وقع فى شر أعماله وترك أحد المقالب «علامة» على وجهه.. فانتهى زمن الشَيْطنة واللعب.. وأصبح لقب «شيطان الحلمية» ذكرى لا ينساها أهل المنطقة.. ويتذكرها الزعيم ضاحكًا.