رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ستظل مصر هبة النيل

كانت مقولة هيرودوت أن (مصر هبة النيل) تلخيصًا رائعًا تاريخيًا وعلميًا وفنيًا وحياتيًا لدور للنيل بالنسبة لمصر وشعبها تاريخيًا وحضاريًا، فمصر والنيل وجدا قبل الزمان بزمان أى قبل التاريخ، فالنيل لمصر لا يمثل مجرى مائيا يمدها بالماء والنماء والحياة فحسب، ولكنه هو الذى ساهم فى تأسيس أول دولة فى التاريخ أهدت العالم فجر الضمير، النيل فى لحظة تاريخية كان من ضمن الآلهة التى يقدسها المصريون ويقدمون له عروس النيل تحية وإجلالًا لدوره العظيم فى الحياة المصرية، لدرجة أن التعاليم الدينية كانت تنص وتحض المصرى على احترام النيل وتقديسه.
وكما كان النيل ملهمًا فى الإطار الدينى كان مؤسسًا لتأسيس قيام أول دولة تقوم على أسس قانونية تنظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم، النيل كان ولا يزال ملهمًا للمبدعين والفنانين فى كل مناحى الإبداع، فلقد حظى النيل بالآلاف المؤلفة من الأغانى والأشعار والأزجال والمواويل، وكم من الأفلام صنعت للنيل توصيفًا لواقع امتزج بالنيل شكلاً وموضوعًا.
النيل هو فسحة الفقير وعلامات حظوة للأغنياء، فالشقة تطل على النيل وأغلى الفنادق من يتيح للنازل الاستمتاع بالنيل . مصر النيل هى أهم الأمم التى ذكرت فى التوراة والإنجيل والقرآن، إنه النيل الذى شابت على أرضه الليالى وحفرت عمرها الجبال، هذا هو النيل بالنسبة لمصر والمصريين، فماذا يعنى النيل الآن بالنسبة لإثيوبيا فى إطار مشكلة السد الإثيوبى؟.
إثيوبيا ومن وراءها يعلمون ما هو النيل بالنسبة لمصر ولهذا لم يكن هذا السد هو أول هذه الاحتكاكات السياسية التى يقصدون بها تعويق مصر حتى تنكفئ على نفسها ولا تقوم بدورها التاريخى فى عموم المنطقة، نعم طال الانتظار وضاع الوقت فى مفاوضات ماراثونية لا تهدف لاتفاق بل تهدف إلى استنزاف الوقت حتى تفعل إثيوبيا ما تريد وتضعنا أمام الأمر الواقع، نعم وضعنا فى لحظة تاريخية حسن النية لنظام إثيوبى لا يعرف ولا يجيد غير سوء النية، نعلم أن هذا التعنت الإثيوبى لا يعتمد على الإمكانات الإثيوبية على الإطلاق ولكنها اللحظة التاريخية التى تجمعت فيها المصالح الدولية حول هذا السد وحول كم الاستثمارات الدولية لبعض الدول الكبرى وبعض الدول العربية، وقد ظهر هذا فى جلسة مجلس الأمن الخميس الماضى والتى اكتسبت فيها الدبلوماسية المصرية فرصة لكشف النوايا فى الوقت الذى أعلنت فيه مصر حججها القانونية والسياسية والتاريخية فى حقوقها الأبدية فى مياه النيل.
هنا وبكل وضوح فإن الموقف الذى نقله هو موقف ومشكلة غير مسبوقة فى التاريخ المصرى، نعم واجهنا عبر التاريخ ما يسمى بشح الأمطار الممتد فحدث مجاعات لا تخطر على عقل ولكنها قدرية، ولكن ما يحدث الآن هو ليس القدر ولكنه التعنت والاستغلال وإسقاط القانون الدولى ووضع سوابق خطيرة عالميًا حول تقسيم المياه من البحيرات المشاركة فيها أكثر من دولة، نحن فى مواجهة دولة تريد أن تغلق علينا محبس المياه أى محبس الحياة أو دفع الثمن، نعم الآن فى آخر مراحل ما يسمى بالتفاوض، نعم الآن يمكن أن نقول إننا قد استنزفنا كل الأساليب وطرقنا كل الأبواب القانونية والسياسية والدولية، فما هى الصورة الآن؟
هى تعنت إثيوبى بمساعدة دولية لمحاصرة حياة المصريين،  هل هناك مفاضلة بين الحياة واللاحياة؟ بالطبع يقول المثل يا روح ما بعدك روح، فهل تستطيع مصر الدفاع عن حق الحياة؟ لاشك فهذا استخلاص طبيعى أكده التاريخ وأثبتته الجغرافيا، وكما لخصه جمال حمدان (مصر وطن ممتد وباق من آلاف السنين، إنه سبيكة حضارية فرعونية بالجد وعربية بالأب، بجسمها النهرى قوة بر، وبسواحلها قوة بحر، أى تضع قدمًا فى الأرض وقدمًا فى الماء.. بجسمها النحيل تبدو مخلوقًا أقوى من قوى، تقع فى الشرق وتواجه الغرب، ولهذا هى قلب العالم العربى واسطة العالم الإسلامى وحجر الزاوية فى العالم الإفريقى).
قصد جمال حمدان بعد نكسة ٦٧ وردًا على الهزيمة تأكيد أن مصر قادرة على أن تعبر كل انتكاس أو تحد ماضيه فى سرديتها المتفردة لا تلتفت إلى عوائق، الآن جد كل الجد، نحن فى موقف وتحد ومواجهة تاريخية دفاعًا عن الحياة.
مواجهة تتطلب كل التوحد وتنبذ وتؤجل كل خلاف، فالنظام السياسى والجيش لابد لهما من قوة شعبية تحمى ظهره وتؤكد الإرادة السياسية فى حماية حياة المصريين، حمى الله مصر وجيشها وشعبها العظيم مصر كل المصريين.