رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«رسول حمزاتوف» فى «قاهرة المُعز»

كثير من المصريين، حتى بعض المثقفين منهم، لم يسمعوا باسم «رسول حمزاتوف»، رغم أنه واحد من أكبر الشعراء والمبدعين فى العالم، وأشعاره تحمل قيمًا نبيلة تتغنى بالمحبة والجمال والمشاعر الإنسانية الراقية!

وُلد «رسول حمزاتوف»، فى ٨ سبتمبر ١٩٢٣ بدولة «داغستان» الصغيرة، الواقعة جنوب روسيا، فى منطقة شمال القوقاز، والتى كانت أحد مكونات «الاتحاد السوفيتى» السابق، وتربى فى السهول المُترامية، على قيم الفروسية والشجاعة والعطاء، وتأثر بطبيعة أهله البُسطاء الطيبين، ونمت شاعريته فى ظل أب مثقف وشاعر، وفى وسط يعنى بالمعرفة والثقافة، «الوثيقة الأواصر بالفكر والثقافة العربية والإسلامية، حتى إن الكتابة الداغستانية، كانت إلى نحو مائة عام فقط، تُكتب بالحروف العربية»، فتفجَّرت أحاسيسه وقُدراته الإبداعية، وصارت أشعاره على كل لسان، وتُرجمت إلى لغات العالم أجمع، لمضامينها السامية، ومعانيها البليغة، ولما احتوته من حكمٍ عميقة، يُرددها القُرَّاء والمحبون من كل صوب!

مَجَّدَ «حمزاتوف» البطولة، والشجاعة، والكرم، والتضحية، والعطاء، والحب، والسعادة، والجمال، والوطنية، والخير، والسلام، ودافع عن أمته وبلاده حين تعرضتا للخطر؛ وحين تآمر عليهما أعداء الداخل والخارج، وانقلبوا على ماضيهم بحجة التغيير، سمع العالم كله، صوته الأجش القوى يصيح غاضبًا ومُعترضًا: «إن المرء يُغيِّر قُبعته، لا يُغير رأسه»، تعبيرًا عن رفضه البليغ لإلقاء الماضى كله فى سلة المهملات، بحلوه ومره، وبإيجابياته وسلبياته، دون فرز أو تمييز، ولفتح أبواب وطنه للمفسدين ولصوص المال العام، تحت مزاعم التطوير، وفى حديث له مع الدكتور «أحمد الخميسى»، الأديب والمبدع المصرى الكبير، بعد سقوط الاتحاد السوفيتى السابق، قال له: «ظهر لدينا فى روسيا الآن ما يسمى السوق، ودخلنا مرحلة من حرية الجوع الوحشية، أصبحت فيها أسعار الطماطم أغلى من البشر، وأصبح مُمكنًا شراء كل شىء فى روسيا: الضمير والبطولة، الموهبة والجمال، الشعر والموسيقى، الأرض والأمومة أحيانًا. وقد بَدَّلَ الكثيرون من مواقفهم. ربما يمكن للمرء أن يُبَدِّل قبعته، ولكن لا يمكن لشخص شريف أن يُبَدِّل رأسه»، مُذكرًا مَن لا يعرف: «إذا أطلقت نيران مُسدسك على الماضى، أطلق المستقبل نيران مدافعه عليك»!

غير أن أعذب ما كتبه «رسول حمزاتوف» هو ما تَغَنّى به فى حب وطنه وشعبه: «نجوم كثيرة .. وقمر واحد/ نساء كثيرات... وأم واحدة/ بلاد كثيرة.. ووطن واحد»؛ و«داغستان يا ملحمتى، كيف لى ألا أُصلّى من أجلك؟ ألا أُحبك؟ وهل يُمكننى أن أطير بعيدًا، عن سرب الغرانيق فى سمائك؟ داغستان: كل ما أعطاه الناس لى، أتقاسمه بالعدل معك، أوسمتى وجوائزى، سأُعلِّقها على قممك».

رحل «حمزاتوف» عن عالمنا فى ٣ نوفمبر ٢٠٠٣ بعد أن حظىَ بلقب «شاعر شعب داغستان» عن استحقاقٍ كامل، ونال العديد من الأوسمة وميداليات الشرف، الداغستانية، والسوفيتية، والروسية، والعالمية، وغيرها، لكن جائزته الكُبرى كانت محبة الناس فى «داغستان» وفى كل بقاع العالم لهذا الشاعر العظيم، ولإبداعه العبقرى المتميز.

مناسبة هذا الحديث كله، هو زيارة وفد ثقافى رفيع المستوى لمصر، يضم فى عضويته رئيس اتحاد الكُتَّاب الداغستانيين، وعدد من كبار المبدعين فى هذا البلد الصديق، برعاية «المؤسسة المصرية الروسية للثقافة والعلوم»، للمشاركة فى فعاليات معرض القاهرة الدولى للكتاب، وعام الثقافة المصرية الروسية «٢٠٢١»، حيث سيلتقى الوفد المثقفين المصريين، ويعقد ندوات للتعريف بالثقافة الداغستانية فى المركز الثقافى الروسى بالقاهرة والإسكندرية، ويوقع بروتوكولًا للتعاون الثقافى مع «النقابة العامة للكتاب والأدباء المصريين»، وغيرها من الأنشطة.

وما أحوجنا لأن تكون هذه الزيارة المهمة فرصة لتوثيق العلاقات بين شعبينا، ولترجمة عيون الأدبين المصرى والداغستانى، وفى المقدمة أعمال «رسول حمزاتوف»، وللتبادل الثقافى الرفيع، الذى كان، وسيظل، إحدى دعائم قوة مصر الناعمة إلى أبد الآبدين.