رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

يهيننى ويسىء معاملتي ويهدر كرامتي لكن أعمل إيه؟ "بحبه"

صديقة أعرفها تكاد أن تصيبنى بضغط الدم المرتفع وجلطة فى المخ من شدة التناقضات التى تحرك سلوكياتها والأوهام التى تسيطر على حياتها الزوجية وفهمها الخاطئ المضطرب لمعنى الحب، الذى جعلها تتحول إلى "دمية" لجذب زوجها بأى ثمن، لا شىء تفكر فيه إلا كيف تظل فى حياته مثل "السلعة" المرغوبة من قبل زوجها.


وهى فى الوقت نفسه تشكو مُرْ الشكوى من معاملته السيئة وإهداره لحقوقها وكرامتها، وكلما فكرت جديًا فى الانفصال تعود فى مذلة وهوان تستعطفه وتتوسل أن يغفر لها مثل الجارية التى تطلب الصفح من سيدها، وهكذا تظل فى الدائرة المتكررة نفسها وعندما أسألها عن هذا التناقض، تقول فى نبرة أنثوية مستسلمة حالمة: "أعمل إيه مقدرش أسيبه بحبه".


أؤمن بأن الحب هو الهدية الكبرى التي تمنحها الحياة للبشر في كل زمان ومكان، قناعتى التى تتأكد كل يوم أن الحب هو محرك التاريخ هو الطاقة المحفزة على النمو والعمل والإبداع والتواصل، لولا الحب لما عرفنا أجمل القصائد وأعظم الثورات وأروع الاكتشافات.
الحب يعلمنا الرقة والأدب والعطاء، بسبب الحب تتكون فى الأرحام أجنة متميزة، مبدعة، سليمة العقل والجسد، حينما تموت قصة حب تبكي السماء، وحينما يفترق حبيبان تتجهم الأشجار ويختفى النصف المضىء من القمر.
وفى مجتمعاتنا العربية يعيش الحب بين الرجال والنساء أزمة كبرى، من خلال قصة حب عربية نستطيع استخلاص كل الأمراض الحضارية التى يئن بها، المجتمع العربى، الحب فى المجتمعات العربية، عيب وعار ورذيلة وانحلال وقلة أدب، ولأنه كذلك فإنه محاط بالأوهام والأشباح.


الرجل الذي يعلن عن حبيبته في مجتمعاتنا كأنه يعلن عن "فضيحة"، والمرأة التي تعلن عن حبيبها كأنها تكتب بيديها صك وأدها، يحدث هذا "التأثيم" للحب بينما تحاصرنا أغنيات الحب ليل نهار التى تناجى الحب وتغازله وتدعو له.


ما بين تأثيم الحب فى الحياة وتمجيده فى الأغانى، تذبل ملايين القلوب وتتعطل أجمل وأعظم العواطف والطاقات، ما بين "التأثيم" و"التمجيد" تُجبر النساء والرجال على الكذب والعلاقات السرية المهينة للكرامة ولمعنى الحب وجود حياة مطيعة فى العلن وأخرى متمردة سرية، وصف بليغ للعلاقات المؤسسة فى مناخ يعادى الحب ويحقره ويتهمه.
 

إن المجتمعات التي تعيش "الحب" في كتمان وسرية بينما تعلنه كاسم فيلم أو عنوان أغنية، مجتمعات مريضة متخبطة وتعيسة ومشوهة، وهى نفسها بالضرورة المجتمعات التى تحتل المراتب العالية فى نقص الحريات وفى قلة الإنتاج وفقر الإبداع وانتشار الاختلالات النفسية والاضطرابات الوجدانية وتضخم النعرات الذكورية.


ليست مبالغة أن نصف إشكالية الحب فى المجتمع العربى على أنها نوع من الإرهاب العاطفى، تبدأه مؤسسة الأسرة وترسخه، المؤسسات التعليمية، والثقافية.. وهكذا يتم خلق وتشكيل إنسان ينظر إلى عواطفه فى خوف وارتياب وعدائية.
والنتيجة المنطقية هى أن الحب السوى الذى يسمو بالإنسان ويحافظ على صحته العاطفية والنفسية هو بالضرورة، ظاهرة استثنائية فى المجتمع العربى، وعندما تعلن فضيحة الحب ويتزوج الاثنان فى عش الزوجية الوردى، تبدأ بالتدريج انكشاف الحقائق والأساس الضعيف المكون للعش الوردى يتصدع.


فالرجل شخصية مسيطرة حادة المزاج ليس عنده استعداد للمشاركة الإنسانية الحقيقية مع زوجته، فالحب كان أصلًا غير سوى فى مناخ غير سوى تحيطه قيم غير سوية، والنتيجة المنطقية الحتمية هى بيوت تعيسة تتحمل البؤس والإحباط وعدم الانفصال، النتيجة أن حال صديقتى  ليس استثناء فى بلادنا، هذه المهانة باسم الحب.


وحتى لا نظلم مجتمعاتنا نوضح أن الحب السوى ظاهرة استثنائية على مستوى العالم، نسأل بمعنى آخر هل يساعد البناء الاقتصادى والاجتماعى الذى يسود العالم أو العولمة على خلق الإنسان القادر على الحب؟.


أعرف نساء من مجتمعات أخرى يعيشن المأساة نفسها، تشكو من الحبيب أو من الزوج وتعتبره إهانة لكرامتها وربما تكون عضوة فى جمعية لتحرير المرأة وتعطى محاضرات عن حقوق النساء، لكنها فى الحب تتلقى الإهانات وتقول: "أعمل إيه بحبه".


من بستان قصائدى
- أعرف أنك ستجدين أبرع المحامين.. تعكفين على دراسة الأدلة والدوافع
- تسمعين وتتأملين كلام وأقوال الشهود.. ممتزجة بصرخات الضحايا وأهات المواجع
- لكن القضية يا حبيبتى.. لو كنت تعلمين
- منذ البداية.. ماكرة ملتوية غادرة
- أشفق عليك من الأمل الخادع.. النائم معنا فى سرير واحد
- جهدك بلا جدوى والوقت ضائع.. وكلاهما واهم أحمق
- الشارى والبائع.. أشفق عليك من سذاجة التمنى
- الملفوفة كالأفعى بإحكام حول رقابنا.. والسموم المندسة فى طعامنا وشرابنا
- نحن بالفطرة السليمة أنقياء أبرياء.. لكن شيئا ما يغطينا بالدماء
- اتركى القضية حبيبتى.. فهى
- قبل الصرخة الأولى.. ولادة متعسرة
- هى لو تعلمين.. منذ بداية الزمان
- يا حبيبتى.. قضية خاسرة